آخر الهمسات للشاعر طلعت سفر

آخر الهمسات للشاعر طلعت سفر

ثقافة

الثلاثاء، ١٥ أبريل ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
تشكل الموسيقى عملاً أسياسياً في شعر طلعت سفر نظراً لما لها من أثر على عاطفته التي اعتادت غالباً على تلقي وقراءة مثل هذا الشعر وفق البيئة الثقافية التي عاش فيها على ترانيم شعر الشطرين أو التفعيلة؛ مما جعل حالته النفسية التي تتداعى وقت تشاء القصيدة تعتمد هذا النموذج الشعري، يقول ذاك الذي تلبس الأحلام طلعته:
ويشعل الصبح في أعماق ديجوري
كم كنت أملأ عينيه بكي أثر
وضائع من شذا اللذات مخمور
أهفو إليه.. كما تهفو سنونوة
إلى ربيع بدمع الغيم ممطور
واضح تماماً الأثر التاريخي في مقدمة القصيدة والمزج بين الحالة الشعورية والشعرية، وهذا ما يدل على سبب اهتمامه بالموسيقى الشعرية التي ترافق كافة تعابيره وكتابته في المجموعة الشعرية.
ويحاول طلعت سفر جاهداً أن يخرج من أثر القصيدة الشعرية التي تتلمذ على معانيها وأساليبها إلا أنه يتوضح لدينا أن الشاعر كثير التعاطي والتعامل مع هذا النمط الشعري الذي كاد ألّا يفارق أغلب أشعاره فهو يقول:
كأن الذي بيني وبينك هيّن
ويبدو للمتلقي أن الشاعر تأثر كثيراً ببيت أبي فراس الحمداني الذي يقول:
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العامين خراب
بل قد يتخطى الأثر دوره ليصل إلى التطابق وهذا يمكن أن يشكل حالة سلبية نمطية في حال تكرر أكثر من مرة في نص أو كتاب أو غير ذلك لأن هذا النمط يوجع تقد القصيدة ويعرقل تطور الفكرة وحضورها لاسيما الأفكار الإبداعية والمدهشة،
بينما تختلف القصيدة التي تعتمد الحوار عن قصائد المجموعة فهي تأخذ منحى إبداعياً أكثر ويطغى عليه التألق الشعري الحديث غير التقليدي وإن كانت الموسيقى الشعرية ذات مفعول ليس قليلاً في قدرتها على التعامل مع المتلقي ويقتصر دور الموسيقى على التأثير العاطفي يقول في قصيدة العروبة:
تقول لي العروبة كيف أحيا
وفي كفي القيود وفي لساني
أضل القائمون .. سوي أمري
وأطعم بالفجيعة كل آن
فقلت لها: أطيحي .. ليس يجزى
بغير الموت .. صناع الهوان
ولا يبدو أثر إيجابي للمرأة في نصوصه وقد يكون السبب أو الدافع الرئيس لكتابة هذا النمط هو حالة نفسية خاصة أو قضية شعرية سببتها مشكلة قد تكون عاطفية أو اجتماعية؛ وهذا ما أثر سلباً على فنية هذا النوع الشعري وتراوح بين المباشرة والألق الفني بسبب القدرة السردية عند الشاعر لاسيما بأسلوب القص والطرح الإنساني علمًا أنه اعتمد مجزوء البحر الكامل وموسيقاه التي تحتاج إلى خبرة ودراية في الشعر حتى تتلاءم مع حالة القصيدة وبنيتها التركيبية يقول في قصيدة هن النساء:
ما بال أيامي .. تغير غزلها
أنكرت حتى لونها المعروفا
خلعت علي غرام جفن ناعس
لم يرض إلا بالجفاء حليفا
إلى قوله:
فإذا مررت بهن أشهر عامدا
خوفي .. وأمسك خافقا مكتوفا
ولا يمكن أن نخفي ميزات موهبة الشاعر الإيجابية وقدرته على الحضور الشعري ومقدرة الموهبة واستعداداتها على التطور أمام أي حالة ثقافية جديدة، فهو شاعر مطبوع ويمتلك مقومات القصيدة الحقيقية وهذا القول شاهد:
مال الزمان .. وقد أبدى نواجذه
فلم يدع في رحاب العمر من سند
تراكضت .. فرس الأيام صاهلة
ووقع أقدامها .. باد على جسدي