"مسألة الخلق" ..بحث في الفلسفة والتصوف للدكتور معن صلاح الدين العلي

"مسألة الخلق" ..بحث في الفلسفة والتصوف للدكتور معن صلاح الدين العلي

ثقافة

الأحد، ٢ مارس ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
تعتبر الفلسفة موهبة هامة وقد تتجاوز المواهب الأخرى أهمية لاسيما إذا كان الباحث فيها موغلاً في الثقافة وحب المعرفة والاطلاع مما يدفعه إلى العمل على تفكيك ما هو مزيف من موروثات ومعتقدات عبر قدرته الواسعة على التفكير والإبداع؛ عندها تكون الفلسفة أساس التأمل من شعور فياض يرتكز على أسس ومسؤولية.
بذلك يصل الباحث معن صلاح الدين العلي إلى عقلانية الإنسان وحتمية حكمة الخالق ووجود الخلق بما تعنيه هذه الكلمة والعبارة التي وردت في سورة العنكبوت الآية 20 ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)؛ كما يستدل الباحث بما ذهب إليه ابن عربي في منهجه الصوفي وفي توضيح نظرية الخلق التي اختلفت باستدلالاته على رؤى أخرى كان قد استدل بها آخرون، فنفى طبيعة الموجودات كعلة للخلق وذلك بقصد الإثبات أن الله هو الخالق ولا فاعلية لغير الله سبحانه وتعالى وفق ما أورده المؤلف؛ لافتاً إلى أن منهج المعتزلة يذهب إلى حتمية خلق الله للعالم من العدم بعلمه وقدرته دون أن يغفل نظرية الخلق عند الفارابي وابن سينا والتي ترتكز على فكرتين الأولى هي التفريق بين واجب الوجود وممكن الوجود والثانية أن الصلة بينهما هي العقل الفعال. ثم يصل إلى تأكيد خلق الله للموجودات كافة التي يتكون منها العالم كما ورد عند أصحاب نظرية الكمون حيث يربط الباحث انتماء كافة النظريات بما تمتلكه من أسس ومقومات ونظريات إلى ما أورده الله تعالى في سورة الأعراف في الآية 11 (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) .
وفي واقع الأمر إن الإنسان سرٌّ من أسرار الخالق فقد أوجده بفعل قدرته المتفوقة حيث أراد أن يستخلفه في الأرض لتصريف موجودات الكون وتداعيات الحياة وهذا ما استشهد به الباحث الفلسفي والشاعر معن صلاح الدين العلي من الآية الكريمة 30 في سورة البقرة ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة).
ويصل في رؤيته أن الإنسان المخلوق العاقل المفكر الذي ارتقت به الحركة إلى مستوى الفعل المسبب لكل أشياء التطور والارتقاء والذي ميزه عن المخلوقات الذي تحدثنا عنها وقارن بينه وبينها، مشيراً إلى أن الكائنات الأخرى في طبيعة خلقها لا تمتلك ممكنات التطور وأسسه؛ ولقد خصّ الله سبحانه وتعالى الإنسان في مقدرته الفائقة على إدراك معنى الزمن خلافاً للكائنات الأخرى دلالة فكرية وفلسفية على وجود إبداع أكثر تعقيداً وعمقاً في تكوين هذا المخلوق وصولاً إلى أن الإنسان هو محور الحياة الاجتماعية الذي أتى لتسيير شؤون العالم والذي كان عليه أن يخرج من الرضوخ إلى الفكر التأملي لينفتح على الكون في فعاليته الكامنة بما ميزه الخالق.
وعلى حافة هذه الطروحات يتساءل المؤلف عن طبيعة هذا المخلوق إن كان عاقلاً أم لا أم أنه خلق كسائر المخلوقات واكتسب الفكر بعوامل التطور والارتقاء وأين هي نقطة بدء خلق هذا الكائن البشري في الزمان والمكان .
هذه أشياء وصل إليها الباحث من خلال نظرته الفلسفية العميقة في حركة التطور البشري وتشكيلات المجتمع مع استذكار دلالات الأساطير والعبادات القديمة والحضارات الغابرة التي أشارت إلى بعض تلك التساؤلات.
يريد الدكتور معن صلاح الدين العلي أن يصل من هذه الإشكالات إلى شيء مهم في دعوته الأخلاقية والمليئة بالوعي والثقافة والتبصر إلى أن القرآن الكريم مرتكزُ تفكير كل العلماء في تقصي حقيقة الخلق، وأن كل هذه الكون قضت مشيئة الخالق بوجودها، وأن ثمة خالق هو أساس القوة في هذا الكون، وهو ينظر أيضاً إلى هذا الكون نظرة التبصر التي جعلته بين حيرة الإنسان أن يفكر وقلقه تجاه معطيات الطبيعة ليتمكن في النتيجة من الوصول إلى رؤيته الفلسفية المعبرة عن حتمية وجود الخلق والخالق.
ورأى الكاتب أيضاً أن التأمل وما يحدث في الكون أشياء جدلية والعالم الموجود هو عالمنا وكينونتنا بقوانينه وأشيائه, لكن ثمة أشياء داخل الكون يصعب علينا تفسيرها.
وإن الفعل في أصل ما ينتجه هو فعل معقد كثيراً ما تنطوي أفعال الظن ثم تطلع منها النتيجة كما أن هناك أفعال يقين وهذا ما أتى به المؤلف مستشهداً في قصة صراع إبراهيم مع الموروث فبعد أن يسأل أباه إن كان يتخذ أصناماً آلهة فهو في ضلال مبين يقول كما جاء في الآية 79 من صورة الأنعام (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين)..
وقد ألمّ الكاتب في بحثه بكافة جوانب التطبيق التي أو صلته إلى مرتكزات جوهرية يتمكن من تقديم بحثه على منهج علمي واضح باعتباره درس كافة النظريات والدلالات ليصل إلى قوة القرآن الكريم بتوثيق ما ذهب إليه ليبعد رؤيته عن أي شك محتمل.