تطور قصيدة الشطرين في ديوان هوادج العشق لـ ديمة علي قاسم

تطور قصيدة الشطرين في ديوان هوادج العشق لـ ديمة علي قاسم

ثقافة

الاثنين، ٢٤ فبراير ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
ليس بالضرورة أن يكون تطور الشعر مقتصراً على هتك الأسس المكونة لقصيدة الشطرين أو الخروج على إيقاعها الموسيقي.. فقد يكون التطور أكثر تعقيداً إذا كانت القصيدة تنوي أن تكون حركتها إلى الأمام، وليس صحيحاً أن تعود إلى الخلف أبداً في شيء من قواها؛ ولا يمكن أيضاً أن نطلق صفة التطور على كل ما جرى في الماضي مهما وصل أصحاب النظريات الحديثة إلى قمم أو انتشار..
فكثيراً ما تكون الظروف في خدمة من يدخل هذه الميادين وهذه الساحات، وإذا ما بحثنا في عوالم الشعر نجد أن هناك من الصور ومن الرؤى ومن المنظومات والأفكار ما يعجز عنه كثير من شعراء اليوم لما يمتلكون من أدوات حديثة وسبل جديدة، إلا أن ديمة علي قاسم في نهجها الذي سلكته في قصيدة الشطرين حاولت أن تأخذ حذرها وتستفيد من ثقافتها وموهبتها ورؤاها وخلجاتها النفسية فاستطاعت أن تبوح بمكنوناتها وفق الإيقاع الموسيقي، والبوح النفسي والتداعيات الداخلية التي تتحرك داخلها بسبب قوة الموهبة التحريضية تقول في قصيدة وجه إبليس:

قد شط بي هبلي يوما فصور لي
وجها لإبليس فيما يشبه الرسلا
تيمت فيه فلم ألحظ دمامته
بل رحت أسهب في توصيفه جملا
فالعقل زينه والطيب جمله
والحسن ألبسه برديه فاكتملا

بذلك تكون قد تمكنت ديمة القاسم من الخروج عن المباشرة وجمع رؤيتها الفلسفية وتشكيل القصيدة عبر خلجاتها وعبر مساحات الخيال والأدوات اللفظية التي ساعدتها على تكوين جمل جديدة تدل على إبداع في الطرح الجديد الذي تمكّن من الحفاظ على بركان العاطفة الإنساني المسبب أولاً وأخيراً لتكوين النص.
وعندما وجدت ضرورة وجود التراث والأصالة في جوهر القصيدة تمكنت من الوصول إليه عبر جوهرها الشعري وموهبتها التي من الواضح أنها تطورت وبنت مكوناتها في حالة جديدة يمكن أن نصفها بالأصالة والمعاصرة لأنها حافظت بشكل قطعي على كافة الأسس التي تكوّن منها شعرنا العربي العريق بعد أن أبدعت في انتقاء الألفاظ وتكوين التعابير لتحاول عبور الأزمنة وتستوطن بين أولئك الذين رحب بهم التاريخ تقول في قصيدة عين الدهر:

سقتنا في سلمية عين حب
وأنهلنا البلاغة والغراما
نكاد لفرط عشق يعترينا
يقول الشعر من بلغ الفطاما

ولم يسبق ديمة القاسم أحد في تصوير الحالة الشعرية التي تميزت بها السلمية بكثرة شعرائها وتنوعهم ونثر ثقافاتهم وهذا الأمر أصبح إبداعاً عندما ربطته بالحب ليكون الحب من أهم الدوافع التي تخلق الشعر وتسمو بالقصيدة..
في الوقت الذي تأتي فيه الموسيقى الشعرية متمكّنة كانت في شطرين متناغمين، لتختار ديمة ما يلائم من تفعيلات نسجت في بحور شفافة جعلت الحالة الموسيقية تضيف إلى القصيدة كثيراً من الرقة والعذوبة.
ولعلّ هذا الألق التي تميزت به قصيدة الشطرين عند ديمة القاسم لم يصل إلى هذه المكانة في قصيدة التفعيلة بعد أن خرجت فيها عن عاطفتها وراحت تحاسب نفسها أو تبرمجها في انتقاء ما أرادته للقصيدة أو لمعظم القصائد التي كانت خارجة عن الشطرين في مجموعتها، تقول في قصيدة هيت لك:

استرخ.. مدّ على الأريكة
جسمك المهدود..
وافرد فوق حزني جانحيك..
علق بقرب الباب معطف بعدنا..

ولا ينقصها القدرة على الاستدراك فتلجأ إلى أسلوب القص الشعري الذي يعوِّض عن الأسس الأخرى فيخلق جواً آخر من الإثارة والتشويق؛ وإن اختلفت بذلك عن قصيدة الشطرين فهي قد تؤدي وتصل لأثرها إلى خيال المتلقي أو ذاكرته.
وبرغم كل ذلك تعتبر القصيدة الحديثة المتغيرة شكلاً بالدرجة الثانية في شعر ديمة القاسم التي تعدّ من أهم شاعرات السنوات الأخيرة التي شهدت دخول كم هائل من الشعراء والشاعرات إلى الساحة الشعرية.. بعضهم يمتلك أدواته وبعضهم يمتلك أدوات أخرى جعلته غاصباً وظالماً.