تداعيات البطل الروائي بين عادل شريفي وياسين رفاعية

تداعيات البطل الروائي بين عادل شريفي وياسين رفاعية

ثقافة

الثلاثاء، ٢١ يناير ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
تأخذ بعض الروايات سمعة كبيرة وراء أصحابها مع اختلاف الأسباب وتنوعها إضافة إلى الأسس المخالفة والتي لا ترتكز على بنى اجتماعية صحيحة ولا على ركائز ثقافية موازية..
أسماء أعلام خفاقة بين النجوم والأقمار دون وجه حق أو قد تصل إلى أخذ حق غيرها، كما تبيّن في قراءتي لروايتين نُشرتا في العام الماضي وهما "الحب في زمن الثورة" لعادل شريفي و"القمر بجانبه المظلم" لياسين رفاعية!!؛ فمن الذي أخفى عادل وراء الغيم الأبيض قرب البحر، رغم قوة الحدث الدرامي الذي كوّنه في رواية حب في زمن الثورة وأعطى لسواه حقوقه؟!.
تنامت أحداث الرواية حول أخلاقية البطلين وداد وأحمد في التصدي للطائفية وإصرارهما على تنامي الحب الشفاف النظيف الذي تمكّن الكاتب من رعايته وصيانته وفق البنية الأخلاقية التكوينية لتقاليدنا الأصيلة دون الخلل في مقومات الرواية التي استوفت شروطها بعيداً عن الاستطراد والحشو والابتذال حيث انتصرت العفّة والإنسانية على كل الاضطرابات وكل الرذائل مما جعل الراوي شريفي يصل إلى نهاية حدثه الروائي رافعاً رأسه متحدياً برغم كل المعوقات ليترك ابنة حلب بكبريائها وحبها الكبير لابن البحر بعنفوانه!!.
أما ياسين رفاعية الذي أسقط القمر بروايته "القمر بجانبه المظلم"، إذ صنع من الشاعر محمود الصوري رجلاً ضعيفاً لاهثاً وراء جمال سيرين عبر تلك الأحداث التي تشبه في سيرها الأفلام الأجنبية ليبحث عن مفاتن الجسد ويصف الشهوات والجماليات والجنس ويصنع الشلل الاجتماعية الفاسدة كما يصور التطور عند الأدباء وأساتذة الجامعة بين القمار والنساء والولائم كما يصور المرأة في أخلاق متردية حيث استهلكت بطل الرواية ممدوح الصوري ثم ذهبت لغيره.
وبالرغم من تشعب الأحداث التي لم يكن أمام الراوي إلا أن يخترعها بعد أن ضعف الحدث الرئيس في الرواية وتاهت الإثارة والتشويق بين شاطئ البحر والمقاهي والمسبح حيث لم تجد لنفسها مكاناً بسبب سيطرة الحالة المتردية على سلوك كبار السن وعلى ألفاظهم وجعل العلاقات الجنسية والكلام بها أساساً بنيوياً في موضوع الرواية وصولاً إلى انهزام الحب أمام طغيان التخلف الذي يختبئ وراء شعار ما يسمى بالتطور والتقدم وما يشبههما وعلى خبرة ياسين رفاعية الطويلة كما هو معروف في الساحة الأدبية لن تتماسك وسائل التعبير المكونة من ألفاظ ضائعة ولم تتمكن من الصعود أبداً لتصل إلى مستوى البنية القوية التي وصلت إليها رواية كتبها عادل شريفي الذي قد يكون بعمر أحفاد رفاعية..
إلا أننا دائماً نقف أمام حيرة الأدب؛ فما هي الوسيلة التي يجب أن تتسلح بها كتابة هذا الزمن حتى تحقق بما تحققه، ما حققه كثير من الأدباء عبر انتزاع حقوق غيرهم؛ إلى أن بات الأمر مقلقاً على مستقبل ثقافة باتت تقيس نجاح الرواية بقدر ما تحتويه من ألفاظ نابية وبقدر ما تعرض على "بسطاتها" صور إباحية متحركة يرفل صاحبها بالجرأة التي بالأساس لا علاقة لها بهذا المعنى، وثمة أسماء وروايات لا حصر لها أخذت حقّ غيرها انطلقت، وفي الوقت عينه تعاني الرواية الحقيقية وطأة الحرب على رسالتها ووسائلها وأسسها وتتهدد كلما ارتقت بأخلاقيتها ووطنيتها ولا يمكن أن تجد أحداً يرفعها على الأسنّة والرماح لأن أحداثها أكبر من الأيديولوجيا وأسمى من الغريزة، وهذا ما دفعني لأحصل على رواية "حب في زمن الثورة" برغم صعوبة ظروفها..
تلك الرواية التي تتصدى لكل ما يعوق كرامة ومروءة الشعب السوري منذ الستينيات إلى يومنا هذا في الوقت الذي وصلتني رواية ياسين رفاعية دون طلب أو إذن وحطّت بين يدي فيما تمتلكه من إغراءات ومثيرات لأحمل على عاتقي قراءة الروايتين بالمعيار الذي تنامت فيه تربيتي الثقافية ورؤيتي الاجتماعية والإنسانية فالمجد لأحمد ووداد بطلي رواية عادل شريفي ذلك الضابط الشامخ، ووداد تلك المرأة الحرة وكل السقوط إلى أساتذة الجامعة والشعراء والنساء الثريات الجميلات في رواية ياسين رفاعية لما يمتلكون من رداءة في السلوك.. وفي النتيجة تبقى القراءة أمانة والكتابة أمانة والتاريخ لا يرحم..