انهيار القيمة الشعرية بين الكاتب والناشر وآخرين

انهيار القيمة الشعرية بين الكاتب والناشر وآخرين

ثقافة

الاثنين، ١٣ يناير ٢٠١٤

محمد خالد الخضر
إن أهم دور يجب أن يقوم به الشعر هو أن يحرك المراكز الحسية من الإنسان.. فهو حالة شعورية تؤدي قيمة ثابتة مهما طرأ عليها من تغيير وتحولات كما لا يجوز المساس ببنيتها التركيبية التي تدل على تسميتها الشعرية.. وهي التي قال عنها بول فاليري: "حالة شعرية"، وسعيد عقل أطلق عليها "سلطنة نغم"، و رضوان الشهال سمّاها "حالة شعرية غنائية".. وفي النتيجة كيفما كانت لا بد من أن تحمل ثوابت تدلّ على خصوصيتها الإنسانية، وهذا ما هدفت لتغييره مؤسسات خارجية أرادت أن تبعد إنساننا العربي عن ديوانه الحياتي الذي رصد كثيراً من تحركاته وأشعل نخوته ومروءته في مواقف ليست قليلة؛ وذلك من خلال الفوضى حيث استطاعت أن تصل بهذه الفوضى إلى الساحة الثقافية العربية وباتت أدواتنا تؤدي خدمات للمنظومة التخريبية دون قصد بسبب الحركة الثقافية غير المدروسة بحجة الحرية الثقافية التي أوصلت النص الشعري إلى أدنى مستوياته؛ مما جعل القارئ نافراً أو كافراً بمعظم ما يقال ويكتب من شعر..
وليس صعباً أن تصل هواجس امرأة تصبّها على الفيس بوك لتصبح كتاباً أو ليس صعباً على المتحكم بمفصل ثقافي أن يصنع من هلوسات تائهة ديوان شعر، وتدور الدائرة لتبدأ من الشعر وقد تنتهي بأجناس أدبية وثقافية أخرى.. وإذا سألت ربيع الدرويش ماذا يريد من قوله:
(أنا والمكان على قيد الذاكرة الواحدة.. لنا التفاصيل العناصر)؛
ماذا يؤدي هذا المطلع الذي اقتطفته من ديوانه (تأخرت)؟.. وبصفة الشعر الهامة التي تخص الإنسان وبيئته وأهله وأحبابه والتي تنحدر من البنية السيكولوجية بشكل وراثي يؤدي امتداداً إلى المستقبل في تشكيل خلجات الإنسان ورؤاه فكيف لنا أن ننسى بيت الشعر الذي عبّر عن الحب أجمل تعبير للشاعر الشريف الرضي:
(وتلفتت عيني فمذ خفيت... عني الطلول تلفت القلب)،
فنتذكر بعد هذا البيت قول سوزان عبد الرحمن:
(سأحمل بين أضلعي قلباً مصنوعاً من التيفال)،
الأمر الذي يجعلنا نعيش حالة استنكار شديدة بعد هذا الفرق الشاسع بين ما كان يعيشه الشريف الرضي وتعيشه سوزان عبد الرحمن.. فأي منظومة تطور تلك التي ننتقل من خلالها إلى الأمام؟
وفي الوقت الذي كانت القصيدة تحمل عاطفة الشاعر المستقاة من الطبيعة عبر صورها بما يمثله العامل الجغرافي لحياة الإنسان المتصل بالإقليم المنتمي إليه انتماء الإحساس بالبقاء؛ فمن هنا تتجلى قدرة الشاعر على التخييل والخيال واستثناء حالة القصيدة لتتجاوز الزمان وتتعامل مع كل البيئات والأطياف والأجناس البشرية، فكيف لي أن أقارن بين ما قاله الجواهري: (وحين تطغى على الحران جمرته.. فالصمت أفضل ما يطوى عليه فم)
أو ما قاله نزار قباني لطه حسين:
(ضوء عينيك أم هما نجمتان .. كلهم لا يرى وأنت تراني) بما قاله أدونيس في قصيدته الثلج والدخان قضيب من الثلج:
(نار وثلج .. وغيم دخان .. عوالم لا تنتهي .. وهي تفنى لضبع ثواني).
فشتان بين ارتفاع العاطفة وتألق الحالة السيكولوجية والبنيوية عند نزار والجواهري وإطراب اللفظة التعبيرية في الجملة الواحدة وعدم تآلف المعنى عند أدونيس.. لذلك ليس غريباً أن تقول سهير شنان:
(حاذر من الغامي.. هي أن أخطأتك ستطلق أسراباً نارية .. في ليل وحدتك)..
ولعل هناك نفراً من الرجال والنساء تروق لهم تسمية الشعر تحت أي سبب دون أن يحسب للنتائج أي حساب فليس مسيئاً لهؤلاء أن يكتبوا في مجالات أخرى كالقصة والرواية والخاطرة فهم طالما يمتلكون القدرة على المنافسة بإمكانهم أن يعبّروا بشكل آخر عن مكنوناتهم الداخلية لأن هناك من ضاع دوره وسقط حظه وشمله التهميش سيما أن إسقاط الشعر الحقيقي تلته أجناس أدبية أخرى، فماذا يعني أيضاً أن تنشر الكتب التي تتحدث عن الرعي والرقص وعن التهويم والعادات والتقاليد وإفريقيا ودول أخرى في الوقت الذي يمكن أن تستقطب المؤسسات فيما تستهلكه هذه المواضيع من مصاريف وجهود كثيراً من الإبداعيين الحقيقيين والرواد الذين يفقدون حقهم بقصد أو دون قصد..