النزعة الواقعية بين أحمد شوقي وحافظ إبراهيم / المعلم نموذجاً

النزعة الواقعية بين أحمد شوقي وحافظ إبراهيم / المعلم نموذجاً

ثقافة

الأحد، ١٥ ديسمبر ٢٠١٣

محمد خالد الخضر
تباينت الرؤية الشعرية للمعلم في المجتمعات وفق الحركة الإنسانية في البيئة وما تعكس هذه البيئة خلال علاقاتها وتحولاتها الاجتماعية على أبنائها، فمنهم من يرى المعلم على أنه قيمة إنسانية عليا تذهب إلى السعادة بما تقدمه من دعائم وركائز للبشرية، ومنهم من يراه عكس ذلك فهو الشقي الذي يعيش حياته بين المشقة والتعاسة والخمول، وللفريقين أنصار ومؤيدون وأتباع كثر.
إن الذات الشاعرة في علاقاتها الراقية مع الذات الاجتماعية بما تتضمنه من أفراد تعكس بشكل واقعي معطيات هذا المجتمع فتأتي الحالة الشعرية حسب سلوكه التفاعلي كاستجابة واعية وذلك ما عبّر عنه الشاعر أحمد شوقي في رؤيته للمعلم حسب الحالة التي رآها فقدّمها كحصيلة علاقات متعددة تقدم موجودات الحياة الاجتماعية بشكل جدي غلبت عليه النزعة الواقعية التقليدية؛ فالمعلم يظهر في قوله بشكل ومضمون أوصلاه إلى الاقتراب من الرسل والأنبياء.. يقول:
قم للمعلم وفّه التبجيلا
                    كاد المعلم أن يكون رسولا
أعَلمت أشرف أو أجلّ من الذي
                   يبني وينشئ أنفساً وعقولا
وتختلف في بيئة أخرى النزعة الاجتماعية خلال الرؤية الإنسانية للمعلم وذلك يتجلى في التباين الدلالي والاجتماعي بين البيئة التي عاش فيها الشاعر أحمد شوقي والبيئة التي عاش فيها الشاعر إبراهيم طوقان، حيث لم تقدم الثانية غير التعاسة والمصائب والفقر؛ فراح يعارض أحمد شوقي في قصيدته من حيث الشكل والمضمون ويقول طوقان:
(شوقي) يقول: وما درى بمصيبتي.. (قم للمعلم وفّه التبجيلا)
أقعد فديتك هل يكون مبجلاً.. من كان للنشء الصغار خليلا
(ويكاد يفلقني الأمير بقوله:.. كاد المعلم أن يكون رسولا)
وواضح مما تدل عليه القصيدتان أن الشاعر أحمد شوقي أكثر توغلاً واطلاعاً من نظيره إبراهيم طوقان في الشعر ومكوناته المختلفة عبر التاريخ وإن سعة اطلاعه والمعارف المتنوعة في الثقافات جعلته يميل إلى الرجاحة والعقل والحكمة وترك العاطفة في درجات أخرى سبقتها الحكمة والتريث وانتقاء الكلمات؛ مما جعل الأبيات الشعرية قريبة إلى العقل أكثر من قربها إلى القلب؛ نظراً لهدوء العاطفة وعدم تدخلها بشكل كامل في الأبيات فيقول:
ربوا على الإنصاف فتيان الحمى
                     تجدوهم كهف الحقول كهولا
فهو الذي بني الطباع قويمة
                   وهو الذي يبني النفوس كهولا
أما العاطفة عند إبراهيم طوقان الذي أثارته المعاني التي أتى بها شوقي وراح يرفضها بأسلوب عاطفي عفوي جعل قصيدته أكثر بساطة وأكثر انسياباً وقرباً إلى القرب وإن كانت خبرته الاجتماعية أقل من أحمد شوقي إلّا أن الموهبة ساعدته في الذهاب إلى ما يريد ليسخر من زميله شوقي ويقول:
لو جرب التعليم شوقي ساعة
                  لقضى الحياة شقاوة وخمولا
حسب المعلم غمة وكآبة
                   مرأى الدفاتر بكرة وأصيلا
منة على منة إذا هي صلحت
                 وجد العمى نحو العيون سبيلا
وتمكن الشاعر إبراهيم طوقان أن يقدم معارضة شعرية مكتملة الجوانب والأسس فإذا كانت المعارضة تعني أن يأتي الشاعر بالبحر المماثل للشاعر الذي سبقه وبالروي ذاته والقافية المطابقة فيكون بذلك قد استوفى شروط المعارضة كما فعل إبراهيم طوقان أمام أحمد شوقي؛ إلّا أن الأخير اشتغل على هذا الأمر لغة واصطلاحاً فأضاف إلى المعارضة التي جاء بها معنى معارضاً ومخالفاً فإن كان أحمد شوقي قال:
وإذا المعلم ساء خط بصيرة
                جاءت على يده البصائر حولة
فإن إبراهيم طوقان قال:
لا تعجبوا إن صحت يوماً صيحة
                            ووقعت ما بين البنوك قتيلا
يا من يريد الانتحار وجدته
                        إن المعلم لا يعيش طويلا
وفي النتيجة قدم الشاعران قصيدتين دخلتا التاريخ من أوسع أبوابه لأن كل قصيدة عكست واقع مجتمع بشكل منطقي وكل قصيدة زخرت بمقومات الشعر وأسسه وإن اختلفتا قليلاً في مستوى الارتفاع الدرامي للعاطفة حسب قناعة كل منهما..