دمشق مهد القديسين.. بقلم: شمس الدين العجلاني

دمشق مهد القديسين.. بقلم: شمس الدين العجلاني

ثقافة

السبت، ١٤ ديسمبر ٢٠١٣

دمشق.. هي دمشق التي احتضنت على مر العصور والأيام مختلف الأقوام والحضارات.. دمشق هي التي فتحت أبوابها منذ وطئت قدما سيدنا آدم تراب الأرض لكل الديانات، فنشأ فيها اليهودي والمسيحي والمسلم، ورعتهم دمشق أمّاً حنوناً برمشي عينيها، وأطعمتهم من ثمارها، وسقتهم من ينابيعها، واحتضنتهم بين ذراعيها فنموا، وترعرعوا بين أهدابها وعلى ضفائر شعرها الأسود المنثور بين الأرض والسماء.
فكان منهم كما يذكر لنا المؤرخ نعمان قساطلي عام 1879م:

القديس حنانيا الرسول:
لا يعلم بالتأكيد هل ولد هذا القديس في مدينة دمشق أم لا ولكن المرجح إنه من أبنائها وكان واحداً من السبعين تلميذاً، وسكن دمشق في بادئ الديانة المسيحية وبشر بها وهو الذي شفى شاول الذي صار بولس الرسول على ما جاء في الفصل التاسع من سفر أعمال الرسل. وبعد أن بشر حنانيا بالإنجيل في دمشق مدة مضى إلى الأوطر أبولي ثم إلى أماكن أخرى منذراً ومبشراً وقد احتمل أشد الاضطهادات والعذابات كغيره من الرسل وأخيراً قبض عليه في عهد ليكينوس الوالي الروماني وبعد أن جلد جلداً شديداً بأعصاب البقر ومزق لحمه بعذابات شديدة مات رجماً بالحجارة.

القديس يوحنا الدمشقي:
ولد هذا القديس في دمشق سنة 676م من عائلة شريفة من أبوين غنيين وكان أبوه من أكابر رجال الدولة الأموية في دمشق وقد اعتنى بتربيته وفقهه في العلوم والمعارف القديس قزما المنشي فنبغ يوحنا في العلوم وصار نبراساً للآداب في زمانه، وبحسب المؤرّخ فيليب حتّي، فإن القديس يوحنا، آرامي اللسان، وسليل عائلة دمشقية مسيحية اشتهرت بالفضل والفضيلة.
حين توفي والد القديس يوحنا، خلفه في وظيفته عند سلطان دمشق وحصل على الوجاهة والاعتبار. ثم أعرض عن العالم وذهب إلى دير مار سابا في فلسطين انتحل الطريقة الرهبانية ولما أتم موجباتها أخذ يشتغل في التأليف والتصنيف فألف كتباً كثيرة في اللاهوت وغيره وقد فاقت تأليفاته اللاهوتية ما سواها وكان يلقب بمجرى الذهب أو «دفّاق الذهب»، وهو من أسماء نهر بردى سابقاً، لفصاحته وحسن كلامه، ثم رسم كاهناً. وسنة 780 توفاه الله وله من العمر 104 سنوات، أما بيته عندما كان في دمشق فمعروف الآن وموقعه على يسار حمام البكري قرب باب توما وقد امتلكته اليسوعية مؤخراً.

القديس قزما المنشئ:
اختلف المؤرخون في مكان ولادة هذا القديس والسنة التي ولد فيها ولكنهم أجمعوا على أنه كان عالماً مطلعاً بارعاً في علوم كثيرة وخصوصاً في فنَّي الفصاحة والبديع واشتهر في الإنشاء والكتابات الدينية وقد لبس الاسكيم الرهباني وألف النسك في براري فلسطين ثم وقع أسيراً في يد جند من المسلمين فساقوه إلى دمشق وباعوه بها أسيراً فاشتراه والد القديس يوحنا الدمشقي وأعتقه من العبودية وأقامه رأساً على بيته وإذ رأى ما عنده من غزارة العلم والتقوى ولّجه أمر تعليم ابنه يوحنا المذكور آنفاً وولد آخر كان يتيماً في بيته يعتبره كابنه واسمه قزما فظل إلى حين وفاته.

القديس قزما البار أسقف مايوما:
ولد في القدس سنة 679 وتيتم صغيراً فسافر إلى دمشق، وشاءت عناية الله أن يهدي إليه سرجيوس والد القدّيس يوحنا الدمشقي، فينتشله من بؤس مدقع، ويضمّه، وهو حدث السن، إلى أسرته فيتبنّاه ويربّيه في بيته، مع أولاده، ومنهم يوحنا الذي أضحى له الصديق الوفيّ. عكف سرجيوس على أن تكون لقزما ثقافة دينية ودنيوية وسيعة المدى نحسّها فيما أتحف به الطقوس الإلهية من مؤلفات. ثم انتحل قزما وصديقه يوحنا الحياة الرهبانية في دير القدّيس سابا. وفي سنة 743، سُمي أسقفاً على مدينة مايوما، من لواء غزّة، وأسلم نفسه البارّة حول سنة 760.

القديس صفرونيوس:
القديس صفرونيوس، وصفرونيوس تعني "العفّة"، وهو بطريرك القدس ولد في دمشق سنة 558م ومنذ حداثته مال إلى الفضائل والآداب وأخذ العلوم عن علماء دمشق فبرع جداً، وإذ كان عظيم التدين ذهب إلى فيافي فلسطين لزيارة نساكها فصبا لمعرفة طريقتهم دون أن ينذر على ذاته نذرهم واتخذ له مرشداً منهم اسمه يوحنا موسكوس ولبث عنده مدَّة ثم سارا معاً لزيارة رهبان القطر المصري وأخذا يبحثان عن أحوالهم التي أذهلتهما جداً وصنّفا كتاباً بما نظراه سمّياه بستان الرهبان ثم ذهبا إلى الإسكندرية فقبلهما بطريركها القديس يوحنا الرحوم بكل إكرام واحترام لما فيهما من الديانة والفضيلة وأخذا يشتغلان عنده بالإنذارات الروحية ولما هاجم الفرس القطر المصري وعاثوا به فرَّا إلى رومية خيفةً على حياتهما وتقربا من البابا يونيفاسيوس ولبثا عنده سنتين فتوفي أحدهما يوحنا فنقل القديس صفرونيوس جثته إلى فلسطين ودفنها في دير القديس ثاوضوسيوس وسكن صفرونيوس هناك بعيشة رهبانية؛ وإذا كانت شيعة المونوتاليتيين الذين يعتقدون بإرادة واحدة بالسيد يسوع المسيح قد أخذت تنتشر في بلاد فلسطين أخذ القديس صفرونيوس يقاومها بكل مقدرته وسنة 633م سُمي بطريركاً للكرسي الأورشليمي ولازم مقاومة تلك الشيعة وجمع مجمعاً من أساقفة أبرشيته وقرّر به شجب تلك الشيعة ثم ألّف كتابين جمع بهما أقوال الكتب المقدسة وتعاليم آباء الكنيسة الموضحة وجود إرادتين ومشيئتين وفعلين في السيد المسيح. وسنة 636م حمل العرب على أورشليم بعد أن فتحوا دمشق فسلمها البطريرك صفرونيوس للإمام عمر بشرط أن تبقى للمسيحيين حريتهم الدينية وكنائسهم وفي 11 من شهر آذار توفي في القدس وعمره نحو 80 سنة تقريباً وقد عينت له الكنيسة اليوم الحادي عشر من آذار كل سنة تذكاراً.

القديس أندراوس الاقريطشي:
ولد في دمشق من أبوين صالحين واختُلِف في سنة مولده وما عليه الأكثرون هو أنه ولد قبل سنة 635م وقد اعتنى به والداه وربياه بحسب مبادئ الديانة المسيحية واجتهدا في تعليمه وتدريسه العلوم والآداب فنجح غاية النجاح، ولمّا علم به البطريرك ثاوداوس الأورشليمي اختاره لخدمة كنيسته، وحين انعقد المجمع المسكوني السادس القسطنطيني سنة 680م، بعث البطريرك ثاوداوس بالقديس أندراوس نائباً عنه لِما كان عنده من غزارة المعارف والفضائل حال كونه برتبة شماس رسائلي فقط وبعد نهاية المجمع رسم القديس أندراوس شماساً إنجيلياً وسلمت لعنايته نظارة المكان المختص بتربية الأيتام وبعد مدة انتخب رئيس أساقفة لجزيرة اقريطش (جزيرة كريت اليونانية) ولما استوى على كرسيها الروحي ازداد شهرة لحسن سياسته وفصاحته واعتنائه، لذا كان يقال له أحياناً، أندراوس الاقريطشيا والكريتي.
ألّف عدة مؤلفات في مواضيع مختلفة منها القانون الكبير الذي يُتلى في الكنيسة نهار الخميس من الجمعة الخامسة من الصوم الكبير.. وقبل موته بمدة من الزمان ترك أبرشيته وانفرد عن العالم في جزيرة ايبريسيوس وهناك حرر أخص مؤلفاته الكثيرة، وبعد أن بلغ سنّ الشيخوخة مات في تلك الجزيرة، وتقوم الكنيسة بإحياء ذكراه في اليوم الرابع من شهر تموز من كل سنة.