تداعيات الوطن وانهزام القصيدة عند محمود درويش

تداعيات الوطن وانهزام القصيدة عند محمود درويش

ثقافة

الأحد، ١٠ نوفمبر ٢٠١٣

الأزمنة| محمد خالد الخضر
يقول الشاعر محمود درويش: (في كوخنا يستريح العدو من البندقية.. يتركها فوق كرسي جدي.. ويأكل من خبزنا.. مثل ما يفعل الضيف.. يغفو قليلاً على مقعد الخيزران.. ويحنو على فرو قطتنا.. ويقول لنا دائماً: لا تلوم الضحية.. نسأله من هي.. فيقول: دم لا يجففه الليل)..
 تبدو الحالة النفسية التي تنتاب محمود درويش في مرحلة أخرى من عمره قد تغيرت وأصبح يفكر بشكل يحفظ له ما يبدو في ذهنه وما يجمح في خياله فلا يمكن لمحمود درويش الذي بنى قصص الحب والهيام أن يكتب غير هذه الكلمات والتي ابتعدت كلياً عن منظومته الشعرية وبدت جافة لا عاطفة لها ولا نغم يقودها إلى الوجدان فهي محض كلام يحمل دلالات الذاهب إلى صلح مع الجلاد وتحوير مظاهر القتل والدمار إلى حالات شبيهة بتلك التي وصفها في قصيدته الآنفة وأراد أن يصنع من الجندي الصهيوني بطلاً مسالماً طيباً متناسياً أن ذلك الجندي هو ذاته الذي وضع مادة (التي إن تي) في سيارة غسان كنفاني فحوّله مع ابنة شقيقته إلى أشلاء وهذا أمر طبيعي، فمحمود درويش الشاعر الكبير في نهاية الخمسينيات انخرط في صفوف الحزب الشيوعي الإسرائيلي/ماكي/ وعمل مع الرفاق اليهود والعرب المتخاذلين وشارك في اتحاد الشبيبة الشيوعية الإسرائيلية وعمل في جريدة الاتحاد الناطقة باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي وتتلمذ على أيدي عضوي الكنيست الإسرائيلي (توفيق طوبى وإميل حبيبي) وهو الذي صرح لجريدة هآرتس بتاريخ 5/6/1998عندما سئل هل أنت على استعداد للجهر بالقول إنك تؤيد وجود دولة إسرائيل دولة واحدة لشعبين فأجاب.. ليس لدي شك بذلك بل هذا هو الحل الصحيح، والفلسطينيون والإسرائيليون لا يستطيعون بناء المستقبل إلا معاً وهو السبيل للتحرر من السلبية، وأضاف لهآرتس عندما سئل: يبدو أنك لا تؤمن بدولتين لشعبين.. كما تطرحها السلطة الفلسطينية وتنص عليها الاتفاقيات المعقودة بين إسرائيل والسلطة؟ فقال: إذا سألتني ذلك للنشر فإنني سأجيبك: إن تجزئة الأرض ممكنة، أما إذا لم يكن للنشر فإنني أقول: إن ذلك غير ممكن, وبإمكانك نشر ما تريد..
هذا هو محمود درويش الذي كتب قصيدة "جدي يحلم بالزنابق البيضاء" بعد هزيمة العرب في حزيران عام 1967 ومنها أيضاً حدثني عن حبه الأول.. فيما بعد عن شوارع بعيدة.. وعندما خبأ في منديله سعلته.. سألته أنلتقي.. أجاب في مدينة بعيدة... إلى قوله: وكان صوت أمه الملتاع.. يحفر تحت جلده أغنية جديدة.. لو يكبر الحمام في وزارة الدفاع.. لو يكبر الحمام إنه حمام شارون وباراك ونتنياهو. وماذا يقصد محمود درويش، وتكبر القصيدة وتمتد معانيها لأسأل الذين ينصّبون أنفسهم قائمين على العيون التي ترى والتي لا ترى ويمنحون أنفسهم حق التقييم.. ما يريد اليهود غير ذلك؟.. أن يكون محمود درويش الذي يصفق له الملايين ويرفعه كثير من دعاة الثقافة شعاراً في فاتحات همومهم وأفراحهم أولئك الذين يتنفسون برئة مخمورة يملؤها التبغ والسعال والخمر والجنس، ما يريد اليهود إلّا أن يصل محمود درويش ومريدوه إلى هنا، ولا يخفى على أحد أن الدعاة الذين يتكفلون سراً بمنظومة محمود درويش بدأت أصابعهم تلعب ناشطة في الخفاء منذ أن أطلقت سورية مشروعها النهضوي في الحفاظ على اللغة العربية وثقافتها وتبني مشروع ثقافة المقاومة وتحرير الأرض لأن محمود درويش تمكّن من العمل على تأسيس نسيج ليس بقليل على مستوى الوطن العربي ظاهره يختلف عن باطنه مما ساعد نشاط هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة بدعم من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وبتخطيط من الموساد ومن هؤلاء من انكشفت تطلعاتهم في الآونة الأخيرة وتحولوا بقدرة عجيبة من المعسكر الشرقي إلى المعسكر الغربي وذهبوا إلى هناك حيث تعدّ العدة للفتك بوطننا الحبيب سورية..
ولعل أكثر ما يزيد الألم ألماً أن يظل محمود درويش صديق الحزانى والأيامى والمساكين والمظلومين ولابد من أن يأخذهم إلى ذاك المكان التي أخذت إليه تسيبي ليفني صائب عريقات وسواه ويقول له ما قاله لسارة اليهودية تلك التي وصفها في قوله: تحت ظلال حاجبها تقام الأعراس دوماً إلى قوله عنها: كان بودّي التحدث إليها عن تعديل في نهج حياتي فتخيّروا يا أصدقائي هل نغير نهج حياتنا أم نبقى على العهد وأيهما أجمل..
وأخيراً هل سنقرأ قليلاً ونخرج من سوءة التبعية الثقافية فنظل دائماً نردد ونصفق خلف من لا يرانا إلا أعداء له..