مؤلفون: غلاف الكتاب إحدى عتبات النص وحافز هام لقراءته

مؤلفون: غلاف الكتاب إحدى عتبات النص وحافز هام لقراءته

ثقافة

الخميس، ٧ نوفمبر ٢٠١٣

يشكل غلاف الكتاب إحدى عتبات النص وحافزا هاما لقراءته فكثيرا ما يعطي الغلاف بما يحتويه من إشارات انطباعا إيجابيا كان أم سلبيا وفقا لقدرة الفنان على خلق لوحة تحاكي المضمون وتتعامل مع ما هو داخل الكتاب إلا أن المعايير اختلفت وتباينت حسب معطيات العصر الحديث فهناك ما تآلف من الأغلفة مع المضمون وهناك ما تنافر ولا سيما بعد انتشار الانترنت.
وعن هذا الموضوع بين الدكتور غسان غنيم أن علاقة الأغلفة بمضامين الكتب تقع في إطار قضية نقدية تتعلق بما يسمى عتبات النص التي تناولتها بعض المناهج النقدية "السيميائية والبنيوية واللسانية" حيث جعلت من العتبات عموما ركنا أساسيا لدراسة النصوص.
وأضاف: لقد تلقف بعض الدارسين العرب وبعض النقاد هذه القضية وبالغو في إعطائها الأهمية على حساب النصوص بمضامينها وآليات الكتابة المتبعة فيها ما أخرج هذه القضية إلى حيز المبالغة في أحيان كثيرة وقد تابعت بعض الدراسات ما كتبه جيرار جيبيت عن العتبات النصية في النصوص الإبداعية وغيرها واقتصرت بها أحيانا على تفسير النصوص متخذة من الأغلفة علامة سيميائية أساسية ورئيسية في تحديد ماهية المضمون وهذا ما أوقع هؤلاء الدارسين بالزلل والمبالغة.
واعتبر غنيم أن حدود هذه المسألة تقع في إطار مدى علاقة الأغلفة بالمحتوى ويمكن تصنيفها في عدة أنماط منها أن يتوافق الغلاف مع المحتوى أو جوانب منه توافقا تاما بحيث يصبح الغلاف علامة سيميائية دالة على المحتوى أو معظم ما فيه كما هو الحال في غلاف كتابي "المسرح السياسي في سورية" حيث تتضمن الصفحة امراة تحمل ميزان العدالة بيدها اليمنى وتعصب عينيها بينما يدها اليسرى مقيدة بالحديد الذي ربط إلى جزء محطم من الكرة الأرضية التي تشكل خلفية لأيقونة المرأة رمز العدالة حيث تتمثل الأرض مجموعة من الشخوص التي تمثل هيئة إنسان تشير إلى القارات الخمس معتبرا أن مثل هذا الغلاف ينطبق انطباقا شبه تام على ما يحويه الكتاب ومنها أيضا كتاب مدخل إلى الأدب العجائبي لتزفيتان تودوروف حيث وضعت لوحة على الغلاف تمثل حكاية من الحكايات العجائبية.
وأشار غنيم إلى وجود نمط ثان من الاغلفة هو نمط الغلاف الحيادي أو شبه الحيادي في علاقته مع محتوى الكتاب كما في كتاب فن الشعر بجزأيه والفن الرمزي لهيغل حيث اقتصر الغلاف على خطوط سوداء مع دائرة ملونة تتوضع خلف هذه الخطوط وكغلاف كتاب الأرض اليباب "ت س اليوت" فهو مجرد غلاف لا يحمل أي علامة سوى لعنوان بخط كبير.
وتحدث غنيم عن نوع آخر من الأغلفة قد تحمل صور أصحاب الكتب بشكل يملأ مساحة الغلاف كله كما في كتاب شؤون مسرحية لفرحان بلبل وكتاب نشوء الأمم لأنطون سعادة وكتاب الفردوس المفقود لجون ملتون.
واعتبر غنيم أن قضية الغلاف قد يحكمها رأي المؤلف في أحيان كثيرة فيرى أن ثمة جانبا من الكتاب يكون أكثر طغيانا مما يحتم عليه إبرازه فيختار غلافا معينا للتعبير عن هذا الجانب وقد تحكمها رؤيا الناشر وما تحتمه ضرورات التصوير والانتشار وقد تحكمها عناصر خارجية تتعلق بانتشار الكثير من الأشكال واللوحات المميزة على صفحات الانترنت وبهذا فإن الارتباط يظل نسبيا غالبا من حيث التوافق أو عدمه مع المضامين ما يدعو الدارسين إلى عدم الاستغراق والتطرف في ربط الأغلفة بمضامين الكتب بشكل آلي جريا وراء بعض المناهج النقدية الوافدة من دون الانتباه إلى مدى التأثير المتبادل والحقيقي بين الغلاف والكتاب.
بدورها الفنانة مفيدة ديوب قالت إن الصورة هي مخزون للرؤية البصرية فيمكن أن ترتبط ذاكرة القارئ بالغلاف والغلاف جزء من الكتاب لذلك يجب أن يعبر عن مضمونه وذلك بفكرة مستوحاة من مضمون الكتاب أو من عنوانه.
وأضافت أن الغلاف والعنوان يشدان القارىء لذلك يجب ربط الغلاف والعنوان بالمضمون حتى ولو كان الرسم رمزيا يدل على ما في الكتاب فمثلا إذا كان الكتاب يتحدث عن الكواكب والنجوم فيجب أن يرمز لهذا الموضوع بما يتوافق مع المضمون.
وبينت أن مصمم الغلاف ممكن أن يوصل الفكرة المناسبة للمتلقي حسب اللون أو رسوم الغلاف لأنها تعتبر ثقافة بصرية تغني الكتاب كقيمة ثقافية وفنية.
فيما كان للفنانة دارين الشلق رأي آخر في الموضوع حيث قالت لابد أن يقرأ الفنان كل ما يتكون منه الكتاب وخلفية كاتبه حتى يصل إلى عمل فني من المفترض أن يكون متكاملا وفق الحالة الإبداعية الموجودة في نصوص أو صفحات الكتاب وغلافه لأن للغلاف دورا ليس بقليل ويؤدي كثيرا من المعاني التي من المفترض أن تترابط مع ما هو بداخله فإذا لم تخلق مضامين الكتاب تفاعلا عاطفيا وإنسانيا مع الفنان الذي سيعمل لوحة الغلاف فسيكون هناك في النتيجة فشل ذريع في لوحة الغلاف وما تعنيه.
أما الفنان هادي عبيد فاعتبر أن الأغلفة التي يرسمها الفنانون أو يصممها بعض الأخصائيين على أجهزة الحاسب باتت تشكل عبئا بشكل كبير على الغلاف لأن هناك عددا لا بأس به من دور النشر تعتمد لوحات تزيينية تصمم دون قراءة الموضوع وقد تصيب في بعض الأحيان ولكن بشكل قليل المعنى الموجود في مضمون الكتاب وهذا أصبح من المؤثرات الكبيرة التي ترهق تسويق الكتاب.
وبين أن هذه الطريقة أصبحت تتحرك بشكل بطيء في المؤسسات الرسمية أيضا فهناك مصممون يبتعدون كثيرا عن قراءة أي كلمة في الكتاب وتبقى الأقلية التي تعنى بأمور التوافق بين غلاف الكتاب ومراميه وبين مضامينه وما يريده الكاتب.
بدورها قالت الفنانة هناء أحمد إنه لابد لكل انتاج أدبي من أي نوع كان شعراً أو رواية أو قصصاً قصيرة أن تجمع أوراقه بين دفتين تحفظها فتلبس بها ثوباً يليق بما يحتوي وهنا يجب أن يكون تصميم الغلاف يحمل من روح مضمونه فالقارئء أولاً يلتفت إلى الغلاف حيث ترسل العين تلك الصورة إلى الدماغ لتشكل لديه صورة مبدئية عما يحتوي من أفكار ومفاهيم وصور فإن أعجبته وتوافقت مع تفكيره صار متحمساً لاقتناء ذلك الكتاب وقراءته بشغف أما إن بهت لونه غادره دون قراءة.
ولفتت إلى أنها من خلال ديوانها الأول الذي حمل اسم مسافرة في عيون الحب الذي صدر عن دار بعل للطباعة تحاورت مطولاً مع مصمم الغلاف وشرحت بشكل عام الأفكار التي تتضمنها فأتى التصميم برسمه وألوانه وعنوانه من روح المضمون حيث عبر كل منها عن الحالة الشعورية التي نعيشها في مجتمعنا عندما يصادفنا الزائر الجميل وهو الحب.
وأضافت كما لاحظت ذلك في العديد من الكتب الأدبية مثل المجموعة القصصية أخاف أن يدركني الصباح للكاتب عدنان كنفاني والمجموعة الشعرية في السماء إلى سانتياغو للشاعر بديع صقور ورواية أوقات برية للكاتب غسان كامل ونوس وكتاب الحبيب الافتراضي للكاتبة المتميزة غادة السمان والأمثلة كثيرة استطاع تصميم الغلاف فيها أن يلخص ما يحتويه موضوع الكتاب بفهم وإتقان الفنان وأظن هذه هي الخطوة الأولى ليصل الكتاب إلى قرائه ثم بالتأكيد لا ننسى أهمية المحتوى الذي سيكون له الحكم الأول والأخير.
أما الكاتب رياض طبرة فقال قد تكون أغلفة الكتب أهم وأول عتبه نصية للدخول الى المضمون فالعنوان كما يقول النقاد عتبة نصية لابد من منحها الاهتمام الكافي لجذب القارىء لكي يتوغل في التفاصيل وربما اختيار غلاف الكتاب يحتاج إلى ذائقة فنية متميزه معتبرا أنه ليست بالضرورة أن تكون مهمة الكاتب هي مهمة الفنان التشكيلي.
وأضاف أعتقد أن كثيرا من الكتاب أهمل هذا الجانب وله أسبابه لكن ذلك لا يمنع أن نرى في كثير من الأغلفة ما يستحق الإعجاب ويشدنا هذا الغلاف أو ذاك وإن كنت أرى أن اسم المؤلف أحيانا كثيرة يطغى على كل شكل لأننا أسرى أسماء احتلت ذاكرتنا ونالت إعجابنا.
فيما قالت الكاتبة مريم خير بيك مديرة دار حارث للنشر والتسويق أن أي كتاب يبتعد مضمونه عن معنى غلافه سيصاب ببعض الفشل لأن غلاف الكتاب وارتباطه الفني بالمضمون سيخلق حالة إيجابية عند القارىء ولاسيما فيما يخص أدب الأطفال لأن الطفل تنتابه حالة من التشويق عندما يرى لوحة الغلاف أو الرسوم التي ترافق المواضيع داخل الكتاب فيسارع إلى معرفة ما هو مكتوب وهذا الأمر كثيرا ما يفشل في حالات التصميم الالكتروني لذلك لا بد من اللجوء إلى قراءة المواضيع لاستنتاج ورسم ما يتلاءم معها.
أما الشاعرة والفنانة التشكيلية الدكتورة ميساء الدرزي فقالت من الواجب أن يكون الغلاف قد رسم بعد قراءة ودراسة عميقتين حتى تكون الفكرة منسجمة ومتوافقة بين ما أتى به مضمون الكتاب وما أتت به لوحة الغلاف بعيدا عن التزيين وهذا أمر يستوجب التخصص والاحتراف لأن الفن لا يمكن أن يتوافق إلا عبر خيال واسع وخبرة عالية وهذا الأمر كان سببا في نجاح كثير من الأغلفة التي أتى بها الناشرون معتبرة أن للفوتوشوب والتصميم التزييني دورا أيضا في تراجع التوافق بين لوحة الغلاف والمضمون.
أما الكاتبة غنوة الموسى فقالت عندما قررت أن أصدر روايتي الأولى كان لزاما على أن أصمم غلافها بنفسي وهذا سببه شدة ولعي بما أكتبه فكنت جاهدة أن أصمم الغلاف بشكل يعطي دلالات وإيحاءات لما هو موجود داخل الرواية لذلك على كل من يعمل على تصميم غلاف أن يدرك أن الفن والشعر هما جناحان لطائر جميل إذا اختلفا سقط الطائر طبعا هذا ما اقصده من خلال لوحة الغلاف ومضمون الكتاب.
بدوره قال أيمن ونوس مدير العلاقات في دار الشرق للطباعة والنشر والتوزيع كثيرا ما تتوافق الأغلفة مع مضامين الكتب التي تصمم لها وهذا يتوقف على ذائقة الفنان الذي يعتمد قراءة الكتاب والتأثر به والتفاعل مع معطياته ومفاصل تعابيره وهذا يجعله قادرا على ابتكار لوحة تحاكي المضمون بجدارة شرط أن تكون هذه اللوحة بعيدة عن الاعتماد على الأدوات الالكترونية كاستعارة لوحة جاهزة أو أدوات جاهزة عن طريق الكمبيوتر إلا أن العصر فرض أشياء جديدة باتت جاهزة إلى كتابات ومجموعات كثيرة وأصبحت تأخذ طابعا تزيينيا لا اكثر وبعيدا عن المضمون وهذا ما كان سببه الاعتماد الكلي على التصميم الكمبيوتري لذلك إذا شاء الناشر أن يقدم كتابا متوافقا ومنسجما في غلافه ومضمونه عليه أن يعتمد فنانا قادرا على الفهم والتوغل في المعاني والابتكار.