ذاكرة الجسد بين نزار قباني وأحلام مستغانمي

ذاكرة الجسد بين نزار قباني وأحلام مستغانمي

ثقافة

الثلاثاء، ٢٩ أكتوبر ٢٠١٣

محمد خالد الخضر
بعد أن انتشر نزار قباني ذلك الانتشار التاريخي الواسع، وضمِن لنفسه بقاءً أدبياً عبر الأزمنة ضمن منظومة بدت لنا جميعاً على أنها تمتلك كل الأسس الوطنية, وهذا ما كان فعلاً في كتاباته التي شكلت عبئاً مزعجاً لكل من ينوي شرّاً سواء أكان لسورية أم للوطن العربي فاصطدم بنجيب محفوظ الذي تمكن من الوصول بتشعبات مختلفة ومقاصد متنوعة سياسية وأدبية إلى جائزة نوبل، كما اصطدم به مع أدونيس واعتبر شعبيته الواسعة عبئاً عليه وضعفاً بمقدرته الشعرية إلا أنه ظل يمتلك الشعبية الأوسع لأنه حمل على حدّ ما وصلنا إليه لواء المقاومين الشعري بامتياز، إضافة إلى ما كتبه من شعر غزلي أخّاذ يرفل بالحب والوصف ومن شعر جسد قضايا المرأة؛ إلا أن شاعرنا الكبير في نهايات عمره الجسدي ثمة ما جعله يقف أمام حالات أخرى تضع تساؤلاً مرعباً ومربكاً أمام هذا الكم الهائل من التاريخ الأدبي المشرف والوطني المذهل، فالشاعر الذي تغنّى بأمجاد تشرين واستحضر الماضي العريق وحمله العرب عنواناً جميلاً لحاضرهم، هو ذاته الآن يكتب وبخط يده على غلاف رواية أحلام مستغانمي / ذاكرة الجسد/ (قرأت رواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي وأنا جالس أمام بركة السباحة في فندق سامرلاند في بيروت، بعد أن فرغت من قراءة الرواية خرجت لي أحلام من تحت الماء الأزرق، كسمكة دولفين جميلة وشربت معي فنجان قهوة وجسدها يقطر ماء، روايتها دوختني وأنا نادراً ما أدوخ أمام رواية من الروايات، وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق).
لا يمكن لأحد أن ينكر الأسلوب السردي الذي تتحلّى به الرواية والمقدرة الفائقة على التحكم بحركة الشخصيات التي بعثت من الإثارة ما سكن كثيراً من نفوس قرّائها وما ترك من أثر في عواطفهم؛ إلّا أن الأهم في ذلك أن نزار قباني لعب دوراً كبيراً في ورطة هؤلاء القراء بتتبّع تحولات الجسد العربي الجميل ومكامن الإثارة في مفاتنه بما كتبه على الغلاف من عبارات لافتة تجعل القارئ أمام أمرين أولهما: ذلك الموقف الذي حصل قرب بركة الماء وجسد مستغانمي الذي يقطر بالشهوة والماء، وما حملته عبارات الرواية من شاعرية تخبئ في ألفاظها خلف الحركات النفسية والعاطفية والجنسية كثيراً من الدسّ الصهيوني الذي أصبح جيلنا عاجزاً عن استكشافه نظراً للتصفيق المدوي الذي سمعناه لتلك المشاهد الصاعدة درامياً والمسيطرة على ذاكرة الجيل بما تمتلكه من قوة في ذاكرة الجسد، ولعل الأمر الذي يلفت النظر أن نزار قباني دوخته الرواية فلم ينتبه أن خالد الفنان بطل الرواية هو وجناب القراء الأكارم من رجال ونساء لم يلحظوا أن ذلك الفنان تشجع على يد طبيب يوغسلافي معالج للجرحى وهو واحد من اليهود الاشتراكيين يدعى (كابو تسكي) وهو من حرّضه على رسم لوحة حنين التي تحمل في معناها ذلك الحنين المنشود إلى أرض الميعاد بما تختزله وتحتويه من مضامين تتبعه ألفاظ في الرواية تشد المتلقي إلى العابرين على الجسر وإلى تلك الجارة اليهودية التي جعلتها أحلام مستغانمي في البنية السيكولوجية أهمّ أخلاقياً من الممرضة العربية التي ورد ذكرها فتقول: الدلالات أن البطل الذي تحركه الرواية هو من حاول إغراء اليهودية أما العربية التي أقلّ قدراً في دلالة المعنى هي التي كانت تقدم على إغراء البطل، وتتوالى أحداث الرواية وفق المشروع الجسدي الذي يكون حالة من النشوة لشدّ القارئ ويتوافق مع نزار قباني في قوله (وعندما قلت لصديق العمر سهيل إدريس رأيي في رواية أحلام قال لي: لا ترفع صوتك عالياً لأن أحلام إذا سمعت كلامك الجميل عنها فسوف تجن) مما يشي إلى التاريخ أن نزار قباني هذه المرة قد وقع تحت عباراته بعد أن شرب كأساً من النبيذ كما فعل سعد العربي عندما ترك الإبل ترعى فكان المثل العربي: "ما هكذا يا سعد تورد الإبل" أو أن هناك رابطاً خفياً يجب أن يكون جديداً جداً، ولا أدري لماذا هذا الشك لا يتلاءم مع ما هو في داخلي تجاه نزار والاعتقاد الأهم: أنه وقع تحت تأثير النبيذ وسمكة الدولفين.. ولا يليق بمثله ولا بمثل سهيل إدريس الذي نشر آلاف النسخ من الرواية ولا أدري إن كان له علاقة في قول أحلام ضمن سياق الوارد في السرد( لم يحدث أن زرته مرة في بيته دون أن يصرّ على أن يُسمعني شريطاً جديداً للمطربة اليهودية "سيمون تمار" وهي تغني المالوف والموشحات الفلسطينية بأداء وصوت مدهش مرتدية الثوب الفلسطيني الفاخر الذي أهدوها إياه في أول عودة لها هناك والذي يزيّن غلاف شريطها).
وملفت أيضاً أنني لم أسمع ولم أقرأ شيئاً لفت نظر واحد عربي أو واحدة أمام هذا الكم الهائل من الدسائس المرعبة سوى القلة الذين تحاول وسائل الإعلام العربية أن تكفّنهم وهم أحياء كجودت سعد وغادة فؤاد السمان وأنا.. إضافة إلى ذلك الإدمان على الاستشهاد والتهليل بأسماء قد ارتفعت كثيراً كهذا الاسم، فلماذا لا نتساءل كيف عاش محمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان في فضائل حزب راكاح اليهودي، وماتوا كما يموت البعير وكيف اغتيل غسان كنفاني وكمال ناصر وخليل الوزير، ولماذا أخيراً تمت مطاردتي وحرقت مكتبتي وأرشيفي وما تضمنه حول هؤلاء وما يشبههم؟؟!!.