قراءة لشخصية المتنبي في شعر حامد حسن

قراءة لشخصية المتنبي في شعر حامد حسن

ثقافة

الأحد، ٢٩ سبتمبر ٢٠١٣

محمد خالد الخضر
 إن البناء الجمالي للقصيدة هو الذي يعطيها ميزة التماسك الذي يعتبر من أهم العناصر التي تجذب القارئ وتدفعه للرغبة في الدخول إلى عالم النص لأن التفكك البنيوي يجعله قلقاً ومتردداً في قراءة ما هو أمامه؛ إلا أن هذا التمسك تُرسى قواعده على أسس أهمها القوة التعبيرية المكونة من الألفاظ والمفردات والجمل والمبنية على أساس نفسي لا يشوبه نوازع ولا نعرات، وهذا ما يجعلنا نقف متسائلين أمام انبهار شريحة كبيرة من المجتمعات الإنسانية بشاعر كالمتنبي وتأتي شرائح قليلة لتخالف هذا الانبهار وتقلل من شأنه.. وهذا ما ينطبق على شاعر عربي سوري أغنى المكتبة العربية والتاريخ بكثير من الثراء الثقافي على مختلف أنواعه، هو حامد حسن الذي قرأ المتنبي بشكل مخالف لكثير من الأدباء والشعراء والباحثين؛ نظراً للأثر الأدبي الذي تركه المتنبي على ضوء المعرفة النفسية التي وجدت في نفس حسن واستكشاف المواقف المسببة لمعظم الملاحم الشعرية التي وصلت عبر التاريخ لشاعر مثل المتنبي ملأ الدنيا وشغل الناس، يقول حامد حسن: هل كان إلا شاعراً متكسّباً لا يستقر به الهوى متقلباً يسم الدروب مشرقاً ومغرباً قلقاً أخا طمع فعاش معذباً يهجو ويمدح كاذباً فكأنه قال.. أقسم صادق أن يكذبا..
وتعتبر البنية النفسية والبيولوجية التركيبة التي تتكون منها النفس في حال تشكيل القصيدة أي نوعية المزاج ومدى صدقه وقدرته على الابتعاد عن الانحياز الإنساني وإعداد حالة شعرية تكون مهيأة للانسجام والألفاظ والدلالات بشكل نزيه لا يترك للشاعر مدخل خلل تجاه أي موقف كالخوف والإثارة والإغراء، وهذا كان الدافع الرئيس الذي جعل حامد حسن مختلفاً عن سواه في تقييم المتنبي الذي قال لسيف الدولة دون أن يتذكر تهويله لشخصيته ونفسه التي يعتبرها تفوق التاريخ والكون ما قاله لكافور وما قاله لكثير من الملوك الذين توقع أن يقدموا له كرسياً في يوم ما؛ وذلك في فترات زمنية متقاربة، وهذا ما رصده حامد حسن في أبياته التي أوردناها، إضافة لسقوط أولويات هامة من منظومة المتنبي الاجتماعية والتي كان يتباهى بها العربي ويفخر كالنسب مثلاً، وهذا ما عبّر عنه حامد حسن في قوله: والناس والتاريخ ما عرفوا له أماً ويختلفون إن ذكروا أبا؛ وهي القوة النفسية الصادقة التي تعمل جاهدة على تحويل ذلك الشعور النبيل وتعكسه على الفعل الإبداعي والنتاج الفني والذي من المفترض أن يعتمد على رؤى وتجارب تاريخية تخلص الفكرة إليها وهي الرؤى التي جعلت حامد حسن يرى المتنبي في منظار آخر ليقول: وأراك أقصر في الحياة وأهلها نظراً ولست كما ادّعيت مجربا..
وهي قضية الضمير التي تقضي في النهاية وتقتضي أن يدرك الشاعر الأشياء على حقيقتها كي يبرئ التاريخ ضميره وقريحته من أي تهمة قد تجعله يندم حتى ولو كان بقايا عظام أمام أي حساب كان، وهنا تتراجع الشهوة بكل أنواعها ومتطلباتها وتتقدم روح العفة وطاقة الشعور الخلاقة التي دفعت حامد حسن لموقف نزيه أمام قامة المتنبي المبدعة والتي لم تقابلها في شخصيته الانفصامية معطيات أو رؤى تدل على أخلاق تليق بتلك القامة، وهذا ما أورده حامد حسن في قوله: شاخ الزمان وبعض شعرك لم يزل أشهى من الراح المريح وأطيب شعر نغيم الرجع عذب سلسل لو كنت تصدق في كان الأعذبا, وكيف لو كانت معظم المنظومات الشعرية والثقافية قد بُنيت على نزاهة وأخلاق؛ فلا بد أن تكون النتيجة هي خلق مجتمع حضاري أمثل.