سوق الحميدية (1 من 2) .. بقلم: شمس الدين العجلاني

سوق الحميدية (1 من 2) .. بقلم: شمس الدين العجلاني

ثقافة

السبت، ١٤ سبتمبر ٢٠١٣

من الموسكي لسوق الحميدية
أنا عارفة السكة لوحديا
أنا واقف فوق الأهرام..
وأدامي بساتين الشام..
ولا حايل ما بين الاتنين
ولا مانع ما بين الاتنين
ولا حاجز ما بين الاتنين
نتذكر جميعا المطربة اللبنانية صباح حين شدَت بكلمات الشاعر المصري مرسي جميل عزيز ولحن الموسيقار السوري فريد الأطرش، هذه الأغنية في زمن كانت فيه مصر في الطوق العربي وكانت سورية تتخلى عن عباءتها في سبيل الوحدة العربية عام 1958م.

سوق الموسكي:
الموسكي هو الحي القاهري العريق الذي بناه أمير قادم من قلب دمشق إلى وسط القاهرة.
ينسب حي الموسكي لبانية الأمير عز الدين موسك، أحد أمراء وابن خال السلطان صلاح الدين الأيوبي، الذي عاش في القرن الثاني عشر للميلاد، وولد ونشأ بدمشق وثم ذهب إلى القاهرة أيام صلاح الدين، وعاد لدمشق وتوفي فيها عام 584 هجري، وأثناء إقامة هذا الأمير في القاهرة اهتم بالمشاريع العمرانية وبناء الجسور وشق القنوات المائية ومن ذلك سوق الموسكي الذي ينسب إليه، وكلمة (موسك) باللغة الكردية تصغير لاسم موسى.
وسوق الموسكي القاهري سوق تجاري حيوي مشهور، وسوق الحميدية الدمشقي سوق شهير وعريق.
أسواق دمشق:
أقيمت الأسواق الدمشقية قديماً قرب المعابد، داخل سور المدينة، ومن ثم أنشئت الأسواق خارج السور نتيجة التطور الحاصل بدمشق، وعلى مرِّ الأيام جُددت هذه الأسواق الواقعة داخل السور مع الحفاظ على أصولها المعمارية.
أسواق دمشق القديمة كثيرة العدد وهي كما يقول نعمان قساطلي في كتابه "الروضة الغناء في دمشق الفيحاء" الصادر عام 1879م على نوعين مجموعة ومتفرقة وكلها تحتوي على 6900 دكاناً، أما الأسواق المجموعة فيطلق عليها اسم المدينة وفيها أصحاب التجارة وأرباب البيع والشراء الأغنياء وتباع بها الأقمشة والبضائع الثمينة وغيرها" ويتابع قساطلي الحديث عن الأسواق المتفرقة بالقول: "أما المتفرقة فكثيرة جداً لأنه لا بد من سوق أو أكثر بكل حي كبيراً كان أم صغيراً".
أسواق دمشق بمجملها مغطاة، تحجب شمس الصيف، وأمطار الشتاء ليتمكن المتسوقون من السير والتسوق بطريقة مريحة، وعُرفت أسواق دمشق بتخصصها وأخذت اسمها من مهنة هذه الأسواق، كسوق النحاسين، وسوق الحرير، وسوق الصاغة، أو أخذت أسماءها من ولاة دمشق أو من الذين عملوا على إشادتها، كسوق مدحت باشا الذي أنشئ على أنقاض الشارع المستقيم، وسوق الحميدية.
تتميز أسواق دمشق القديمة أنها منشآت متكاملة، فهي مكان للتسوق وفي الوقت نفسه هي أماكن أثرية تاريخية تضم الحمامات والخانات والمتاحف والمدارس القديمة، والمطاعم والفنادق التراثية وبالتالي فالزائر والسائح لهذه الأسواق سيحقق متعتين في وقت واحد، التسوق والتمتع بالأوابد التاريخية التي تحكي قصص وحكايا وبطولات بلادي.
في دمشق حوالي 55 سوقاً تراثياً قديماً نصفها مغطى بالمعدن أو بالأقواس الحجرية. في حين أزيلت بعض هذه الأسواق كسوق المسكية لإظهار جدران الجامع الأموي وسوق الخجا لكشف جدار قلعة دمشق.
كتب السائح الإنجليزي بورتر عن أسواق دمشق عندما زارها في القرن التاسع عشر فقال عنها: (من الممتع التجول في هذه الأسواق ومشاهدة أنواع البضائع) ولاحظ بورتر في جولته بأسواق دمشق أن أمام كل حانوت مصطبة والتجار يجلسون عليها بين بضائعهم بهدوء واحترام...

سوق الحميدية:
سوق السباهية، أو سوق الأروام (ويلفظه العوام من الناس الأروان)، أو السوق الجديد، أو سوق الحميدية، تسميات متعددة لسوق واحدة هي سوق الحميدية المشهور والمعروف بدمشق الآن.
هو سيد أسواق دمشق بلا منازع... إذا ذُكرت دمشق فسوق الحميدية أول ما يذكر منها فهو رمز من رموزها، فكما لا تكتمل زيارة الشرق إلا بزيارة دمشق فلا تكتمل زيارة دمشق إلا بزيارة سوق الحميدية.
سوق الحميدية من أشهر أسواق دمشق وأهم وأشهر أسواق الشرق على الإطلاق وأكثرها جمالاً ورونقاً وقد وصفه المؤرخون والرحالة والمستشرقون على مر الأيام بأنه، فسيح رائع البناء، يشكل مدينة تجارية صناعية متكاملة في قلب دمشق القديمة، وإنه درة الأسواق وأجملها، وهو مغطى بالكامل بسقف حديدي مليء بالثقوب الصغيرة التي ينفذ منها نور الشمس أثناء النهار ومبلط بالحجرالبازلت الأسود- ويعد ملتقى الزائرين والسياح من كافة بقاع الدنيا. ويشكل سوق الحميدية استثناءً عن باقي الأسواق إذ ينتشر فيه الباعة المتجولون في أيام الأعياد عارضين بضائعهم على الناس المتوجهين إلى الجامع الأموي.
تتفرع عن سوق الحميدية وتحاذيها أسواق كثيرة تصل إلى أكثر من عشرين سوقاً متخصصة، ويقول المؤرخ نعمان القسطلي عام 1878م، إن هذه الأسواق تزيد على اثني عشر سوقاً، وهي أسواق مهنية تخصصية عرف كل سوق منها باسمه حسب مهنته وتخصصه، منها، سوق السروجية - سوق البزورية - سوق الصاغة - سوق المناخلية - سوق العصرونية - سوق الحرير - سوق العرائس - سوق القباقبية - سوق الخياطين - سوق المسكية - سوق القيشاني... وينتهي سوق الحميدية عند أحد فروعه المسمى سوق (المسكية)، حتى يصل إلى بوابة معبد جوبيتر الدمشقي وأعمدته الباسقة وهي بقايا لمعبد وثني بُني أيام الإغريق وبقي منه أعمدته الضخمة الرخامية المرمرية الجميلة.. والمزينة بكؤوس مزخرفة من الرخام وبقايا بوابة أثرية، ويتصل بساحة المسكية على أعتاب الجامع الأموي وهذه الساحة يعتقد أنها كانت فناءً للمعبد المذكور، سوق الحميدية يخلو من الأوابد التاريخية والأثرية كغيره من الأسواق الدمشقية، ولا توجد فيها حمامات أو خانات كغالبية أسواق دمشق، ورصفت لكن يوجد فيها عواميد أثرية وجامع الأحمدية، وفي العصر المملوكي كانت "دار السعادة" تقع في مكان جامع سوق الحميدية، وهي مكان إقامة الملك الأمجد الأيوبي ومن ثم أصبحت مقراً لنواب دمشق ومركزاً للحكومة وأما في العهد المملوكي كان يوجد في مكان "الحميدية" حمام دمشقي اسمه "حمام نور الدين" والسوق لا تدخله السيارات أو الباصات فهو مخصص لاستقبال السياح والزبائن. كما أنه يخلو من الأرصفة، ورصفت أرض السوق بحجر “اللبون” إلى آخره حيث تظهر منطقة “المسكية”. ويحيط بالحميدية عدد من الأوابد التاريخية المهمة فعلى يمينه تقع قلعة دمشق الشهيرة التي يتقدمها تمثال البطل التاريخي صلاح الدين الأيوبي وضريحه الذي يقع بين سوق الحميدية وبين حي العمارة العريق، وهنالك مجموعة أوابد تشكل صروحاً ثقافية كبيرة لا تزال شاهده على عراقة وقدم دمشق الشام أهم حاضرة من حواضر الثقافة والعلم والمعرفة والصناعة والتجارة في الشرق على مرّ العصور، منها المكتبة الظاهرية التي بناها الملك الظاهر بيبرس إبان فترة حكمه لدمشق، والبيمارستان النّوري الذي أصبح الآن متحف الطب والعلوم عند العرب.، والجامع الأموي، وفي سوق الحميدية أهم وأشهر صالونات البوظة الدمشقية المعروفة والمشهورة عربياً ودولياً هو (صالون بكداش) التاريخي المعروف منذ نهاية القرن التاسع عشر، ولم يزل هذا الصالون يصنع البوظة بالطريقة اليدوية (طريقة الدق) إلى الآن، والتي يطلق عليها العامة من الناس اسم (الإيمع) ولم يأت زائر لسوق الحميدية من ملوك وزعماء ورؤساء إلا وتذوق بوظة (بكداش).
يتبع