... أم عيون المكحولة.. رح سكّنها بمعلولا

... أم عيون المكحولة.. رح سكّنها بمعلولا

ثقافة

الأربعاء، ١١ سبتمبر ٢٠١٣

تقولُ الأغنية الشعبية: «روحو عني قولولا.. أم عيون المكحولة.. إن ما قدرنا نسكن بالشام.. رح سكنها بمعلولا».
تضع الأغنية، بشكل أو آخر، بلدة معلولا على قدم المساواة بحاضرة العالم دمشق، وهو أمرٌ لم يخترعه الموروث الشعبي من فراغ. فعلى الرغم من صغر المساحة الجغرافية للبلدة التاريخية (حوالي 225 كيلومترا مربعا)، ومن قلة عدد السكان (حوالي خمسة آلاف نسمة) غير أن البلدة تحظى بتاريخ عريق، إذ تؤكد بعض الدراسات أن إنسان «كرومانيون» قد سكنها قبل 30 ألف سنة، وخلّف وراءه بعض الشواهد المادية التي تدل عليه داخل الكهوف.
بلدة معلولا هي مركز ناحية معلولا، التي تتبع إداريّاً لمحافظة ريف دمشق - منطقة القطيفة، ويبلغ عدد سكان الناحية 12,192 نسمة حسب إحصاء سوري رسمي يعود للعام 2004.
واكتسبت معلولا رمزية خاصة، فقد عدت واحدة من أهم المراكز الدينية المسيحية في الشرق الأوسط، وربما في العالم أيضاً. وتضم ديرين من أقدم المواقع المسيحية المقدسة: دير القديسَيْن سرجيوس وباخوس للروم الكاثوليك، ودير القديسة تقلا لراهبات الروم الأرثوذكس، والذي تؤكد بعض المراجع أنه بني عام 80 ميلادي، ليكون بذلك واحداً من أقدم الأديرة في العالم.
وارتبطت رمزية معلولا الدينية في الدرجة الأولى بالقديسة تقلا، تلميذة القديس بولس الرسول. وتذكر مخطوطة قبطية من القرن الثاني، تُسمَّى «أعمال بولس وتقلا»، أن «أميرة شابة من سلالة ملكية عثرت على هذه المغارة، بينما كانت تحاول أن تهرب من الجنود الرومان الذين كانوا يتعقَّبونها لإعدامها، ولما بلغت جانب الجبل، توسَّلت إلى الله أن يُنقذها فانفتح هذا الجَرْف، وظهر لها هذا الملجأ داخل كهف». ويربط معظم الباحثين بين هذه الرواية وبين اسم البلدة، مؤكدين أن التسمية آرامية، وتعني باللغة العربية: مدخل، أو بوَّابة، فيما يذهب آخرون إلى أن الاسم يعني المكان المرتفع ذا الهواء العليل حسب اللغة السريانية.
بُنيَ دير مار تقلا على فتَرات زمنية مُتَلاحقة، ويضم مكتبة ضمت عبر تاريخها مخطوطات وكتباً مهمة، تعرض معظمها للفقدان أو التلف، وما زالت تحتفظ بعدد من الكتب الخاصة بالطقوس الكنسية، كالأناجيل الأربعة، وتفاسيرها، ومن بينها ما كانَ مُجَلَّدًا بِدُفَّتَينِ مِن خَشَبٍ، خيطَت بِخيطانٍ عَريضة أَشبهَ بالحبال، وَمُعظَم هَذِهِ الكُتُبِ مَخطوطاتٍ خُطَّت باليَدِ، مِنها مَخطوطُ «الكيكلوس»، الَّذي يَحوي تَفسيرًا لِوقوعِ الفِصحِ المَجيدِ المُؤَرَّخ 2؛72 لآدَمِ، وَمَخطوطةِ «الأَفخولوجي» المَنقولَةِ عَنِ اليونانِيَّةِ سنة 1633 بِيَدِ «ميلاتيوس» مُطرانُ حَلَب.
وتضم البلدة ديراً تاريخياً آخر، هو دير القديسَين سرجيوس وباخوس، ويعود تاريخه إلى القرن الرابع ميلادي، وقد «أقيم على أنقاض معبد وثني قديم» بحسب الباحث الأب متري هاجي اثناسيو. وتشتهر كنيسة هذا الدير بأيقوناتها القديمة القيمة، خصوصا في الايقونسطاس وهو مكان توضع عليه الايقونات ويفصل الهيكل عن صحن الكنيسة، ومن أشهرها أيقونة المعلم ميخائيل الكريتي التي تعود الى العام 1813. ويرتبط هذا الدير برواية تقول إن القديسَين سركيس وباخوس كانا جنديين في الفيلق الروماني، اعتنقا المسيحية سرّاً ورفضا تقديم القربان لإله الشمس فحكم عليهما بالموت، لذلك شيدّ الدير مكان المعبد الوثني لإله الشمس بين عامي 313 / 325 ميلادية، في عهد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين عندما أصبحت الديانة المسيحية رسمية. وأظهرت الاختبارات التي أجريت في ألمانيا أن عمر الجسور الخشبية لمبنى الكنيسة يقارب الألفي عام.
وفي شرقي معلولا توجد كتلة صخرية بارتفاع حوالي أربعة أمتار في قمتها ثلاثة قبور نقشت في الصخرة، وفي وجهها الشرقي نافر يمثل إلهين متقابلين، الأول ملتح يحف برأسه إكليلا ذا 13 شعاعا ويرتدي عباءة يونانية معلقة على الكتف الأيمن، والثاني يمثل الربّة أثينا معتمرة بخوذة وفوق رأسيهما قوس من الكتابة الإغريقية.
وتمتاز معلولا أيضاً بأنها المجتمع المتكامل الوحيد الذي يتحدث اللغة الآرامية، لغة السيد المسيح. وبحسب منظمة «اليونيسكو» فإن الآرامية الحديثة واحدة من ثلاثة الاف لغة مهددة بالاندثار، من أصل ستة آلاف لغة ما زالت منتشرة في العالم. وقد أنشأت الحكومة السورية في معلولا في العام 2003 معهداً لتدريس الآرامية.
وتكثر المغاور والكهوف في معلولا، وبيوتها محفورة في الجبل. وتقول الروايات الشعبية إن هذه الكهوف عبارة عن مساكن كانت تقدم مهراً للعروس قديماً، حيث يطلب والد العروس من الخاطب أن يحفر بيته بالصخر بنفسه، وفعلا يشرع الخطيب بحفر غرفة صغيرة تستغرق سنوات من العمل الشاق كي ينعم بالعيش فيها مع محبوبته المعلولية.
في معلولا العديد من المعالم المهمة، منها: كنيسة مار الياس، كنيسة القديسة بَربارَة، كنيسة القِدِّيس جاوُرجيُوس، مزار مار قزمة ودميانوس، مَزار مارسابا، دير البَنات، كنيسة التوبة وكنيسة القديس لاوندايوس. وتذكر وزارة السياحة السورية أن عدد زوار معلولا يفوق 300 ألف شخص سنويا.
وتقول الروايات إن «القديسة تقلا نجت من القتل عدة مرات، قبل أن تجد سكينتها في معلولا، حيث حاول الرومان مرة حرقها في النار لكن الرياح والأمطار أخمدتها، كما أنقذتها المعجزات السماوية ثلاث مرات متتالية من الوقوع فريسةً للوحوش والثيران البرية والأفاعي».
فهل يمكن للمعجزات نفسها أن تنقذ معلولا اليوم؟