سهيل معتوق... والدهشة اللونية

سهيل معتوق... والدهشة اللونية

ثقافة

الأحد، ٨ سبتمبر ٢٠١٣

ريم الحمش
artreem@hotmail.com
يعد الفنان سهيل معتوق أحد أبرز الفنانين في الحركة التشكيلية السورية, ومن أصحاب التجارب الجادة التي حظيت بمتابعة المهتمين بالفنون البصرية لما تحمله أعماله من رؤى فكرية علاوة على تميّزه باستخدام تقنية خاصة في العمل الفني.
البيوت المتعانقة, النوافذ, الغسيل وحباله، والملاقط الخشبية التي تثبته، إضافة إلى أحواض الورد الملونة والنباتات، والهلال، وبعض الوحدات الزخرفية الهندسية الموجودة في البيت الدمشقي، والمشبكات الخشبية التي تغطي بعض النوافذ, والشرفات، والأحياء القديمة.. هذا العالم الساحر والجميل يقدمه الفنان بكثير من الأناقة، الدقة، والدراسة العقليّة والحسيّة الرفيعة لعلاقة العناصر بعضها ببعض، وما تفضي إليه في النهاية من تكوينات هندسيّة مبنيّة بإحكام، والعلاقة المتكافئة بينها وبين الخلفيّة، وكل هذا ينجزه الفنان سهيل معتوق بخبرة توليفيّة تشكيليّة تنسج الحيوية لمشاهد بصرية لها مضمونها الرؤيوي وأسلوبها المؤثر على الملمس التشكيلي؛ حيث تضحي أعماله متماسكة قوية تشكل فيها التقنية المستعملة أداة جوهرية لتحويل التصورات إلى آلية بصرية معنية بالإدراك الحسي وبالأبعاد الفلسفية التي تتبدى بشكل صريح كمضامين مترجمة لرؤية فنان له مراميه المتفاعلة مع كل المعطيات التشكيلية الحديثة، وهي تنبثق أساساً من المجال التعبيري عموماً الذي يتميز به الفنان معتوق وتوظفه ضمن نسيجه المعرفي والثقافي التشكيلي وأيضاً من خلال توظيفه لكل العناصر المكونة لأعماله بشكل عفوي. انطباعي. تلقائي. ومرن؛ يفسر مجموعة من التأثيرات القوية التي تنبعث من المادة اللونية المستعملة بحركية تُظهر جملة من القيم الجمالية والرمزية التي تدل على عمق الفن الفعلي في تشكيل دقيق يدعم المجال التعبيري الحديث ويمنح الكتل انطباعاً واقعياً ينفذ تأثيره إلى البصر كانعكاس عاطفي يصور القيم، ويُمثل مشاهد الواقع على نحو رصين, يمنح الحياة هدوءها ودفئها فالألوان تنسج الحياة وتجعل منها مواد أيقونية لتحريك المشاعر بطرائق فنية عميقة الدلالات كما أن العلامات اللونية لديه شديدة الدفء، تتفاعل مع وجدان المتلقي في علاقة خفية قوية، تماثل علاقة الفنان بهذا العالم معتمداً ألوان الإكرليك الشفيفة المتدرج منها: البني والأصفر والبرتقالي وتدرجاتها، إضافة إلى الأخضر الزيتي، والأزرق السماوي والنيلي والرمادي, وقد استوحى كل ذلك من البيئة الدمشقية الصميمة مبرزاً شاعرية المساحة وصفاء اللون أحياناً، وقد تخفف الكثافة التشكيلية من هذا الهاجس الشيء الذي يضعنا أمام تجربة جدية في معالجة المادة اللونية وفي أسلوب إخراج اللوحة وصوغ المشاعر الهادئة لواقعية تبحث في خبايا القيم الجمالية.
من هنا تأتي خصوصية عالم الفنان التشكيلي سهيل معتوق وفق إمكانياته الحسية والجمالية والإنسانية في روح الإبداع الخلاق لرغباته الملحة في رسم لوحة تشكيلية معبرة عن روحه وصدقه وانسجامه بالحياة والناس والمكان, ووفق مقارباته العمل بالمادة التشكيلية الصرفة التي تروم إلى إلغاء المنظور (البعد الثالث) مما يمنح أعماله أبعاداً زمانية ومكانية تفسح المجال لصنع علاقات تحاورية بنوع من التكافؤ والتوازن بين كل الألوان والمكونات والعناصر التي تملأ قلوبنا بزفرات الحنين العفوي المفتوحة على أزمنة الحب فتجعل البصر يتناغم ويتفاعل مع طبيعة العمل كلما يسمح للمتلقي العادي والمتخصص أن يتأمل ويقرأ بتعددية وهو بذلك يحقق معنى حقيقياً للوحاته، وأسلوباً مميزاً لمساره التشكيلي ما يضمن له الاستمرارية والتألق.
د.سهيل معتوق من مواليد دمشق 1948,انتسب إلى كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1969,نال إجازة الفنون الجميلة اختصاص عمارة داخلية 1973,عمل معيداً في كلية الفنون الجميلة عام 1975,دبلوم عال معادل دكتوراة من المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية، باريس اختصاص عمارة داخلية 1980 لغاية 1989,أُعير الفنان معتوق للتدريس في الأردن أكثر من مرة, عضو مجلس جامعة البنات الأردنية (البترا) عام 1993-1994شارك في كل معارض الدولة منذ عام 1970, أقام عدة معارض شخصية ومشتركة في باريس, شارك في عدة معارض دولية منها مهرجان (كان سورمير) فرنسا و(إنتر غرافيك) ألمانيا ومعرض (أورجينال دراوينغ) يوغسلافيا.


عالمي...
الرحلة الأخيرة للفنان الروسي فاسيلي بيروف 1865

موضوع اللوحة استوحاه الفنان بيروف من قصيدة للشاعر الروسي نيكراسوف يتحدّث فيها عن جنازة تقام لرجل في منتصف فصل الشتاء لكن يقال إن اللوحة أكثر إثارة للحزن من القصيدة، إذ لا جيران هنا ولا معارف أو أصدقاء.
تمكن الفنان من أن ينجح في تحويل فكرة عاديّة ومألوفة إلى عمل فنّي من الطراز الرفيع يجسّد مأساة الإنسان وقد وضع عدّة اسكتشات تمهيدية للوحة وتجوّل في العديد من القرى وراقب مناظر الخيول التي تجرّ عربات الجليد التي تنقل الأشخاص أو أكفان الموتى, وهو أول فنّان روسي يرسم صورة حقيقيّة عن الحزن والفقر المدقع وقسوة حياة الفلاحين وسكّان الأرياف وقد اكتسبت لوحته هذه شهرة عالميّة وحقّقت نجاحاً كبيراً بين معاصريه ونال عليها جائزة جمعية تشجيع الفنون، كما عُرضت مراراً في معارض فنّية داخل روسيا وخارجها.
 في هذه اللوحة، ينقل الرسّام إحساساً بمعنى الفقد أو الموت؛ إذ نرى امرأة برفقة طفليها الذين يبدون متجمّدين من شدّة البرد, وهي تنقل جثمان زوجها إلى مثواه الأخير في كفن موضوع فوق عربة يجرّها حصان كأنّما يحسّ بعمق الفجيعة على فراق صاحبه, وشكل الطبيعة الخاوية والمتجهّمة والسماء المنخفضة والسحب الداكنة والثقيلة والأطراف المتجمّدة للغابة؛ كلها عناصر تعزّز درجة الإحساس بحزن وكآبة المنظر, وهناك أيضاً غلبة اللون الرمادي بتدرّجاته المختلفة والذي يعطي انطباعاً بالبرد القاتل.. اللوحة بسيطة في شكلها وكاملة في مضمونها، أي لا شيء فيها ناقصاً أو زائداً عن الحاجة وهي لا تحكي فقط قصّة حزينة عن مصير عائلة فقيرة تُركت وحيدة بعد رحيل معيلها بل أيضاً عن مصير ملايين الفلاحين والمحرومين الذين يعانون ظروفاً مماثلة.