ساحات دمشق ..((السبع بحرات)) 2 من 2 .. بقلم: شمس الدين العجلاني

ساحات دمشق ..((السبع بحرات)) 2 من 2 .. بقلم: شمس الدين العجلاني

ثقافة

الأربعاء، ١٧ يوليو ٢٠١٣

و تبقى حكاية ساحة السبع بحرات من أندر الحكايا و ذات بعد و دلالة وطنية .
يحكى ان هذه الساحة أنشئت ابان الثورة السورية على الانتداب الفرنسي عام 1925 ميلادي ، و سميت باسم الضابط الفرنسي الكابتن ديكار بانتري قائد فرقة الهجانة في قوات الانتداب الفرنسي ، الذي قتله السوريون  في هذه الساحة ، حيث وضع لهذا الكابتن نصب تذكاري في منتصف الساحة و هو عبارة عن قبة كبيرة وأسفلها سبع بحرات فوق بعضها البعض صُممت البحرات السبع على الطراز المعماري الاسلامي و وضع على هذا النصب لوحة رخامية كتب عليها باللغتين العربية والفرنسية ( ذكرى الكابتن ديكار بانتري ورجال فرقته الهجانة ) .
قبة الكابتن ديكار بانتري :
كانت قبة " الكابتن ديكار بانتري " تتوسط ساحة السبع بحرات ، و هي  قبة محمولة على أربعة أعمدة قوسيه الشكل على شكل محراب من الحجارة الأبلقية " أي حجر ابيض و الاخر اسود "  و يتخللها في أسفل القبة سبع بحرات مائية متضائلة وصولاً إلى البحرة الرئيسية .
و لكن الدمشقيين أطلقوا عليها اسم ساحة السبع بحرات لوجود هذه البحرات السبع تحت القبة ، و كانت هذه القبه جميلة المنظر و المياه تتدفق من داخلها و تحيط بها الازهار و الورود و كانت الملاذ الصيفي لأهل الشام و خاصة سكان سوق ساروجا ، الذين يقضون " سيرانهم " في تلك المنطقة ، و خاصة بوجود بستان آنذاك اسمه " بستان عين الكرش " نسبه الى نبعة " عين " مياه صافية رقراقة باردة تُدعى " عين الكرش " ، و كانت مياه هذه العين تشكل بحيرات متتابعة تغمر المنطقة و تغذي " البحرات السبع " قبل الغزو العمراني للمنطقة . 
الضابط الفرنسي الكابتن ديكار بانتري عاث فساداً في دمشق ، و نكل و أرهب الدمشقيين  ، و تشهد أحجار ساحة السبع بحرات على جبروته و طغيانه " كانت هذه الساحة منطقه خضراء أو بستاناً كبيراً " ،  كان بانتري قائداً لما يسمى قوات حرس الهجّانة الفرنسية في سوريا ، و أثناء تواجده في هذه الساحة التي كانت قيد الانشاء و عباره عن بساتين خضراء .  حصلت معركة بين قوات الهجانة الفرنسية و الثوار السوريين ، ولقي الضابط ديكار بانتري حتفه فيها على أيدي الثوار السوريين متأثراً  بجراحه  بالرغم من وجود معسكرا للجيش الفرنسي في هذه الساحة " مكان مصرف سورية المركزي الآن " .
 قررت سلطات الانتداب الفرنسي و على رأسها المفوض السامي موريس سراي ، و جرياً على عادتها في تحدي اراده الشعب السوري ، اقامة نصب تذكاري للضابط الفرنسي بانتري في منتصف الساحة و اطلقت على الساحة اسمه تخليدا له! فكانت في عهد الانتداب الفرنسي اسمها ، ساحة الكابتن ديكار بانتري ، و لكن الدمشقيين ابوا هذه التسمية و سموها منذ ذلك الوقت باسم ساحة السبع بحرات .
بعد جلاء قوات الاحتلال الفرنسي عن سوريا هدمت قبة " الضابط الفرنسي الكابتن ديكار بانتري " وأبقي على الساحة و في وسطها سبع بحرات . و قيل ان هدم هذه القبة كان بناء على طلب الرئيس السوري آنذاك شكري القوتلي ، و الذي قال ، ان هذا الكابتن كان يحارب الوطنيين فلن اساعد على حفظ اسمه للتاريخ ، و لكن هنالك قرارا رقمه 5/1 صدر في السادس عشر من حزيران عام 1945م من قبل ما كان يسمى ، المجلس البلدي بدمشق والذي نص  :
 " على إثر العدوان الفرنسي على سورية عامة، ودمشق خاصة، في 29/ أيار 1945، والفظائع التي ارتكبها الفرنسيون بحق أبنائنا وبلادنا، قرّر المجلس البلدي بدمشق الاقتراحات الآتية:
1-    إلغاء الأسماء الفرنسية لشوارع دمشق وتبديلها بأسماء عربية.
2-    إزالة كل نصب تذكاري فرنسي من الشوارع والساحات في المدينة."
و اليوم الاسم الرسمي لهذه الساحة ساحة التجريدة المغربية و أطلق عليها هذا الاسم بعد عام 1973 م  تيمنا باسم الكتيبة العسكرية المغربية التي شاركت في حرب تشرين التحريرية، و لكن لم يزل الدمشقيون يطلقون عليها  اسم  ساحة السبع بحرات. 
جددت و طورت الساحة عدة مرات حتى أصبحت الآن في حلة بهية، ويحيط بها بناء ضخم هو مصرف سورية المركزي ، الذي شيد بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي مكان ثكنة من ثكنات الجيش الفرنسي  ، و كان المصرف قد أنشئ بموجب المرسوم التشريعي رقم ( 87 ) تاريخ 28 اذار عام 1953 م ، وباشر نشاطه في الأول من آب عام 1956 .
كما يحيط بساحة السبع بحرات مبنى اتحاد الحرفيين و هو مبنى قديم تراثي أنشئ زمن الرئيس شكري القوتلي و كان " ديوان محاسبة الموظفين " و مبنى اذاعه دمشق قبل انتقالها الى شارع النصر ، وجامع بعيرة الذي أنشأه في عام 1938ميلادي ، أبو راشد بعيرة وسمي الجامع باسمه و دفن فيه ، و كان هنالك بناء جميل لعائلة الشبؤون مبني وفق العمارة الفرنسية و عائلة الشبؤون كانوا من اهم صناع الحرير الطبيعي بدمشق .
الآن :
الارهاب نفسه الذي طال ساحه السبع بحرات عام 1925 ميلادي ، يطالها الآن عام 2013 ، الارهاب نفسه و ان اختلفت التسميات و الادوات و آلية التنفيذ  ، فقد طالت التفجيرات الإرهابية منطقة السبع بحرات مرات عده خلال الازمة السورية  ، و كانت اكثرها دموية حين فجر إرهابي انتحاري يوم الثامن من نيسان عام 2013 م  سيارة مفخخة بكميات كبيرة من المتفجرات بين ساحة السبع بحرات ومنطقة الشهبندر بدمشق مما أدى إلى وقوع خمسة عشر شهيداً و146 جريحا بينهم نساء وأطفال إصابات بعضهم خطرة.، إضافة إلى أضرار مادية كبيرة بمدرسة سليم بخاري وجامع بعيرة ومنازل المواطنين وعشرات السيارات المارة والمتوقفة في المنطقة و اندلاع حريق في موقع التفجير.
ستبقى ساحة السبع بحرات عصية على ارهابهم و ستبقى حكاية يتناقلها الاطفال عن الاباء و الاجداد و انها الساحة التي هزمت في يوم ما الضابط الفرنسي الكابتن ديكار بانتري و قواته من الهجانة ، و ستهزم حقد كل معتد و ترفع راية دمشق راية الحب و العيش المشترك .