أسوار مدينة حلب.. تميز يستحق الخلود

أسوار مدينة حلب.. تميز يستحق الخلود

ثقافة

الثلاثاء، ١٦ يوليو ٢٠١٣

نظراً لحصانته وقوته كان مضرباً للمثل، كما جعله يتميز في العالمين العربي والإسلامي.. إنه السور الذي يحيط بمدينة حلب والذي كان له الدور البارز عبر العصور في رد هجمات المعتدين عن "حلب" وسكانها وتوفير الأمن والاستقرار لهم.
يحيط السور بالمدينة القديمة على شكل مربع طول ضلعه 1500م وقد جدده "سيف الدولة" و"نور الدين زنكي" كما شهد توسعة في عهد الملك "الظاهر غازي" من جهتي الشرق والغرب، كما جرى هدم جزء منه نتيجة توسع المدينة وتم الكشف منذ بضعة أعوام عن جزء من السور القديم قرب موقع "باب الفرج" من جهة "شارع الخندق" بالإضافة إلى برجه الدائري الذي كان يُسمى "برج الثعابين".
وكان سور المدينة يحوي عدداً من الأبواب التي اندثر بعضها مثل "باب الفرج، باب الجنان، وباب النيرب"، أما الأبواب الباقية والمحافظة على رونقها فهي: "باب إنطاكية، باب قنسرين، باب الحديد، باب النصر وباب المقام".
مؤرخ حلب المعاصر "عامر رشيد مبيض" يقول: "حلب مدينة عربية منذ نشأتها في الألف الخامسة قبل الميلاد باسم "أرمان"، وقد عُرفت باسم "حلب" لأول مرة في القرن 19 قبل الميلاد ولم يطرأ أي تعديل على اللفظ إلا في اللسان غير العربي، ويعد معبد "حدد" العالمي في تل القلعة "جبل العاصفة" أي القلعة فيما بعد مظهراً طبيعياً للمدينة، وكان الحلبيون قد حصّنوا معبدهم أول مرة بإقامة سور حول المعبد ثم شيدوا سوراً ثانياً يحيط بذروة التل "القلعة" ومن ثم شيدوا المدينة بسور هو السور الثالث لحلب، وبعد أن توسعت المدينة لاحقاً بُنيت لها أسوار جديدة ورُمّمت الأسوار الأمورية القديمة "وليست الرومية"، لقد كان للمدن القديمة أسوار يبلغ ارتفاعها أكثر من عشرة أمتار تتخللها كل ثلاثين متراً أبراج ناتئة، إنّ السور الذي رسمته المعتقدات العربية السورية مصون لا يُمس بغير إذنٍ من الكهنة حتى لو كان لإصلاحه وكان يُحتفل بعيد السور فقد كان كل ما هو مقدس مصدراً لعيد، ففي داخل الأسوار التي تتصل بالقلعة معبد إله المدينة ولم يكن في المدينة أقدس من هذا المعبد".
إنّ سور "باب إنطاكية" المرمّم هو سور الأموريين من القرن 19 قبل الميلاد وليس الروم، أما الكرة المعدنية الموجودة داخل "باب إنطاكية" والتي تُسمى "كلة معروف" فهي تعود إلى ما قبل الإسلام واُستبدلت عبر العصور، وهي تمثل الصاعقة رمز الإله "حدد" وحين تم القضاء على الوثنية أُشير إليها باسم "معروف".
تذكر المصادر التاريخية أنّ أسوار مدينة "حلب" ربما تعود بأساساتها إلى الفترة السلوقية والقرن الرابع قبل الميلاد، كما كان الشارع المستقيم يصل بين القلعة و"باب إنطاكية" في الفترة الرومانية والبيزنطية وإثر تدمير "كسرى" لمدينة "حلب" وأسوارها في العام 540 م قام الإمبراطور "جوستنيان" بترميمها، وبعد أن حررها العرب في العام 637 م جدد "بنو أمية" ثم "بنو صالح بن عبد الملك" ولاة العباسيين عدة أبراج، وعندما خربها "نقفور فوقاس" في العام 962 م جدد "سيف الدولة" أسوارها في العام 353 هجرية ثم ابنه "سعد الدولة" من بعده في العام 367 هجرية وكذلك "بنو مرداس" وسواهم قبل مجيء "عماد الدين زنكي" إليها".
قام "نور الدين محمود بن زنكي" بعمارة فصيل لأسوارها "وهو عبارة عن حائط أقل ارتفاعاً من السور" امتد من "الباب الصغير" إلى "باب العراق" ومن "قلعة الشريف" إلى "باب قنسرين" ثم إلى "باب إنطاكية" ومن "باب الجنان" إلى "باب النصر" و"باب الأربعين" وكان ذلك في العام 592 هجرية، وقام الأيوبيون بتعلية السور باللبن وتعميق خندق الروم وجعله جزءً من السور الخارجي الشرقي للمدينة بعد اتساع أحياء المدينة في هذه الجهة وبذلك أصبحت القلعة وسط الأسوار بعدما كانت تطل عل سورها الشرقي، كما جددوا أبراجاً في قسم السور بين "باب الجنان" و"باب قنسرين".
خُرّبت الأسوار أيام "هولاكو" في العام 1260 م و"تيمورلنك" في العام 1400 م فقام "المؤيد شيخ" بالإشراف بنفسه على ترميم الأسوار في العام 1417 م وخاصة بين "قلعة الشريف" "في الجهة الجنوبية للمدينة القديمة" و"باب الجنان" وتابع عملية ترميم الأسوار الملك الأشرف "برسباي" في العام 831 هجرية ثم الملك الأشرف "أبو النصر قايتباي" في العام 1468 م، وتذكر بعض الكتابات قيام "جنبلاط" كافل "حلب" في عهد "قايتباي" بترميم الأسوار في العام 1497 م وكذلك قيام "أبرك" نائب القلعة أيام "قانصوه الغوري" بأعمال الترميم في العام 1514 م وإعداد التحصينات اللازمة لمواجهة هجوم العثمانيين المرتقب، كما تم بعض الترميم للأسوار أيام العثمانيين وفي عهد السلطان "محمود" في العام 1745 م"، ويُلاحظ "عبد الله حجار"أنّ الخندق الذي كان يحيط بأسوار المدينة من الخارج لا زال ظاهراً بين "باب قنسرين" وجزء السور الممتد حتى الزاوية الجنوبية الغربية من الأسوار، ويُلاحظ أيضاً في عمق الخندق الحجارة الضخمة التي بني بها أسفل جدار السور وتعود إلى فترات قديمة تليها أحجار أصغر حجماً من القرن الثالث عشر وفي الأعلى حجارة مبنية أيام المماليك وفي فترات أكثر حداثة كما تُشاهد غرف للسكن وقد بُنيت على جدران السور وشوّهته ويوجد في هذا الجزء من السور أيضاً "برج الغنم" إضافةً إلى برج آخر إلى الغرب من "باب قنسرين" قامت مديرية الآثار بترميمه وتحمل كتابة تذكر اسم السلطان "الشيخ مؤيد" التي قام بترميمه في العام 1418".