الدكتورة ليلى الصباغ: العضو النسائي الأول في مجمع الخالدين.. مسيرة خيّرة للحفاظ على هوية الأمة، وعمل دائب في خدمة الإصلاح التربوي

الدكتورة ليلى الصباغ: العضو النسائي الأول في مجمع الخالدين.. مسيرة خيّرة للحفاظ على هوية الأمة، وعمل دائب في خدمة الإصلاح التربوي

ثقافة

الاثنين، ٨ يوليو ٢٠١٣

محمد مروان مراد
سوف يبقى اليوم العاشر من شهر آب عام 2000 الماضي، نقطة مضيئة في تاريخ الفكر العربي الحديث، وفي تاريخ النهضة الاجتماعية في سورية بوجه خاص.
ففي ذلك اليوم كان على لجنة الأكاديميين العرب في مجمع اللغة العربية بدمشق.
أن تختار خلفاً لعضو المجمع الراحل الدكتور حسني سبح وقد صوتت اللجنة بالإجماع على اختيار الدكتورة ليلى الصباغ لتكون العضو النسائي الأول في تاريخ مجمع الخالدين.. وقد عنى ذلك الاختيار لها الشيء الكثير، بالنظر لمكانة المجمع في الحفاظ على اللغة العربية وبالتالي هوية الأمة، وأثر ذلك كله في التربية والتعليم، وارتباطهما بتنشئة الأجيال.

عطاء خيّر لخدمة المجتمع
لقد جاء اختيار الدكتورة ليلى الصباغ في الواقع، مستنداً إلى عديد من المعطيات الفكرية والتربوية، ومعتمداً على ما أنجزته طوال مسيرتها الحافلة بالعطاء الخيّر في مجالات التأليف والتدريس، وتربية الأجيال وفق منهج حديث مواكب للعصر دون انقطاع عن الجذور، وهي المعادلة التي شغلت الكثيرين نظراً لإشكالات الموازنة بين هذين الجانبين، حسمتها الدكتورة ليلى الصباغ، من بداية مسيرتها مركزّة على الهوية واللغة وقراءة التاريخ من زاوية تحليلية ووظفتها في خدمة المجتمع، فكانت ممارستها للحياة وكتاباتها التربوية واللغوية شخصية مميزة، جعلتها بالفعل علامة فارقة في مسيرة النهضة الفكرية في الوطن.

مسيرة دائبة في ميدان البحث العلمي
المتتبع لمسيرة الدكتورة الصباغ، يدهشه الجهد الكبير الذي أدته في كل ما أعطته، وحجم الرسالة التي حملتها باقتدار في مرحلة واجهت فيها المرأة العربية الكثير من المصاعب والعقبات، وكانت البداية عام 1924 حيث ولدت الراحلة في أسرة محافظة تتحلى بالجدية والاجتهاد وحب المثابرة على البحث العلمي، وعاصرت في تلك الفترة مرحلة هامة من تاريخ سورية النضالي ضد الاحتلال الأجنبي، وأسهمت في رسم ملامح شخصيتها وطموحها، فشقّت طريقها العلمي بنجاح.
وحققت تفوقاً على بنات جيلها، وبُعيد حصولها على شهادة الثانوية العامة، تم إيفادها إلى مصر، فحازت شهادتها الجامعية من كلية الآداب بجامعة القاهرة، قسم التاريخ عام 1947، وتابعت تحصيلها العالي فحازت درجتي الماجستير والدكتوراة في تاريخ العرب الحديث عام 1961.

نموذج للمربية المثالية
أمضت الدكتورة ليلى الصباغ سنوات في مهنة التدريس في مدارس الدولة، وأدارت بكفاءة وحكمة مدرسة التجهيز لأكثر من 10 سنوات 1954- 1963 وحولتها بدأبها ونشاطها إلى مثال يحتذى لمدارس القطر، وبالذات إدخالها مجموعة من الأنشطة والأساليب التربوية التي عُدّت في تلك الفترة، تجديداً في أسلوب البناء الفكري والتربوي للجيل الجديد.
تنقلت الدكتورة الصباغ بعد ذلك بين عدة مناصب تربوية فشغلت منصب خبير موجه لمادتي التاريخ والجغرافيا في الإدارة المركزية بوزارة المعارف عام 1963، ثم انتدبت أستاذاً زائراً في جامعة الجزائر عام 1966، واغتنمت إقامتها في الجزائر لمتابعة التحصيل في معارف متنوعة، وإن خصصت الجزء الأكبر من عملها للدوريات التعليمية المتخصصة في التاريخ وخاصة الإسلامي منه، وقد مثّل هذا الدأب المستمر وجهاً متميزاً في شخصيتها إذ ظلّت مشغولة بموضوع التدريس والتواصل مع النشء عبر الأفكار الجديدة التي حملتها نتيجة للخبرة الطويلة، والاضطلاع في العديد من الاختصاصات والأماكن، وبدا ذلك جلياً لدى عودتها إلى دمشق وعملها بين 1968 و1971 في مديرية البحوث التابعة لوزارة التعليم العالي.. وتواصلت المسيرة من عملها في التدريس بجامعة دمشق، ثم للعمل أستاذاً زائراً بجامعة العين في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1993.

ثروة من الدراسات في الأدب والتاريخ
نال التأليف في الأدب والتاريخ الحيّز الأكبر من جهودها في الدراسات والبحوث، وقد جسّدت مؤلفاتها في المجالين منهجية البحث التاريخي الذي جعل من كتابها: "دراسة في منهجية البحث التاريخي" مادة تدرّس في جامعة دمشق، وكانت عنايتها واضحة بالمؤلفات التي تشير إلى دور المرأة في الأدب والسياسة والإصلاح الاجتماعي، وتناولت من جانب آخر في كتابها: "تاريخ أوروبا في العصر الحديث" مفاصل المجتمعات الغربية التي يمكن أن تساعد في فهم خصوصيات المجتمعات والتجارب التاريخية المختلفة في العالم، وأعطت عنايتها بشكل هام إلى دور المرأة في الأدب والسياسة في المجتمع العربي فكانت مؤلفاتها: نساء ورجال في الأدب والسياسة، من أعلام الفكر العربي في العصر العثماني الأول، الجاليات الأوروبية في بلاد الشام في العهد العثماني..
مسيرة طويلة عاشتها الدكتورة ليلى الصباغ وأدت فيها رسالتها حق الأداء، وتركت للأجيال نتاجاً خيّراً، سيبقى في سجل عطائها.
وحينما رحلت في السادس من شباط عام 2013 ودّع فيها الوطن شخصية إنسانية جديرة بتقدير الوطن واحترام الأجيال على مدار الأيام.