ذاكرة المكان والناس.. إبراهيم هنانو: قاوم المستعمر الفرنسي فدبروا اغتياله؟!

ذاكرة المكان والناس.. إبراهيم هنانو: قاوم المستعمر الفرنسي فدبروا اغتياله؟!

ثقافة

الجمعة، ٢٨ يونيو ٢٠١٣

شمس الدين العجلاني
زعيم ومجاهد وطني، قاوم المستعمر الفرنسي، وبذل في سبيل الوطن ماله ونفسه، صدرت بحقه أربعة أحكام غيابية بالإعدام من قبل محكمة الجنايات العسكرية الفرنسية، تولّى زعامة الحركة الوطنية في شمال سورية.. هنانو قدم إلى محكمة الجنايات العسكرية الفرنسية بتهمة الإخلال بالأمن والقيام بأعمال إجرامية، وعقدت المحكمة أول جلساتها في (16 رجب 1340 هـ = 15 آذار 1922م) في ظل إجراءات أمنية مشددة، وترافع فتح الله الصقال أبرز محامي حلب للدفاع عن هنانو. في 25 آذار من عام 1922م. طالب النائب العام الفرنسي المحكمة بإعدام هنانو قائلاً "لو أن لهنانو سبعة رؤوس لطلبت قطعها جميعاً".
المحامي فتح الله الصقال أظهر للمحكمة أن التهمة الموجهة إلى هنانو باطلة كون هنانو خصماً سياسياً وليس مجرماً، بدليل أن الفرنسيين قبلوا بالتفاوض معه مرتين ووقعوا معه هدنة. وعلى هذا الأساس أطلق سراح هنانو، لكن المستعمر الفرنسي كان لديه نوايا عدوانية ضد هنانو فأستأجر أحد الأشخاص ودفعه لاغتيال الزعيم الوطني إبراهيم هنانو أثناء تواجده في قريته "كفر تخاريم".


إبراهيم هنانو:
سياسي ومجاهد ومن أهم زعماء سورية، قاوم الانتداب الفرنسي، وكان أحد قادة الثورة السورية، وتولى زعامة الحركة الوطنية في شمال سورية ولد في بلدة (كفر تخاريم) في شمال غرب سوريا عام 1869م، نشأ في أسرة كردية غنية، حيث كان والده سليمان آغا أحد أكبر أثرياء مدينة حلب، ووالدته كريمة الحاج علي الصرما، تلقّى علومه في كفر تخاريم، وحلب ودرس الحقوق في الآستانة، عُين مديراً للناحية في ضواحي استانبول، فقائم مقام بنواحي أرضروم، فقاضي تحقيق في كفر تخاريم، انتخب عضواً في مجلس إدارة حلب، وعُين بعدها رئيساً لديوان الولاية. وفي عام 1919م انتخب عن مدينة حلب لعضوية البرلمان السوري "المؤتمر السوري الأول"، كما فاز عام 1928م بعضوية الجمعية التأسيسية "البرلمان".
صدر بحق هنانو أربعة أحكام غيابية بالإعدام من قبل محكمة الجنايات العسكرية الفرنسية، توفي صباح الخميس الثاني عشر من تشرين الثاني عام 1935م، ودفن في مدينة حلب، أطلق اسمه على شوارع عديدة في المحافظات السورية. تعدّ محاكمته عام 1922م من قبل الفرنسيين من أهم الأحداث السياسية آنذاك، فقد طالب النائب العام الفرنسي المحكمة بإعدامه قائلاً "لو أن لهنانو سبعة رؤوس لطلبت قطعها جميعاً". ويروى عنه أنه حين قام بثورته ضد الانتداب الفرنسي جمع أثاث بيته وأحرقه معلناً بداية الثورة وقال جملته المشهورة: (لا أريد أثاثاً في بلد مستعمَر)، وإنه في أيلول عام 1932  أو 1933م  تعرض لمحاولة اغتيال وقيل حينها إن المفوض السامي الفرنسي بونسو كان وراء محاولة الاغتيال.

بونسو:
هو الجنرال الفرنسي أوغست هنري بونسو: " Auguste-Henri Ponsot "، دبلوماسي استعماري محنك عرف في سورية باسم المسيو بونسو، ولد في باريس عام 1877م، وتوفي فيها عام 1963م. وعُين مفوضاً سامياً لسورية ولبنان من قبل الرئيس الفرنسي غستون دومرغ بتاريخ 3 أيلول عام 1926م ولغاية يوم 12 تشرين الأول عام 1933م افتتح عهده ببيان دبلوماسي "كاذب" إلى جمهور المواطنين في سورية ولبنان, أعلن فيه أنه لا يعارض استقلال البلدين إذا قرر الشعب فيهما ذلك. أجّل يوم 3-3-1929 جلسات الجمعية التأسيسية إلى أجل غير مسمى، وأصدر القرار رقم 3111 تاريخ 14-5-1930 بنشر دستور دولة سورية الذي كانت الجمعية التأسيسية قد أقرته في 7-8-1928 مضافاً إليه المادة 116 والتي تنص على (ما من حكم من أحكام هذا الدستور يعرض ولا يجوز أن يعارض التعهدات التي قطعتها فرنسا على نفسها فيما يختص بسورية ولاسيما ما كان منها متعلقاً بجمعية الأمم) بتاريخ 19 تشرين الثاني عام 1931 أنهى حكومة الشيخ تاج الدين الحسني وتولّى بنفسه سلطات وصلاحيات رئيس الدولة، وأناب عنه المسيو سولومياك في دمشق لرئاسة الحكومة بالوكالة والتي استمرت لغاية 11 حزيران عام 1932. وُصفت سياسة بونسو بأنها سياسة الصمت عن المطالب الوطنية (الاعتراف بالاستقلال وانتخاب جمعية تأسيسية) كسباً للوقت ولترويض المعارضة وإفساد الناس وإفراغ الخزينة من احتياطها النقدي.
الاغتيال:
فشل الانتداب الفرنسي في القضاء على ثورة إبراهيم هنانو، كما فشل في القضاء على شعبيته، لذا أصدرت بحقه محكمة الجنايات العسكرية التابعة للانتداب الفرنسي أربعة أحكام غيابية بالإعدام. وسعت بكل الوسائل لإلقاء القبض عليه، إلى أن نجحت في ذلك عندما سلّمت قوات الانتداب البريطاني على فلسطين الزعيم هنانو لقوات الانتداب الفرنسي على سورية، قدّمت فرنسا هنانو إلى المحاكمة وفشلت في إصدار حكم عليه، ونتيجة هذا الفشل في القضاء على هنانو، وحسب ما يروى سعى المفوض الفرنسي بونسو إلى اغتياله.
بحث المفوض السامي الفرنسي بونسو مع ضباطه من قوات الانتداب عن أفضل السبل للخلاص من إبراهيم هنانو، فاستقر رأيهم على اغتياله بواسطة أحد العملاء المتعاونين مع الانتداب، وتم تجنيد المدعو "نيازي كوسا" لهذه المهمة، وبتاريخ الرابع من أيلول عام 1932، كان إبراهيم هنانو يقضي استراحته في قريته "كفر تخاريم" الواقعة شمال غرب سورية، وهي الآن مدينة تتبع محافظة إدلب. فقام نيازي الكوسى "أو الكوسا"، بإطلاق النار عليه إلا أن الرصاص أخطأه وأصاب قدمه، هرب نيازي من "كفر تخاريم" عقب ذلك، ونقل هنانو للعلاج في مدينة حلب.
استطاعت الشرطة الفرنسية إلقاء القبض على نيازي في مدينة أنطاكية "وكانت حينها جزءاً من سورية"، قُدم نيازي إلى المحكمة العسكرية الفرنسية في أنطاكيا، وصدر بحقه حكم بالسجن لعشر سنوات، إلا أن المفوض السامي الفرنسي بونسو أصدر عفواً خاصاً بحقه! فأطلق سراحه!؟. وهذا ما يفسر أن مؤامرة اغتيال هنانو كانت مدبرة ومفبركة من قبل سلطات الانتداب الفرنسي للخلاص من الزعيم الوطني وقد باركها المفوض الفرنسي بنفسه.
قامت المظاهرات في كل من دمشق وحلب ضد ممارسات الاحتلال الفرنسي، وسطّرت الجرائد الاحتجاجات على محاولة اغتيال هنانو وإطلاق صراح الفاعل نيازي كوسا، فكتب نجيب الريس صاحب ورئيس تحرير جريدة (القبس) الدمشقية افتتاحيته الشهيرة في جريدته تحت عنوان "رصاص المتآمرين في قدم الزعيم" جاء في مقدمتها:
" سيدي الزعيم!
إن الرصاصة التي وُجهت إليك لم توجه إلى شخصك، ولكنها كانت موجهة إلى كل مخلص في هذه الأمة التي تدين بمبادئك وتحبك وتحترمك. ولكن انظرْ يا سيدي أين استقرت رصاصتهم؟ إنها في قدمك وفي موضع حذائك، وهذا هو المقياس الصحيح بينك وبينهم، وبين مكانتك ومكانتهم؟! فعشْ لهذه الأمة واحمل لواءها فإنك لا تموت ولا تموت مبادئك".
هكذا كانت ولم تزل فرنسا دولة استعمارية بامتياز تسعى للتخريب والقتل وعندما تفشل في ذلك تلجأ إلى المؤامرات والاغتيالات.