جداريات "أنس الرداوي".. من الفرات

جداريات "أنس الرداوي".. من الفرات

ثقافة

الأحد، ١٦ يونيو ٢٠١٣

artreem@hotmail.com
 ريم الحمش
تفتحت التجربة الفنية المميزة للفنان التشكيلي أنس الرداوي على مناخات البيئة والتراث الغني لبلاده الضاربة في عمق التاريخ والحضارة الإنسانية، فحمل حساسيته الخاصة تجاه المشهد المحلي وعبّر عنها بشفافية وشاعرية بالغة مؤسساً لحراك تشكيلي سوري جديد يتكئ بالأساس على البيئة الفراتية وأساطير بلاد الرافدين.
يقدم الرداوي نفسه كفنان معاصر سلاحه البحث والتعمق والثقة، مجسداً في تجريدياته الآثار السورية بكل ألوانها وبأسلوب مميز جمع الخصوصية الفردية الشرقية من دون أن يغفل أو يغرف من حضارات الأمم الأخرى حيث ثقافته المنفتحة والمتنوعة بين الشرق والغرب هضمها بسهولة وأخرجها في حلة جديدة من ضمن تراثه وتقاليده السورية الأصيلة العربية والشرقية، هذه الخصوصية الفردية التراثية هي من ميزة الفن التشكيلي المعاصر.
إن أعمال الرداوي تعبر عن مضمون جاد داخل عوالم الفن التشكيلي وبذلك تستحق أن تقرأ معنونات أعماله لترصد الحالة الإنسانية التي نجح ببراعة في تصويرها حيث أخذت عناوين متنوعة مثل: نصف خطوة, أمي, سقراط خالد البوشي, أبجدية الإنسان كل هذه تسميات للوحات الرداوي تجمع بين الحداثة في الاسم والزمن وبين القديم والموروث مروراً بأبجدية الإنسان وانتهاء بلاوند هاجو، أما أبجدية الإنسان ففي هذه اللوحة توثيق لتاريخ الكتابة وتاريخ الفنون القديمة بتسلسلها الحضاري من العصر الحجري إلى عصر الوسيط أو البرونز مروراً بالعصر الكلاسيكي وانتهاء بالعصر الإسلامي، وفيها أيضاً تدرج الكتابة بمراحلها التصويرية من الرمزية فالمقطعية وصولاً إلى المسمارية ثم العربية موضحاً فيها أهمية الأبجدية فجاءت على هيئة جداريات بلغة لونية شفافة وأساليب حداثية مختزناً كل الأحاسيس والمعارف التي تحمل رائحة التراب في جنون التجربة على سياقها التشكيلي تاركاً لها انسياب الحكايا والأساطير ليمتد على أدبيات الفكرة في بؤرة البصر والبصيرة ليحكي ما لا يحكى في محاولة منه للانعتاق من ذرات الذات الداخلية إلى ذلك اللون والنبض الذي يغني الفنان بأعصابه وروحه ووجدانياته العاشقة محاولاً اللعب مع إبداعاته في ذمة متناهية قد تعكسها ملامح تجربته الفنية التشكيلية التي اكتسبها من الأرض السورية كقيمة حضارية, ومنطلق متجدد على احتمالات الفنون السورية محاولاً التوسع على ذاكرته التدوينية تبوح بأسرارها الإبداعية محاولاً وضع حركة الألوان الشفافة أو الباهتة لخدمة الموضوع في جو اللوحة, فهناك شيء من ألوان الذهب وألوان البرونز واللون الأصفر المائل للخضرة، لتشكل عوالمه الإبداعية وفق معاييره المثالية المهاجرة بأسرار الآثار السورية وتقديمها ضمن لوحة غرافيكية مميزة بإيقاعات الزمن ومحاورة شخوصه المرسومة بخصوصية المكان والتاريخ بعناصر إيحائية غارقة في الرمزية وبتقنية الغرافيك والنحت بالرسم الدقيق والحاد على اللوحة من خلال بحثه في مواد مختلفة وبطريقة تفكير مبتكرة، وبرأيه لا يقتصر عمل المصوّر على التصوير فقط، بل يجب أن يمتلك جميع الأدوات التي تمكنه من عمل أي شيء فني مميز إنها محاولة الخروج من شرنقة الانتظار والولوج إلى دنيا التفاصيل المجردة.
وللمرأة عند الرداوي أهمية خاصة فقد أخذ فكرة الإلهة الأم عندما كانت الأم مقدسة وأسقطها على هذا الوقت كمفهوم جمالي لجسد المرأة، وبالمعنى الصوفي ترتسم بالتلقائية الحية في مضمون الواقع والخيال المنبثق من حلم الألوان التي يجيدها بريشته ﻟﺘﺸﻜﻞ ﻋﻮاﻟﻤﮫ الإﺑﺪاﻋﯿﺔ وﻓﻖ ﻣﻌﺎﯾﯿﺮه اﻟﻤﺜﺎﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﮭﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل الصيغ التشكيلية في بنية حدسه الجمالي.
المشهد التشكيلي في أعمال الرداوي هو حالة من التفرد في رؤية الحدث فالحاضر لديه هو جزء من الماضي، والماضي يمثل مسيرة زمنية في ساعة التاريخ التي نعيشها ليس كأشخاص وإنما كأجيال تتعاقب على رسم هذا المشهد، ولذلك فهو يجمع المشاهد ويقرب الأجيال في حيز واحد ويصيغ أفكاره برؤية الحكيم الذي جعل جلّ همه مراقبة شريط الأحداث والبحث في حركته المتواصلة.
الفنان التشكيلي أنس الرداوي من مواليد دير الزور، 1984, إجازة من جامعة دمشق كلية الفنون الجميلة قسم التصوير الجداري 2008, عضو اتحاد التشكيليين السوريين,عمل كمصمم ديكور لعدد من العروض مع فرقة رماد للمسرح الراقص للعروض التالية: عرض بعنوان (ستلمس أصابعي الشمس) على مسرح الأوبرا بدار الأسد للثقافة والفنون، عرض بعنوان رسالة بالتعاون مع لوغراند كرو الهولندية في خان أسعد باشا وأمستردام, وفي رصيده العديد من المعارض في دار الأسد للثقافة والفنون, المريديان, معرض الربيع, المركز الثقافي الفرنسي, ورشة عمل بالتعاون مع شركة شل, و ورشات عمل أخرى, أعماله مقتناة في كل من وزارة الثقافة, المتحف الوطني دار الأوبرا بدمشق، القصر الجمهوري، السويد، لبنان، الولايات المتحدة، هولندا, دبي، السعودية وقطر.
عالمي...أميديو موديلياني (1884-1920)
ولد موديلياني لعائلة إيطالية ودرس الرسم في روما والبندقية، ثم هاجر إلى فرنسا حيث عمل لبعض الوقت مع النحّات الروماني كونستانتين برانكوزي لكنه ما لبث أن تحوّل إلى الرّسم متأثراً بأعمال سيزان وبيكاسو ولوتريك ورولو.
تعكس لوحات موديلياني إلى حدّ كبير شخصيّته الأسطورية؛ فمن السهل التعرّف على لوحات أميديو موديلياني وتمييزها عن لوحات غيره من الرسّامين إذ تبدو نساؤه إجمالاً رقيقات مع شيء من الحزن والتأمّل وميلان الشفاه الخفيف والأعين المظلمة أو الغائرة وسمات زوايا الجسد تعطي إحساساً بالهجر والغربة والانفصال, وهنّ بأعناق طويلة وعيون لوزية ووجوه بيضاوية، واللوحة بشكل عام تختزل أسلوب موديلياني الخاص في التوظيف البارع للخطوط المتعرّجة والخلفيات ذات الألوان الباردة لتمثيل جمال الأنثى التي تتّصف بالغموض والجاذبية التي تختصر رؤية موديلياني عن الجمال الخالد وروح الإنسان.