دمشق عند شاعرات العراق.. بقلم: محمد خالد الخضر

دمشق عند شاعرات العراق.. بقلم: محمد خالد الخضر

ثقافة

الأربعاء، ١٢ يونيو ٢٠١٣

مشاعر الشعراء وعواطفهم هي استجابة حتمية لمتطلبات الضمير الإنساني ويلعب ذلك الأمر دوراً كبيراً في التربية القومية الأصيلة التي نمت في أعماق الكثيرين ومنهن شاعرات العراق اللواتي يتفاعل شعورهن بشكل جدلي مع التحولات الاجتماعية والبيئية والسياسية والاقتصادية التي كانت تطرأ على أقطار الأمة العربية، والجدير بالذكر أن الحالة الشعرية والشعورية متجذرة وعميقة في نفوس شاعرات العراق اللواتي يمتلكن مقدرة لا تقل ألقاً عن المقدرة التي امتلكتها الخنساء والفارعة بنت طريف.. وإن كانت قد عرفت نازك الملائكة أكثر من نظيراتها بالعراق فهذا لا يعني أنها أشعرهن.. أما عن تلك العاطفة الأصيلة فتبدو الظواهر والأسس من خلال ما اشتعل في نفوس تلك الشاعرات من عاطفة تجاه دمشق المدينة التي كانت مسرحاً تاريخياً لتحولات حياة الإنسان بكل أشكالها وأنواعها مما جعل هذه المدينة تتصف بجماليات أخاذة لا يمتلكها سواها وطالما هي الجزء الهام من جسد الأمة العربية ومحوراً أساسياً في كل ما يدور على الأرض العربية.. وهذا ما دفع عواطف شاعرات العراق لتكون قصائد تاريخية عبر المواهب فها هي أميرة نور الدين تقول في قصيدتها هنيئاً يا دمشق بمناسبة تطهيرها من الفرنسيين:
فيا يوم الجلاء حللت أرضا    وكنت لأهلها أمنا وعدلا
تعانقت الأكف وقد تلاقت       بها الأرواح عاطفة وعقلا
فيا نيسان قد بوركت شهرا       ويا فصل الربيع حمدت فصلا
هنيئا يا دمشق فقد توارى         خيال الظلم والإنصاف حلا
ويظهر في النص القدرة الواعية على التعبير ومدى إمكانية الموهبة على تجسيد مشاعر أبناء المجتمع العربي خلال تعبير تمكن من احتواء البنى التركيبية للنص الشعري العائدة أصوله وجذوره إلى بداية وجود هذا النوع من الشعر والذي تمكن من الارتباط إنسانياً وتقنياً بمنظومة الثقافة العربية والتي تحتوي على مقومات مشتركة مرتبطة بكافة أبناء الأمة وبمشاعرهم وأحاسيسهم.. وتميزت شاعرات العراق بإمكانية الامتداد والحفاظ على الخط البياني لقدرة المرأة العربية التي حضرت من خلالها على صفحات التاريخ؛ وهذا ما نلمسه في قصيدة الشاعرة عاتكة الخزرجي أفدي الشام:
أفدي الشام وساكنيها        والمجد   والعز الرفيعا
أفدي رباها الخضر         رفت كالجمال تمل تيها
أفدي دمشق وأفتدي          بردى الحبيب    وأفتديها
أهوى دمشق هواي بغداد     الحبيبة        لو أفيها
وهذه القواسم المشتركة والبنى المتجذرة باتجاهات مختلفة على أرض واحدة دعت للترابط الشعوري بين ما تبعثه المدائن التاريخية العريقة سواء أكانت بغداد أم دمشق ولا نجد فرقاً واختلافاً في النهج الأسلوبي للمرأة العربية سواء في الحاضر أو الماضي شرط وجود الموهبة وامتلاكها وهذا ما توفر عند الشاعرة العراقية التي أدت أداء شاعرات التاريخ من حيث الألفاظ المكونة للتعابير والأسلوب والموسيقى التي تأتي في إطارها السهل الممتنع كاستخدام المجزوءات أو البحور إلا أن الحالة التي تختلف فيها المرأة العراقية في تكوين قصيدتها هو وجود العاطفة الأكثر اندفاعاً ورقة وشفافية مما سهل التعامل مع القصيدة .. وهذا تلعب فيه طريقة انتقاء الألفاظ والموسيقى وانسيابها خلال تدفق القصيدة كما في قول الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة :
يا زهرة الشام هذا       ثراك أيضا فضوعي
رفي رفيف الأماني    وأشرقي كالربيع
لن تشهدي غير أهل    وإخوة في الربوع
وهي حالات شعورية تؤدي إلى دلالة قاطعة في توحد المشاعر بين السوريين والعراقيين مما دفع المرأة الشاعرة أن تعبر عن مكنوناتها ليبقى التاريخ شاهداً.