بهيج الخطيب رئيس حكومة المديرين بين العمالة والاغتيال؟! (1 من 3)

بهيج الخطيب رئيس حكومة المديرين بين العمالة والاغتيال؟! (1 من 3)

ثقافة

السبت، ٨ يونيو ٢٠١٣

شمس الدين العجلاني
alajlani.shams@hotmail.com
من بلدة شحيم الواقعة بقضاء الشوف في لبنان إلى رئاسة الدولة السورية.. من تجارة الزيت في لبنان إلى قمة السلطة بدمشق...
حين أتى دمشق جاءها بحثاً عن العمل، فتدرج في عدة مناصب حكومية فيها منذ العهد الفيصلي "1918- 1920م" إلى أن جاء عام 1939 فقلّده المفوض السامي الفرنسي زمام الأمور بدمشق وأصبح رئيس حكومة المديرين "بمثابة رئيس للجمهورية"، وفي الستينيات من القرن الماضي وبعد أن حط به الزمان لملم أوراقه وتاريخه السياسي المثير للجدل وعاد آفلاً إلى لبنان مسقط رأسه وتوفي هناك.
كتبُ الكثير عنه في تلك الأيام، وتناولته الصحافة اليومية تارة بالمدح وأكثر الأحيان بالذم، وكان نجماً كاريكاتيرياً في أغلب الأحيان على صفحات مجلة "المضحك المبكي"، سيرته مكان جدل وراء الكواليس السياسية، ولكن إجماع الرأي كان: أنه عميل للانتداب الفرنسي.
كانت علاقته سيئة مع الكتلة الوطنية أكبر أحزاب البلاد وأقواها آنذاك، والكتلة الوطنية لم تكن على وئام معه، هو من المقربين للمستعمر الفرنسي، وكان على صراع مع الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر لذا اتهم "الخطيب" بأن بصماته واضحة في اغتيال الشهبندر... وكان أيضاً بهيج الخطيب في دائرة الاغتيال؟!
تاريخنا زمن المستعمر الفرنسي لم يزل مخبأ ومقفلاً عليه في الأدراج والمفاتيح مع الفرنسيين؟!


بهيج الخطيب:
ولد بهيج الخطيب في قرية شحيم اللبنانية الواقعة حالياً بقضاء الشوف عام 1895م، درس في لبنان ومارس تجارة الزيت فيها، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدرسة سوق الغرب، وأنهى دراسته في الكلية الإنجيلية السورية؛ وكان يجيد الإنكليزية والفرنسية والتركية إلى جانب العربية، وعرف بكونه هادئاً وذي طموح سياسي، كافح ضد العثمانيين، وتعاون مع الانتداب الفرنسي! متزوج وله من الأولاد عدنان ‏ودعد....
في عام 1918 زمن الحكومة الفيصلية انتقل إلى دمشق قاصداً العمل في مؤسسات الدولة، فعمل مع الأمير فيصل الأول، فأسند إليه عدة وظائف في وزارة الداخلية ومكث بدمشق بعد انهيار المملكة السورية وخروج الملك فيصل ووقوع بلاد الشام تحت وطأة الانتداب الفرنسي، وبقي الخطيب يعمل في المؤسسات الفرنسية وكان مقرباً من سلطات الانتداب.
في ظل الانتداب الفرنسي عام 1939 قامت في البلاد السورية، احتجاجات شعبية وأعمال شغب انطلقت احتجاجاً على قانون الأحوال الشخصية وسلخ لواء اسكندرون عن سورية، وإعطائه إلى تركيا. تبلورت هذه الاحتجاجات بمظاهرات حاشدة، وأرفقت بأعمال شغب، دفعت لانتشار الجيش المراكشي- الفرنسي في دمشق، وسلسلة أزمات حكومية أدت في النهاية لاستقالة رئيس الجمهورية وتوقيف العمل بالدستور. في ظل هذه الظروف بحثت فرنسا عن رجل يؤتمن من قبلها لإدارة دفة الحكم في سورية، فاختارت بهيج الخطيب.
لعب بهيج الخطيب دوراً هاماً في سياسة سورية في عهد الفرنسيين في فترة عصيبة ودقيقة تقع على أعتاب سلخ لواء اسكندرون، وعلى إثر التصدع الذي أصاب الكتلة الوطنية في صفوفها في الأشهر الأولى من عام 1939، وتراجع الفرنسيين عن إبرام معاهدة 1936م؛ "معاهدة 1936 عُقدت بين الانتداب الفرنسي والسلطات السورية تنظّم العلاقة بينهما وتؤدي إلى الاستقلال، وافق المجلس النيابي السوري عليها ورفضها البرلمان الفرنسي" وما تلا ذلك من استقالة رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي إضافة للاحتجاجات التي ذكرناها وشهدتها سورية.
حكم الخطيب بموجب السلطة التنفيذية والتشريعية التي أعطيت له من قبل الفرنسيين بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية وإبان الانتداب الفرنسي على سورية، واستمر حكمه من الفترة 8-7-1939 إلى 1-4-1941م.
كان الخطيب رئيساً لحكومة دُعيت "حكومة المديرين" لأن فرنسا في تلك الأيام لم تعين وزراء، بل نصّبت على كل وزارة مديراً ومنحته صلاحيات الوزير بدون لقب! ولم تعيّن فرنسا وقتها رئيساً للجمهورية، فكان الخطيب بذلك حاكماً لسورية، يساعده مجلس المديرين العامّين المؤلف من، خليل رفعت للعدلية، حسني البيطار للمالية، يوسف عطا الله للزراعة، عبد اللطيف الشطي للمعارف.
عُيّن الخطيب بهذا المنصب بموجب قرار المفوض السامي الفرنسي "غبريال بيو" رقم 144 – ل. ر 1939 تاريخ 8-7- 1939م، وهذا القرار: "أوقف الدستور بموجبه وحلّ مجلس النواب وعهد إلى مجلس المديرين بالسلطة التنفيذية تحت مراقبة المفوض السامي وأعطى الحق لرئيس مجلس المديرين اتخاذ مراسيم لها قوة القانون الاشتراعية بموافقة المفوض السامي" وهكذا أدار الخطيب سورية بالأوامر الفرنسية.
تميّز عهد الخطيب بعدم الاستقرار السياسي إضافة إلى الصراعات الداخلية مع القوى والأحزاب الوطنية، وكان الخطيب محط اتهام من جهات عدة بأنه احد الموظفين الأكفاء الموالين لفرنسا، ووقعت في عهده حوادث جسام، منها اغتيال الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر في 7 تموز 1940 بدمشق في حي الشعلان، عمل الخطيب بدافع من الفرنسيين على إلصاق جريمة اغتيال الشهبندر بالكتلة الوطنية، فاعتقل منهم قرابة الثمانين، واستطاع العديد من قادتهم الفرار ومنهم القوتلي والحفّار ومردم والجابري ولجوء القوتلي للسفارة السعودية.
استمرّ الخطيب وحكومته "حكومة المديرين" في إدارة البلاد حتى 1941 حين قامت حكومة فرنسا الحرة بتعيين مفوضاً فرنسياً جديداً حاول استمالة القوى الوطنية في سورية إلى جانب الحلفاء، فأقال الخطيب، وكلّف خالد العظم تشكيل حكومة مؤقتة تمهّد لعودة الحياة الدستورية في سورية ووعد بالاستقلال.
أُعيد الخطيب إلى وظيفته الأولى مديراً عاماً لوزارة الداخلية، وتولّى وزارة الداخلية بالوكالة، بعد عامين "1943" عُيّن مُحافظاً للواء دمشق، كما كان محافظاً لجبل العرب "السويداء" ثُمّ سُرّح من منصبه أو أحيل إلى التقاعد وظلّ مقيماً بدمشق، وفي الستينيات من القرن الماضي غادر دمشق نحو لبنان مسقط رأسه وأشرف على أعماله الزراعية هنالك إلى أن وافته المنية عام 1981م.


صديق فرنسا:
لم يحفل رئيس حكومة المديرين بالسمعة الوطنية العطرة، بل كان موضع انتقاد وتهكم من قبل العديد من الشخصيات السياسية والصحفية، وأنه رجل الانتداب بدمشق فقد ورد في الموسوعة العربية: "ألف حكومة المديرين الموالية للفرنسيين برئاسة بهيج الخطيب، وانتشر الاضطهاد في البلاد". في حين يقول السياسي ورئيس وزراء سورية السابق خالد العظم: (سألني "المفوض السامي الفرنسي" إذا كنت أرغب في إعلامه برأيي في أمر بهيج الخطيب. فقلت له: إن المومأ إليه عمل ما استجلب له سخط الرأي العام وإنني لا أستطيع التعاون معه بشكل من الأشكال. فدافع عنه الجنرال دفاعاً شديداً، مبيناً أن الخطيب صديق فرنسا ومخلص لها وأنه لا يسعه التخلي عنه".
ويتابع العظم بالقول: "بهيج الخطيب الذي أطلق الرصاص بيده على الجماهير المطالبة بحقوقها المشروعة؟ ذلك الرجل الذي أخرج من الحكم إثر اضطرابات دموية".
أما رجل السياسة والقضاء والحكم وزير العدل السابق أسعد كوراني فيقول: "موظف عميل للفرنسيين هو بهيج الخطيب".
إن صح القول أن بهيج الخطيب اللبناني المولد والنشأة والرئيس السوري زمن الانتداب الفرنسي، إن صح القول أنه عميل لفرنسا، نتساءل لماذا ؟؟!! وإن لم يكن كذلك، نتساءل أيضاً لماذا اتهموه بالعمالة ؟؟!! ولا أحد يدرك الجواب!! ويحضرني هنا ما قرأته يوماً لنقيب صحافة لبنان: إسكندر الرياشي: (1888 - 1961م) هو صحفي لبناني ونقيب الصحافة اللبنانية السابق أكثر من مرة، ولد في قرية الخنشارة بلبنان تعلم بالكلية الشرقية بزحلة، وأتقن الفرنسية في باريس.
أصدر جريدة البردوني (1911) في زحلة، ورحل إلى نيويورك (1913) فأنشأ جريدة (الوطن الجديد) وعاد إلى لبنان (1914) وعيّنه الفرنسيون (1920) معاون المستشار في البقاع ثم استقال.
وأول ما اشتهر به جريدته (الصحافي التائه) أصدرها أسبوعية في المهجر الأميركي. وما ت ببيروت، ودفن في الخنشارة.
الرياشي حسب رأي أسامة عجاج المهتار: (سمسار الفرنسيين وعميلهم باعترافه، لاعب القمار مع كبار السياسيين، والآكل على موائدهم، ومشاركهم في حفلاتهم "الرومانية" الصاخبة وصفقاتهم، والشاهد على فضائحهم الجنسية، كان أفضل مؤرخ لتلك الحقبة من تاريخ لبنان الممتدة من نهاية الحرب العالمية الأولى إلى سنة 1958).
يقول الرياشي في معرض حديثة عن مبلغ خمسة ملايين وخمسمئة ألف جنيه، وهي القيمة الباهظة التي خصصها الفرنسيون للدعاية لهم في لبنان: (... وكان ذلك طبعاً بالمال، الرب الثاني عند جميع الناس، والرب الأول في بيروت عاصمة لبنان، قاعدة التجارة والمتاجرة منذ أيام الفينيقيين... هكذا ابتاعت فرنسا الانتداب عندنا، قبل العاطفة الفرنسية – المارونية، بالجنيهات المصرية، التي كانت عملة الفرنسيين الرسمية عندما وصلوا مع الإنكليز في تشرين الثاني 1918 للبلاد اللبنانية).
يتبع