بلا استئذان.. رائد خليل فن زمن الاضطراب

بلا استئذان.. رائد خليل فن زمن الاضطراب

ثقافة

الخميس، ٦ يونيو ٢٠١٣

محمد خالد الخضر
تمتلئ ساحة الثقافة بالآثار الفنية وتشير دالة إلى أكبر الفنانين أو أصغرهم حسب ما يحتوي الأثر الفني من تقنيات وتراكم هموم وثقافات، أو أفراح.. إنها اللوحة: مكنون المجتمع وأثر الموطن والبيئة، حيث بدأت اللوحة الفنية توفق بين البيئة والشكل والمضمون، ويعجبني" لومازو" الذي قال: "وهكذا يسعدنا الفنان بالعيش لحظات مضت".
فيما يتجلى القول عند الفنان المبدع رائد خليل الذي عكس هموم الناس وقهر البيئة أمام ظواهر العيش وتعرض المجتمعات للأطماع الأجنبية والمعاناة التي تجعل أخاه الإنسان متألماً مستغيثاً بمبدع شجاع قد يتمكن أكثر من تجسيد صرخة عز تشير إلى حاجات لا يتمكن الإنسان العيش إلا إذا حقق الحد الأدنى من أشيائها.
ويدرك في لوحاته الكاريكاتيرية والتي تعني في نمطها تكثيفاً عالياً فوق التكثيف العالي لأن هذا النوع يخرج من الموروث الثقافي والبنيوي والمعنوي الخاص متمكناً من المعطيات التاريخية المجسدة والظاهرة وفق التغييرات الاجتماعية والقومية والإنسانية مهما بعدت المسافة الزمنية أو تقاربت، فهي تأتي مختلفة، وإن اللوحات التي اشتغل بها رائد خليل تفوقت على لوحات الكثيرين الذين رُفعت أسماؤهم عالياً لما توفرت لهم من ظروف سياسية أو غيرها تمكنت أن تقدم لهم شيئاً إلى أسمائهم.. بيد أن رائد خليل تمكن إبداعه أن يرفع اسمه رافضاً أن يكون ناسخاً أو مقلداً أو تابعاً أو واصلاً بأيدي ربما تدفعه إلى الأمام مقابل شيء يعرضه أمام التاريخ إلى هاوية تأخذ في أعماقها الأخضر واليابس ما لم تكن البنية التحتية لواقع المبدع مليئة بالشرف، كما أن لوحاته تعطي في مدلولاتها رفضه القاطع أن يستوحي من لوحة أو فنان لأن هذه النظرية قد تؤثر سلباً برغم جمالها؛ كما كان الحال عند شعراء الاتباعية مثل شوقي وسواه في رؤاهم الشعرية التي سلكت طريقاً سُمي بالمعارضة، إلا أن المعارضة تجعل الشك مزروعاً في نفس القارئ إلى حد الاتهام.
فإن "لبس" مثلاً يرفض أن يكون الفن نسخاً أو مستوحى بل هو تعبير عن الروح داخل الإنسان الأسمى وإن كانت الفكرة مطابقة لما هو من الأدب حيث أراد لها "لبس" أن تكون مشتركه بين كل الفنون ليعبّر الفن عن ذات الإنسان وعلوِّه فوق كل المتناقضات.
ويسخَر رائد خليل من زمن يحاول أن يسقط كرامة الإنسان في محاولة إذلاله أمام لقمة عيشة ورغيف خبزه متمنياً عليه أن لا يرفع يديه إلا للنصر أو التحدي.
يعمل خلال هذه الحالة أيضاً على استخدام المقارنة، فمثلاً هناك شعوب "تستدر" حليب البقر بالموسيقى فما هي الطرائق التي أوحتها إلينا هذه الشعوب، أو أكسبتنا إياها ثقافتنا المتراجعة أمام الكم الهائل من تعلقنا الشديد بفضائيات وأنماط من المؤثرات على أدمغتنا التي اعتادت على"بلادة" أمام ما يهمنا، واندفاع جامح أمام ما يهم الآخرين ,فضاع حضورنا وتعثّر انطلاقنا أمام سرعة عجلة تطور الأمم الأخرى، ويتمكن من تجسيد وتضخيم حالة الرعب التي ستكون نتائجها غير مرضية في مستقبل قادم مع تاريخ لا يرحم.
ولا يؤثر الوضع المتردي الذي أصاب الساحة الفنية والأدبية من تسرب ضعفاء ارتكزوا على ممتلكات أخرى أو قواعد أخرى أدى نشاطها إلى وصولهم دون الاكتراث بأي نتيجة بائسة، فثمة نساء ورجال أخذوا أماكن ومواقع ليست من حقهم، فكثيرون من حيتان الساحة يقولون لك: نحن نستطيع أن نصنع فنانة, فالاحتكاك والعطاءات وإشارات قد تسقط على الورق بفعل طائر أو بيد إنسان صارت هي المؤامرة ,تقول: هذه لوحه! وقس على ذلك...
ويناضل رائد وأمثاله ويبقى "النشاط الإنساني هو موضوع الرسم" كما قال أرسطو الذي أكد أن الرسم قادر على نقل إحساس الإنسان وقادر على التعبير عما يجول في عالمه وتأتي اللوحة الساخرة عند رائد لتجسد هذا القول بشكل عفوي ودون اللجوء إلى قصد يفسد إحساس الفنان ,إلى يوم قد ترفع الأكف والأيدي فيما لا يتصوره العقل المرتكز على قلب جبان.
وعلى تلك القدرة المؤدية إلى اللوحات والرسوم الكاريكاتيرية والساخرة في توجهها وأسلوبها نجد رائد خليل يعلم علم اليقين أن الألوان قادرة تماماً على التعبير عن الفرح والحزن والألم وغير ذلك فتأخذه روحه إلى انتقاء يؤدي إلى لوحه تأخذنا إلى عالم قد يشبهنا ويؤثر في أشجاننا يطابق عواطفنا ودموعنا ولهفتنا نحن الفرحين والمتأمّلين والمتألّمين، وهذا النموذج من الفنانين جعل "غوت" يؤكد ذلك فكيف يفعل رائد خليل الفنان المنفلت من القيود والتركيبات ويرسم الإنسان بألوانه الحادة ليبكي على أكف البؤساء ويسير إلى أمل قد يجعله يتوثب ويستيقظ.
رائد خليل بلوحاته اللامعقولة في زمن مضطرب لا يستأذن أحداً فيصل إلى الكل لأن الكل هو أصل الوجود الإنساني, وتركيبة المنطق سواء أكان العالم معقولاً أو غير ذلك.
وإذا كان أرسطو يقول: (محاكاة الفن للحقيقة هي محاكاة للحياة العقلية داخل الإنسان.. وهي أيضاً محاكاة للانفعال والأفعال).
فإن الفنان النجم رائد خليل قد أبدع تماماً في امتلاك القدرة الطالعة من الموهبة الموجودة داخل جوانحه، والتي دفعته ليبقى موجوداً أمام عظمة الإنسان دون أن يحمل مظلة، وإذا صح التعبير دون أن يركض متخفياً تحت مظلة لتقيه حراً يحرقه بأقصى سرعة على يد من لا حول له.