محاولة قراءة: لماذا كنيس جوبر اليهودي!؟ الكنيس عيونهم (2 من 4)

محاولة قراءة: لماذا كنيس جوبر اليهودي!؟ الكنيس عيونهم (2 من 4)

ثقافة

السبت، ١٨ مايو ٢٠١٣

شمس الدين العجلاني
قام على مرّ العصور العديد من الرحالة وخاصة اليهود منهم بزيارة دمشق وكنيس جوبر، ووصفوا جمال وروعة هذا الكنيس فقد زار مبعوث حاخام باريس الرحالة اليهودي الرابي يعقوب كنيس جوبر ووصفه بأنه جميل للغاية، ويذكر الرحالة اليهودي (الرابي بتاخيا الراتزبوني) الذي قام برحلته إلى المنطقة بين 1170– 1187م وزار دمشق: أنّ بقرب دمشق كنيس مشهور (كنيس جوبر) قديم بناه النبي اليشاع. وتقول الموسوعة اليهودية: (إنه في عام 1210 م زار فرنسي يهودي يدعى صموئيل بسمبسون مدينة دمشق وتحدث عن الكنيس الجميل الذي يقع في مدينة جوبر ويقول بأنه بُني من قبل اليشع ويبدو أيضاً أن الحريزي زار دمشق في السنوات العشر الأولى من القرن الثاني عشر حيث أشار إلى احتفال المدينة السادس والأربعين (ماكاماح) وكتب الرحالة اليهودي الرابي موشيه باسولا في مذكراته عن رحلته التي قام بها ما بين عامي (1521- 1522م): إلى المنطقة ومنها دمشق: (وعلى بعد ميل من دمشق مكان يدعى جوبر، وفيه كنيس جميل للغاية لم أر مثيلاً له في حياتي إنه مقامٌ بالأعمدة منها إلى اليمين ستة وسبعة أعمدة أخرى إلى اليسار وفي أقصى هذا الكنيس مغارة لطيفة يقولون أن إلياهو النبي اختبأ فيها ويضيفون أن الكنيس قائمٌ منذ أيام اليشع وفيه حجر يروى أن حزائيل مسح ملكاً عليه، وقام الرابي إليعازر بن اراخ (إليعازر رابي مشهور من القرن الأول الميلادي، تلميذ يوخنان بن زكاي). بتجديد الكنيس، ويقول عنه: "وهو بالفعل مكان مرعب وحسب ما أخبرني كثير من الناس لم يستطع أي عدو احتلاله وقد حصل فيه كثير من المعجزات وفي أزمنة اضطهاد اليهود كانوا يختبئون فيه دائماً ولم يكن بوسع أحد أن يؤذيهم فيه".

ويذكر أورس ب سيميون في كتابه عام 1564 م جمال دمشق وروعة وجمال كنيس جوبر والذي بنى نصفه اليشع والنصف الآخر إليعازر (لم أرَ في حياتي مثله) والكنيس محمول على 13 عموداً ويقال إنه بني في وقت النبي اليشع.
كما وصف اليهودي الفرنسي جان تيفنو في مذكرات رحلته إلى الشرق (1655-1668م) الكنيس قائلاً: (تشاهد بأقصاه مغارة إلى الجانب الأيمن تبلغ مساحتها أربعة أقدام مربعة والداخل إليها ينزل عبر فتحة في سبع درجات منحوتة في الصخر. ويقال إن هذا المكان هو الذي اختبأ فيه النبي إيليا هارباً من مطاردة الملكة إيزابيل له ويشاهد في المغارة أيضاً الثقب الذي كانت الغربان تمدّ إيليا منه بقوته خلال أربعين يوماً وفيها ثلاث كوى صغيرة تستخدم لوضع ثلاثة قناديل تبقى مضاءة على الدوام)، والرحالة الفرنسي لوران دارفيو Laurent D"Arvieux، الذي زار دمشق خلال رحلته الكبرى إلى الشرق الأدنى عام 1660م - وما بعد- كتب عن قرية جوبر وأن اليهود لديهم هناك مغارة يقولون إن النبي إلياس اختبأ فيها عند هروبه من اضطهاد (إيزابيل)، وهذه المغارة موجودة داخل كنيس أثري ما زال قائماً هناك.
ويقول "ديفيد سيطون": "هناك معبد صغير في قرية "جوبر" القريبة من دمشق، ترجح التقاليد التوراتية بأنه بُني منذ أيام "إلياهو النبي" الذي اختفى في المغارة الصغيرة الموجودة بجوار المعبد حين قال له الرب: "اذهب راجعاً في طريقك إلى برية دمشق" وللمعبد قداسة خاصة يؤمه اليهود من كل صوب".
ويقول "بيتون" إن اليهود في سورية منذ القدم وإنه في القرن الأول الميلادي كان يعيش في دمشق وحدها طائفة يهودية كبيرة تقدر بعشرة آلاف نسمة، وإن معبد جوبر يحضر إليه من دمشق وما حولها مساء كل سبت من نسائهم وأولادهم، ويبيتون فيه؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن به بركة إطالة العمر.
وذكر ابن كثير في تاريخه: إن إلياس عليه السلام أُرسل إلى أهل بعلبك غربي دمشق، حيث كان أهلها يعبدون صنماً يدعى (بعلاً) كما هو مذكور في القرآن الكريم، وبُعيد وفاة سليمان عليه السلام وانقسام مملكته وتشتت دولته بسبب خلاف الحكام على السلطة، سمح أحد ملوكهم وهو "آخاب" لزوجته نشر عبادة قومها في بني إسرائيل، وكان قومها عبّاداً للأوثان، فشاعت عبادة الأوثان بينهم وعبدوا الصنم بعلاً فأرسل الله إليهم إلياس عليه السلام..
ويقول المؤرخ بشير محجوب السوده في كتابه (جوبر تاريخها وحاضرها) إن انتشار اليهود في بعلبك وقدوم سيدنا إلياس إلى برية دمشق (مغارة الدم أو مغارة جوبر) هو محاولة للتوسع ونشر العقيدة في مناطق جديدة في المنطقة لكن هذا الانتشار لم يتم إلا على منطقة محدودة جداً، ولم يحكم اليهود منطقة دمشق بل بقيت تحت الحكم الآرامي.
ويصف بنيامين الثاني من القرن التاسع عشر كنيس جوبر فيقول: (بنيته تذكرك بالمعابد وداخله محمول على 13 عموداً دائرياً 6 على اليمين و7 على اليسار وفي كل مكان هناك خطوط وله باب واحد للدخول مقدس. وينزل إليه بحوالي عشرين درجة. وحسب ما يقوله اليهود عن النبي اليشع فإنه كهف وملجأ للأمان. في مدخل الكنيس وباتجاه منتصف الحائط اليميني هناك بعض الأحجار غير المنتظمة نرى من خلالها آثاراً لبعض التدرجات، ويقال إن بعض الدرجات أو من خلال العقيدة اليهودية قد جلس عليها الملك حزائيل عندما نصّبه النبي اليشع ملكاً). وتحدث بنيامين الثاني عن أجزاء ونُسخ من الإنجيل النادرة الموجودة في كنيس جوبر. بينما الرحالة (نوبا وير) أشار إلى وجود نسخة من الإنجيل تعود إلى عهد اليشع بن أبراهام).
وقد ورد ذكر هذا الكنيس في التلمود البابلي " براخوت -3 " منذ أكثر من ألفي عام (براخوت: هي الرسالة الأولى من مبحث زراعيم وهو أول مباحث التلمود الستة التي تتألف منها المشنا – متن التلمود).
والغريب في الأمر أن هذا الكنيس اليهودي الأثري المقدس برغم قدمه وأهميته، فإن القليل من الناس بدمشق يعرفونه، وجوبر الآن لا تبعد عن مركز المدينة سوى بضع دقائق.؟

الكنيس حسب المصادر الإسلامية:


تروي المصادر الإسلاميّة إنه: "لمّا قبض الله حزقيل عليه السلام، عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد ونسوا عهد الله إليهم في التوراة التي نزلت على موسى عليه أطيب السلام؛ حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله عزّ وجلّ. فبعث الله إليهم إلياس نبيّاً؛ وهو إيليا التشبي أو إلياهو، المذكور في القرآن الكريم. وكان قد تملّك على العبرانيين آنذاك آخاب بن عمري ملك السامرة، وزوجته الملكة إيزابيل الصيدونيّة؛ وكان هذان الملكان جبارين ظالمين، إلى جانب أنهما ورعيّتهما كانوا يدينون بعبادة بعل الصنم؛ فقام النبي إلياس يدعوهم إلى الله تعالى وهم لا يطيعونه ولا يجيبونه، ويئِس النبي من صلاح أمر بني إسرائيل واهتدائهم، فدعا ربّه أن يعاقبهم بحبس المطر عنهم ومنع الخير عن بلادهم حتى تلين قلوبهم، وطلب إليه أن لا ينزل المطر إلا بدعواته؛ وهكذا كان.. ولمّا سمعت الملكة إيزابيل زوجة آخاب نبأ مقتل دعاة البعل (بأمر من إلياس)، استطار الشرّ في نفسها وصمّمت على قتل إلياس، الذي بات مهدِّداً لملكها، فيلتمس النجاة هارباً نحو بئر السبع، ثم يجدّ في السير حتى يوافي جبل "حوريب" بسيناء. وهناك يأتيه أمر الله تعالى بالسير إلى بريّة دمشق ليمسح حزائيل الآرامي ملكاً على دمشق بدلاً من الملك بنحدد الثاني؛ وليمسح ياهو بن نمشي ملكاً على بني إسرائيل ليخلف آخاب وابنيه أخزيا ويهورام وليمسح اليشع بن شافاط نبيّاً بعده.
وذهب إلياس إلى بريّة دمشق فوجد اليشع هناك ومسحه في نفس البقعة التي وجده فيها (وقد اتفق فيما بعد أن كنيس جوبر بني فوق هذه البقعة). وبعد ذلك صار اليشع تابعاً لإلياس، يرافقه أينما حلّ وارتحل. (يضيف بعض المؤرّخين أن إلياس اختبأ في مغارة جوبر أربعين ليلة خوفاً من إيزابيل).. وتختم سيرة النبي إلياس بأن الله تعالى رفعه إليه بعد انتهاء مهامه النبويّة، ولا زال يعتقد اليهود والمسلمون على حدّ سواء أن سيدي إلياس عليه السلام، لا زال حيّاً، لا يقبض الله روحه إلى يوم القيامة" (الثعالبي، عرائس المروج 223 – 231).
تدمير ونهب الكنيس:


بُثّ خلال الأيام السابقة مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من مواقع نت، يُبيّن التدمير الذي تعرّض له كنيس جوبر من قصف "هاون" وتخريب، ويُظهر أحد مقاطع الفيديو رجلاً يرتدي الملابس المدنية ويضع على رأسه كوفية "سلك" وهو يفتح الباب بالمفتاح ويتجول في الكنيس مستعرضاً بعضاً من الكتب النادرة، والموجودات، وأشارت وسائل الإعلام المختلفة إنه (أحد عناصر ميليشيا "الجيش الحر"). ويوضح مقطع الفيديو والأخبار، أن الكنيس قد خُرّب في جزء منه وتم السطو على بعض المعالم واللوحات والكتب ذات الرمزية الدينية لليهود.. وفي الوقت نفسه أعلن مصدر سوري أن مسلحي المعارضة سيطروا على "كنيس يهودي" في منطقة جوبر بدمشق.. وقال هذا المصدر في تصريحات نقلها موقع "داماس بوست" الإخباري إن أفراداً من "الجيش الحر" أقدموا على نهب وسرقة مقتنيات المعبد من اللوحات والكتب ذات الرمزية الدينية لليهود, كما تناقلت بعض وسائل الإعلام، أن مصادر محلية من حي جوبر أكدت أن الكنيس اليهودي قد تعرض للسلب والنهب من قبل "الجيش الحر" لكن دون أن توضح ما هي المسروقات بالضبط.
يتبع