المقدم غسان جديد في مهب الريح.. تفاصيل – خفايا – آراء.. محاولات الاغتيال (3 من 6)

المقدم غسان جديد في مهب الريح.. تفاصيل – خفايا – آراء.. محاولات الاغتيال (3 من 6)

ثقافة

السبت، ٦ أبريل ٢٠١٣

شمس الدين العجلاني
alajlani.shams@hotmail.com
عقب جريمة اغتيال العقيد عدنان المالكي في الملعب البلدي بدمشق أثناء مباراة لكرة القدم يوم 22 نيسان عام 1955م، واتهام الحزب السوري القومي الاجتماعي بتدبير وتنفيذ هذه الجريمة، وُجهت أصابع الاتهام للمقدم غسان جديد في هذه الجريمة، على أساس أنه المخطط العسكري للعملية، ومن ثم إدانة المحكمة للمقدم غسان، ومنذ تلك الاتهامات لجأ غسان وأفراد عائلته إلى لبنان – بيروت – وسكن في منزل يقع في منطقة "فرن الشباك" في ضواحي بيروت، وخوفاً من الانتقام منه تخفّى غسان تحت اسم مستعار هو "جورج خوري" وكان يضع قبعة ونظارات سوداء أثناء تنقله في بيروت، كما كان غسان جديد عضواً في مجلس العمد تحت اسم مستعار هو (غيث المقدم) في الوقت الذي كان فيه برتبة مقدم في الجيش السوري، وكان أيضاً المستشار الخاص لرئيس الحزب جورج عبد المسيح.
أشرف غسان أثناء إقامته في لبنان على "وكالة الصحافة اللبنانية" التي كان يملكها حزبه "الحزب السوري القومي" وعُرف غسان في تلك الفترة باسم "عمدة التدريب" لأنه كان يقوم بتدريب شباب الحزب السوري القومي الاجتماعي، في بعض مناطق لبنان وفي منطقة "بيت مري" بوجه خاص.
غسان لم يكن ضابطاً عادياً، بل كان على قدر من الذكاء والحنكة، وكان أيضاً له الباع في المؤامرات والانقلابات العسكرية، فحسب ما يروي الضابط محمد معروف "صديق غسان" فقد كان غسان شريكاً له في التخطيط لزعزعة النظام في سورية بالاتفاق مع العراق عام 1956م، فيما عرف بالمؤامرة الكبرى والتي اشترك في التخطيط لها جلّ سياسيي سورية، ويقول محمد معروف في مذكراته: (وضعت الخطة بالتنسيق مع غسان ولم يشترك معنا أحد في إعدادها وتوقيتها، لا من الحزب السوري ولا من غيره ولا من أي دولة. وكان دور العراق هو تأمين متطلباتنا من السلاح والمال من غير أن يتدخلوا في أي شأن من شؤوننا إلا عند الطلب...).
هنالك العديد من القضايا الظاهرة وغير الظاهرة، كانت تضع الضابط غسان جديد في دائرة التصفية الجسدية، وهو كان يعلم ذلك وحتى المقربون منه كانوا على دراية وعلم فيما كان يحاك ضده من تخطيط لاغتياله...
فقضية عدنان المالكي واتهامه بالضلوع في التخطيط لهذه القضية، وعداؤه مع العديد من الضباط في ذلك الوقت، والمخابرات الأمريكية والمصرية التي كانت مسيطرة على الساحة السورية، ومحاولات عدد من دول الجوار التدخل في الشؤون السورية كل ذلك مهّد لاغتيال غسان جديد.
عمل جهاز المخابرات السورية "المكتب الثاني" على التخلص من غسان جديد، فرَصد الأموال وجنّد الأشخاص للقيام بذلك، وفشلت كل محاولات المخابرات السورية إلى أن نجحت يوم 19 شباط من عام 1957 حين أردَت غسان جديد مضرجاً بدمائه في أحد شوارع بيروت!؟

ما قبل الاغتيال:


كان غسان جديد يشعر بملاحقة عناصر "المكتب الثاني" له، وأنهم يرصدون كل تحركاته، وقد اكتشف إحدى المحاولات لاغتياله، فيروي غسان جديد إلى احد أصدقائه السوريين في لبنان وهو المقدم محمد معروف، أن عبد الحميد السراج أرسل ضابطين لإلقاء القبض عليه وإحضاره إلى دمشق حياً، وإن تعذر ذلك فيصفّى جسدياً!؟
وكان السراج قد اتفق مع أحد أفراد عشيرة "دندش" من منطقة بعلبك واسمه "طعان دندش" على أن يدفع له مبلغ 120 ألف ليرة سورية، ستون ألفا مقدماً وستون ألف بعد تنفيذ عملية اغتيال غسان جديد، ويروي المقدم محمد معروف، أن السراج أرسل مع طعان ضابطين أحدهما معاون السراج ويدعى راشد قطيني " وهو من أصبح فيما بعد العميد راشد قطيني رئيساً للمخابرات، ومن ثم رُفّع إلى رتبة لواء وأصبح نائباً للقائد العام للجيش، وهو ناصري. شارك في ثورة 8 آذار عام 1963 ومن ثم تعرّض للسجن " والآخر ضابط من جهاز المخابرات ويعتقد محمد معروف إنه "عبد الوهاب الخطيب"، وصل الجميع ظهراً إلى بيت يملكه "الحماصني" قرب مطار بيروت حيث استلموا السلاح، وكان الاتفاق أنهم سيتناولون طعام الغداء مع غسان.
طعان دندش كان من أخلص العاملين في الحزب السوري القومي الاجتماعي، فأطلع غسان على تفاصيل العملية. اشتط غسان غضباً من هذه الأخبار، وأراد تصفية الضابطين "قطيني والخطيب"، وغسان على حدِّ قول محمد معروف، انفعالي سريع الغضب ولكنة كان طيباً يقبل النصح، فنصحه معروف بعدم التعرض لهما، لأن ذلك يثبت عليه تهمة اغتيال المالكي، فاقتنع غسان بكلام معروف.
وصل الضابطان السوريان في الوقت المحدد ومعهما طعان دندش، وكان في المنزل بعض أفراد الحزب السوري القومي، منهم كان بصفة نادل لتقديم الطعام. وُضعت طاولة الطعام ووضع المشروب عليها، ودخل غسان "متنكراً" حاملاً صينية من السمك وتحتها مسدس، وصل غسان إلى الطاولة ثم نزع الكوفية والعقال عن رأسه والنظارات عن عينية فبدا على حقيقته. وجلس مقابل راشد قطيني وخاطبة قائلاً: " أنت أتيت لتصفّيني وهذا المسدس بيننا فتفضل ونفّذ مهمتك " اصفرّ وجه راشد وارتعشت ركبتاه خوفاً... وقام عناصر الحزب السوري القومي بإلقاء القبض على قطيني ورفيقة الخطيب، واحتُجزا لديهم، وبعد اتصالات بين الجانبين اللبناني والسوري، قام الحزب السوري القومي بتسليم الضابطين قطيني والخطيب للواء فؤاد شهاب وبدوره سلّمهما إلى وزير الدفاع السوري آنذاك رشاد برمدا، واحتفظ الحزب بمبلغ 60 ألف ليرة سورية التي سُلمت كدفعة أولى لطعان دندش، وسيارة من نوع " كرايزلر" التي كانت تقل الضابطين.

الاغتيال:
في 19 شباط من عام 1957 صُرع المقدم غسان جديد في شارع السادات في رأس بيروت على يد عميل للمكتب الثاني السوري الذي كان يرأسه عبد الحميد السراج، وذلك مقابل وكالة الصحافة اللبنانية التي يمتلكها الحزب السوري القومي الاجتماعي آنذاك.
لا تزال بيروت تذكر تشييع المقدم غسان جديد، إذ مشت بجنازته الألوف المؤلفة من أبناء لبنان وسورية وعلى رأسهم أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي، شُيع إلى مثواه الأخير، فمشت خلف جثمانه من مستشفى الجامعة الأمريكية في رأس بيروت إلى مقبرة «الباشورة» صفوف بديعة النظام على طول وعرض الشوارع تحميها سلسلة من الشبان متشابكي الأيدي- على حد قول أحد قادة الحزب السوري القومي الاجتماعي.
المقدم المسرّح غسان جديد هو المتهم المباشر في قضية اغتيال العقيد عدنان المالكي، وكان قد سُرح من الجيش السوري واتُهم آنذاك العقيد عدنان المالكي إنه كان وراء تسريحه نتيجة الصراع الذي كان قائماً بينهما، وصدر بحق غسان حكم غيابي بالإعدام على خلفية اغتيال المالكي... الغموض لفّ قضية اغتيال المالكي برغم أن المحكمة آنذاك أدانت من أدانت وأعطت الضوء الخضر لتفتيت الحزب السوري القومي الاجتماعي، وغسان أحد قادته!؟ كتب الكثير عن قضية عدنان المالكي من خلال الصحف والمجلات والمختصين، وهنالك العديد من الآراء والأقوال تشير إلى اتهام غسان جديد في قضية المالكي، وفي الوقت نفسه هنالك من يبرئ غسان والحزب السوري القومي "كمؤسسة" من جريمة اغتيال المالكي... واغتيال المقدم المسرّح غسان جديد أسدل الستار على اغتياله! وعلى سيرته! وعلى مواقفه وآرائه... حتى أن أحداً لا يتذكر اسم قاتله! بل لم نعد نتذكر من خطّط ونفّذ اغتيال غسان، ونسيت الأيام ذلك الضابط الذي دافع عن القضية الفلسطينية بالفكر والسلاح؟ وقارع الانتداب الفرنسي..
يتبع