أبو بيرم فنان الطبيعة (للأزمنة): حجارتي ومنحوتاتي الخشبية قادرة على المحاكاة

أبو بيرم فنان الطبيعة (للأزمنة): حجارتي ومنحوتاتي الخشبية قادرة على المحاكاة

ثقافة

الأربعاء، ١٣ مارس ٢٠١٣

بعيداً عن كل شي يقترب برفق دون إزعاج يبحث هنا وهناك عن جمال الروح المتجسدة في محافل الطبيعة وتضاريسها يحركش حجراً في هذا الجانب، ويلتقط قطعة خشبية من الجانب الآخر يدور في متاهات البوادي وأزقتها الوعرة باحثاً عن فنون الإله العظيم في تحف ضمها إلى عالمه الخاص داخل بيته العتيق.
لقبه البعض بأسطورة الصوان فكان أسطورة حقيقية نبذت من حجارته التي صرّحت بهذا اللقب فيما لقبه آخرون بـ (القادم من أعماق أوغاريت) فصحّ القول لأنه سطّر عظمة تلك الحضارة في لقاه الطبيعية، حكمت عدرة (أبو بيرم) فنان الطبيعة الإلهية، في زمن الأزمات كل شيء مختلف في فلسفة هذا الرجل الذي لا تنتمي حجارته ومنحوتاته الخشبية لأي حزب كان بل هي مستقلة على حد قوله في تفاصيلها ومعالمها والتي بمجرد أن تنظر إليها ستكتشف أنها قادرة على المحاكاة.
 ينطلق (أبو بيرم) صباحاً على جراره الزراعي ذي المنظر الغريب من قريته حمام القراحلة في ريف جبلة إلى ربوع الطبيعة فتراه يصعد جبلاً وينزل منحدراً نحو هدفه المعهود علّه يجد ضالته، وبعد بحث شاق ومجهد يعثر على حجر مرمي بين أكوام الحجارة المتناثرة على حافة الهاوية يلتقطه بسرعة بعد رؤية متعمقة مع ذاته ويركنه على صندوق حديدي ملحق بالجرار ثم يعاود الكرة في البحث؛ فتلك قطعة خشبية متآكلة على جذع شجرة سنديان لكنها لوحة فنية تحكي أوجاع الطبيعة الناتجة عن ظلم البشر بالنسبة (لأبي بيرم) لتنضم إلى موسوعة الأشكال المتحجرة والخشبية التي جمعها عدرة في متحفة الخاص.
يقول الفنان عدرة في حديثه (للأزمنة):" 15عاماً وأنا أبحث في رحاب الطبيعة عن كل الأشياء التي تصل حياة الإنسان الواقعية بخياله وحقيقة كلها أصبحت في حوزتي مؤكداً أن لوحاته تشمل (حوافر للحيوانات- وكراعين – ودجاجة كبيرة تجلس على البيض(قرقة)- وطيور جارحة – وجماجم حيوانات- وبيض طيور منقرضة- وأم مع طفلها في المهد- وجمل اللاما الآسيوي- وكوبرا وادي حضوضة- وسمك متوحش- وبنطال حجري – ولوحة عليها دودة القز– ورأس رائد الفضاء الأول الذي خنقته حبال المظلة"جرجريت"- ولوحة كاتب وفيلسوف قديم- وحجر يظهر وحشية أمريكا في الكرة الأرضية)، إضافة للوحات وتماثيل من جذوع الأشجار وجذورها كلوحة نفرتيتي ولوحة مقاتل روماني ولوحة ضبع وخروف وغزال قلق من خشب السنديان، ومن أهم الروائع الموجودة عنده والتي تعطي معنى أكبر للفن كما يشير عدرة لوحة صخرية على شكل معبد فيه أمّ وحمامة مصلوبة على الصدر، كما أن اهتمامه بالفن وصل لنبات اليقطين الذي يخصص له مكانة كبيرة حرص على التدخل بتكوينه عن طريق وضعه في قوالب وعلب معينة تتحكم بشكله، إلى جانب ذلك كله لديه اهتمام وتمسك بالأشياء الصغيرة والدقيقة التي تأخذ شكل لوحات بشرية.
 اكتشافات الفنان الأسطورة هي من معطيات الطبيعة الربانية الغنية بفنها ونحتها العفوي ولوحاتها التي يعجز أي فنان عن تمثيلها بأي أداة كانت، ولهذا يرفض عدرة عروض أصحاب الفنادق والملاهي والمطاعم والكازينوهات المندفعين بكثرة لشراء مجموعة من لوحاته ومقتنياته الطبيعية.. مضيفاً: "إن الفن الذي قمت بصيده وجلبه كلّف الكثير، ولا أستطيع مقارنته بشيء آخر، فأنا لست "بيّاع تعب"، أو لوحات فنية؛ نظراً لأن الفن عندي غير مخصص للبيع، والأفضل أن يقدم لهيئة أو دولة أو منظمة أو حتى لحديقة أطفال أو روضة معاقين، أما أن آتي بلوحة وأعطيها لصاحب بار ليعلقها مقابل مبلغ من المال، كل ذلك لا يعنيني".
وتؤكد عظمة هذا الفنان إنه وإلى جانب اهتمامه بفنون الطبيعة ومستحاثاتها الناطقة فقد امتهن البناء وفن العمارة في الأبنية فأيّ بناء كان يدخل في مضمونه وعلى حد تعبيره يعطيه لوناً معبراً عن الفن والجدران والقباب التي عمّرها حجراً حجراً دون خرائط هندسية ومخططات أو حتى مهندسين مكتفياً بالقول: إن الإنسان الذي يتمسك بالصدق في أعماله ينجح في حياته وليس مطلوباً من الفنان أن يصنع مسلة مصرية أو برج إيفيل وإنما المطلوب هو الصدق الذي يهدي للاستقامة والإنصاف، وعندما يكون الإنسان صادقاً يستطيع ترجمة جميع مصطلحات الحياة مع الفن الذي يجب أن يتوفر دون انتقاص أو نفاق.
ويستطرد عدرة: أنا كمواطن ربما عادي أو أقل من عادي عندي رغبة بقدوم أي شخص لديه رغبة في التعرف أو حب الاطلاع على طفرات من البشر المهملين "نادري التماثل"، فمثلاً يقول عدرة" في محيط عشر قرى مجاورة لقريتي لم أجد أذناً ولا حتى مصافحة يد تشجعني على المتابعة في المجال الفني، ويضيف إنها لم تكن الخسارة المميتة رغم التهكم والاستهزاء والتعيير بالنقيصة والجنون، فكل ذلك دفعني للتمسك بعملي وفكري وفني غير العادي الذي أحبه وأمنحه مرتبة عالية تفوق كل المراتب الأخرى.