النحات دنخا زومايا.. الحديد مادة نبيلة أيضاً

النحات دنخا زومايا.. الحديد مادة نبيلة أيضاً

ثقافة

الاثنين، ١٧ سبتمبر ٢٠١٢

يرى الفنان دنخا زومايا النحت بشكل عام أنه سجل تُدوّن عليه الإنسانية مذكراتها وتخلدها عن طريقه لأنه سجل لا يفنى وغير قابل للعبث، يجمع ما بين البناء والتركيز والسكون والحركة والكتلة والفراغ والتنوع المتردّد على وحدة الإيقاع والبلاغة بأسلوب تعبيري يبحث في متناقضات البحث التشكيلي لخلق علاقات جديدة للمنحوتة بالفراغ.
بدأت تجربته في مجال النحت منذ الطفولة, يصف نفسه بالنحات الفطري, هو الأكاديمي ذو التجربة الطويلة في النحت.. صقَلته التجربة وأرهفت أحاسيسه ومشاعره وخلقت لديه حب العمل, منفتح على كل الثقافات والتجارب التي سبقته على اختلاف مستوياتها ولكنه لا يقلد, إنما يبحث عن اجتهادات جديدة في هذا المجال ويدخل أعماله في حقول تجريب تداخل المواد واللعب على الألوان كما يبحث في آلية اختصار جديدة لأشكاله فهو يكمل الشكل مرة أو يشارف على إكماله أو يكتفي بالتلميح له والإيحاء به: "أنا أنحت لأني بحاجة لذلك روحياً وفكرياً ومادياً طالما أنني أؤمن بأن غاية الفن هي تحقيق السعادة"..
تمحورت مواضيع أعماله حول الإنسان في كل حالاته: الضعيف. المحبط. المقهور. المكسور. والإنسان القوي المثالي المنتصر الذي يرتقي بإنسانية الإنسان إلى مساحة أجمل؛ كل هذه المواضيع تشغل فكره، وهي هاجسه اليومي وحاضرة في كل أعماله في تآلف إنساني بديع.
بعد تخرّجه من الجامعة قدّم مجموعة أعمال برونزية وأخرى حجرية وخشبية وبعضها الآخر مُنفّذ بخامات مختلفة كالبولستر والحجر الصناعي والجص, ومن ثم انتقل إلى ما يسمى بالتشكيل المباشر على معدن الحديد وهو لحام صفائح حديدية, والحديد لا يوحي أبداً بالنُبل الموجود في خامات أخرى طبيعية، كالرخام أو الخشب، لكن في أعمال دنخا زومايا ثبت أن الحديد مادة نبيلة، وفيها طاقات كبيرة للتعبير, وفي مرحلة لاحقة طوّر هذا البحث واستخدم شرائح النحاس ثم أضاف على بعض هذه الأعمال ألواناً خاصة أشبه بالمينا، ومؤخراً بدأ بتجربة الشبك المعدني, وهي عبارة عن بورتريهات مجسمة لوجوه عُرضت لأول مرة في قصر (الأونيسكو) في لبنان, ثم رجع إلى النحاس فأشغل السطح بالحركة من خلال اللون الجديد.. حتى إنه صهر الزجاج في الوجوه مع المحافظة قدر الإمكان على إعطاء الانفعال للحالة الإنسانية التي يعمل عليها لأن كلاً منها له خصوصية فالطفل في عبثه، والمرأة في أنوثتها، والرجل في حزنه، حالات متباينة، تحمل ضغطاً نفسياً وانكسارات راهنة، فجاء بعضها رمزياً وأخرى رومانسية تقليدية.
لا ينتمي النحات زومايا إلى أي مدرسة فنية، بل أعطى نفسه حرية عامة ورؤية شخصية باحثاً دائماً عن التمايز لأنه أرقى حالات الإبداع سواء أكان بعمل واحد أم مجموعة أعمال.. غالبية أعماله مستوحاة من البيئة التي عاش فيها محاولاً أن يطرح عبرها صياغة جديدة معتمداً على الاختزال ومحافظاً على التعبير في نفس الوقت, بما يعكس رؤاه الخاصة حيث نهل من ذاكرته الطفولية التي هي ذاكرة أغلب الناس في الريف أو المدينة وفي أي مكان من العالم.. تناول الهمّ الإنساني لدى العامل, الفلاح, الطالب, لاعب الكرة, حاملة الجرة, والموسيقي.
أجساد نحيلة من صلب ونحاس تم تشكيلها بفعل النار والطرق لكنها أيضاً تخفي أكثر ما تُظهِر من معاني, صور ولحظات جميلة لألعاب الطفولة بحالات مختلفة.. وكذلك تطرق إلى الألعاب التي تكاد تكون في طريقها إلى الانقراض إن لم تنقرض فعلاً.. وأخذ من شكل الإنسان وحركته وقدمه بطريقة جديدة تنم عن إيقاع حركي يختزل ما في داخل ذلك الإنسان من إرهاصات وهموم الناس وأحاسيسهم من خلال حركة يحملها قوة تعبيرية هائلة ممزوجة بالقلق العصري وبروحية البحث والتجريب على اختصارات الشكل راسماً الكتل المتعرجة والمنخفضة والمملوءة والمرتفعة والحادة واللينة والسميكة والرفيعة, المسارات والتكاوين وهو المحاط بالبساطة وإمكانية استغلال أقصى استخدامات الخامة التي ينحتها ويستفيد منها لأنه يعرف أن المادة (الخام) ملأى بالإمكانات الهائلة التي يطيّعها الفنان لهدفه الفني.
دنخا زومايا فنان تشكيلي من مواليد الحسكة 1960، إجازة في الفنون الجميلة, دبلوم دراسات عليا في الفنون الجميلة – جامعة دمشق,عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين, مدرس في معهد إعداد المدرسين بالحسكة, مُحاضر في كلية التربية – جامعة الفرات بالحسكة, له أكثر من عشرين معرضاً فردياً وعدداً من المعارض الجماعية, معارضه الداخلية في سورية:"دمشق, حلب, السويداء, الحسكة, تل تمر, القامشلي المالكية, معارضه الفردية الخارجية: كندا, السويد, لبنان, إيران، بلغاريا, ,شارك في سمبوزيوم يوم بلغاريا العالمي للنحت والسيراميك 2007, شارك في مهرجان مرمريتا "تجمع الفنانين التشكيليين عامي 1989/1990, شارك في مهرجان صدد الثالث للفنون عام 2007, حاز على مجموعة من الجوائز النصبية الكبيرة في سورية.

ريم الحمش
artreem@hotmail.com