حسني الزعيم (تفاصيل – خفايا – آراء)..
نوران باقي زاده

حسني الزعيم (تفاصيل – خفايا – آراء).. نوران باقي زاده

ثقافة

السبت، ٢٥ أغسطس ٢٠١٢

من هي زوجة الزعيم حسني الزعيم؟ من هي تلك المرأة التي رافقت صعوده وانهياره ومن ثم إعدامه؟ هل للزعيم أولاد ومن هم؟ أسئلة تتبادر إلى ذهن كل قارئ...
 زوجة الزعيم كانت دائمة الظهور معه في المناسبات الاجتماعية في فترة تربعه على سدة الحكم في سورية، وبعد إعدامه انزوت في حياتها وعاشت في ظل، ولكنها بقيت تلك المرأة الدمشقية في أخلاقها وخلقها، عرفتها المجتمعات الدمشقية، امرأة ذات ظهور متميز تحمل في قلبها حزناً عميقاً، وفي داخلها قصص ومآسٍ، ولكنها لم تبح بما تحمل من أسرار!
حسني الزعيم لم يمنحه القدر أن يرى أولاداً له، ولكن بعد إعدامه بأشهر قليلة ولدت زوجته طفلته الوحيدة، عاشت الطفلة مع أمها، تسمع قصص والدها وتسمع أسرار تلك المرحلة التي عصفت في سورية، ولكنها كوالدتها لم تبح بما تحمل من قصص ومآسٍ...
الذاكرة الشعبية وخاصة لنساء دمشق تحمل العديد من قصص تلك الزوجة، ولكننا (مع الأسف) لم نعر بعد الذاكرة الشعبية ذلك الاهتمام، ولربما كنّا كتبنا تاريخاً جديداً لو كانت للذاكرة الشعبية موطئ قدم في حياتنا.
زوجة الرئيس:
في عام 1987م كنت مدعواً إلى عشاء في منزل أحد الأصدقاء في حي المزة، وبعد حضور أغلب المدعوين وأثناء تجاذبنا أطراف الحديث، قُرع الباب ودخل رجل وامرأة لفتت المرأة نظر الحضور في أناقتها وطريقة مشيتها وجلوسها ومسايرتها للحاضرين، بالرغم من أنها كانت في تلك الأيام في الخريف من عمرها، ولكن الناظر إليها يرى سيدة رائعة الجمال وفائقة الأناقة ذات شخصية قوية تنم عن درجة عالية من الذوق والثقافة، فسألت من هذه السيدة، فقالوا لي إنها نوران باقي زاده زوجة رئيس الجمهورية الأسبق حسني الزعيم، والرجل الذي دخل معها هو زوجها الثاني فخري الدردري، وهو أيضاً كان على درجة من الوسامة والأناقة برغم العمر الذي بلغه، وحين حدثتُ إحدى قريباتي عن هذه السيدة " نوران باقي زاده " قالت لي إنني أذكرها تماماً كانت تتمشى في شارع الحمراء بدمشق وأحياناً برفقتها سيدة أخرى تشبهها لربما كانت شقيقتها، وأردفت بالقول، بوران سيدة جميلة طويلة القامة وممشوقة القد، الناظر إليها يخيل إليه إنه أمام سيدة من سيدات القصر أو امرأة أرستقراطية تملك الجمال والفهم والتواضع، كانت تشعل سيجارتها وتضعها في مبسم وتدخن وهي تتمختر في شوارع دمشق وتقف على واجهات المحلات.
يروي نذير فنصة الصديق الحميم لحسني الزعيم والذي أصبح فيما بعد عديله، كيف تزوج حسني الزعيم من نوران: (غضبت منه قبل أشهر وامتنعت عن الكلام معه، أو حتى استقباله في مكتبي عندما علمت إنه أصبح عديلي، إذ تزوج من شقيقة زوجتي دون علمي أو طلب رأيي كما كانت تقتضي ظروف الصداقة.
قصة زواج حسني الزعيم قصيرة وخاطفة مثل كل شيء قام به في حياته الخاطفة. فقد ذهب مرة إلى حلب لزيارة صديق له، هو الدكتور كامل أشرفية، مقيم في الطبقة التي تعلو المنزل الذي يقيم فيه والد زوجتي أحمد باقي وزوجته وأولاده وبناته. 
لا أدري كيف تم الزواج، ولكن الذي أعرفه إنه سبق وتعرّف على شقيقة زوجتي واسمها نوران، في منزلي مرتين، ثم التقى بها عند صديقه الذي يسكن في البناية ذاتها، مع الباقي، ثم تم الزواج في أربعة أيام. عارضتُ الزواج أولاً لأنه يكبر نوران بثلاث وعشرين سنة، وثانياً لأنني لم أكن أرغب في أن يدخل حياتنا الخاصة شخص له ماض عاصف مثل حسني الزعيم، وله مستقبل مجهول فيقتحم الهدوء العائلي الخاص الذي كان محيطاً بي. ومرة بعد أسابيع من هذا الزواج والقطيعة التي رافقته، دق جرس منزلي في دمشق ودخل حسني الزعيم وعروسه وهما يضحكان من الأعماق، ثم قال لي الزعيم: خلصنا، هذا أمر واقع، لقد تزوجنا وها نحن في منزلك، هل تطردنا؟ ذاب الخلاف العائلي وعادت صداقتنا بين القبلات والضحكات المتبادلة.)
تطورت العلاقة بين الزعيم وفنصه بعد هذا الزواج وأضحى فنصه من أقرب المقربين له وكاتم أسراره، وأضحت نوران الزوجة والحبيبة والمرأة الحديدية التي تقف بجانب زوجها، شهدت أيام عزه، وشهدت أيام إعدامه، وعاشت على ذكرى أيام سوداء عصفت بحياتها، وعاشت سنوات طويلة بعد رحيله، وتزوجت من فخري الدردري، نوران أنجبت طفلة بعد أيام معدودة من إعدام زوجها حسني الزعيم، وأنجبت من زوجها الثاني ولدين، نوران باقي زادة وعدها يوماً حسني الزعيم بأنه سيتوجها ملكة وبقيت تمارس هذا الوعد في إطلالتها ومشيتها.
الزوجة تشهد اللحظات الأخيرة:
شهدت نوران زوجة الزعيم اللحظات الأخيرة من حياة زوجها حسني الزعيم، وسمعت كلماته الأخيرة، إثر اعتقاله من داره حسبما يروي الضابط فضل الله أبو منصور الذي داهم مقر حسني الزعيم في حي أبي رمانة ليلة 13-14- آب1949 فيقول أبو منصور: (فاستسلم الحرس بتواطؤ رئيسهم مع رجال الانقلاب. فأطلقت الرصاص على باب القصر حتى حطمته ودخلت وإذا بحسني الزعيم ينزل من الدور الثاني وهو يرتدي بنطلونه فوق ثياب النوم وزوجته وراءه تصيح: حسني، حسني، إلى أين يا حسني؟ وقبل أن يتمكن من الرد على زوجته دنوت منه واعتقلته، ثم صفعته فقال محتجاً، لا تضربني يا رجل، هذا لا يجوز، احترم كرامتي العسكرية. أجبته بصوت متهدج: أنا أول من يحترم الكرامة العسكرية، أما من كان مثلك فلا كرامة له، أما أقسمت للزعيم أنطون سعادة يمين الإخلاص وقدمت له مسدسك عربوناً لتلك اليمين ثم خذلته وأرسلته إلى الموت؟) 
وبعد إعدام حسني الزعيم أوعَزَ هاشم الأتاسي إلى الدوائر المختصة بإبقاء جميع الأثاث العائد إلى زوجة حسني الزعيم وبقية أفراد العائلة، ذلك الأثاث الذي كان لديهم قبل الانقلاب الذي قام به حسني الزعيم، وأن يُكتفى بوضع اليد على الأثاث الذي حصل عليه الزعيم بعد الانقلاب. وخصصت الدولة راتبا شهرياً لها 300 ليرة سورية وهذا المبلغ في تلك الأيام مبلغ كبير جداً.
حسنية أو نيفين:
كانت مصر على علاقة طيبة مع الرئيس حسني الزعيم، حتى أنه حين أعدم، بأمر من صديقه سامي الحناوي إثر الانقلاب الذي قام به على الزعيم، تلقت مصر أخبار حدوث انقلاب سامي الحناوي بعدم الارتياح، وأعلنت الحداد لمدة ثلاثة أيام على مقتل حسني الزعيم. وقام عدد من الصحفيين المصريين بزيارة دمشق للاطلاع على مجريات الأمور إثر إعدام الزعيم، ومن الذين حضروا إلى دمشق آنذاك الصحفي المعروف محمد حسنين هيكل، وقابل هيكل أرملة حسني الزعيم " نوران " في شهر كانون الأول من عام 1949، في مستشفى " نخمن " وهي الآن مشفى الطبي الجراحي في شارع بغداد، ويقول هيكل عن لقائه مع زوجة الزعيم، قضت الأرملة شهراً مروعاً من الضنى والأسى والعذاب. ثم جاءتها آلام الوضع فدخلت مستشفى " نخمن " في دمشق وكانت ولادتها ولادة عسيرة فقد كانت مصابة بضعف عام في قواها.. وكانت مقاومتها أضعف ما تكون. وأشرفت على الموت.. ولكن شبابها لم ينخذل.. ونجت من الموت، وأفاقت في اليوم الرابع بعد الولادة وانحنى عليها الطبيب يقول لها إنها أنجبت بنتاً، وأسبلت عينيها في أسى وكان بين أهدابها دمعة حبيسة، وقالت في همس: "كنت أريد ولداً لاسمية حسني الزعيم" وقال لها الطبيب: ماذا تسمينها؟ وأطبقت الأرملة شفتيها ولم تتكلم واقتربت شقيقتها حرم نذير فنصة من الطبيب وقالت: اتركها وسأختار أنا الاسم. ثم اختارت حرم نذير فنصة اسم "نيفين" وسجلت ابنة حسني الزعيم بهذا الاسم بالفعل. ومرّ يومان وجاء الطبيب يعود الأرملة وقالت له: لقد اخترت لابنتي اسمها! وقال الطبيب: لقد اختارت شقيقتك الاسم وسجلناه بالفعل. وثارت الأرملة، ثم هدأت أخيراً وهي تقول بدموعها: سموها أنتم "نيفين" أما أنا فسوف أسميها "حسنية" وسكتت برهة ثم غمغمت همساً: حسنية حسني الزعيم! و"نيفين" أو "حسنية" كما رغبت نوران أن تسميها تبلغ من العمر الآن ثلاثة وستين عاماً (ولدت في شهر كانون الأولى عام 1949)، ولا يعرف عنها الكثير، حيث عاشت بعيداً عن الأضواء تحمل في ثنايا قلبها وعقلها مأساة والدها، وقصص وحكايا سمعتها من والدتها " نوران " لو روتها لنا لربما أضاءت الكثير من الغموض والخفايا عن سيرة حياة أول قائد انقلاب عسكري في بلاد الشام، وفي التاريخ العربي المعاصر يعد ثاني انقلاب عسكري في الوطن العربي بعد انقلاب بكر صدقي في العراق عام 1936م.
يتبع

شمس الدين العجلاني - أثينا 
alajlani.shams@hotmail.com