حسن الخراط.. اسم يثير الرعب في قلوب الفرنسيين

حسن الخراط.. اسم يثير الرعب في قلوب الفرنسيين

ثقافة

الأحد، ٣١ يوليو ٢٠١١


حسن الخراط، أسطوره ثورية يجب التوقف عندها مطولاً ودراستها بشكل علمي صحيح وإعادة الاعتبار لها.. وهو شخصية نادرة في حياتنا السياسية والاجتماعية، لم يكن من أعيان البلد أو مثقفيها، لم يدخل مدرسه أو كتاتيب، ولم ينل أي شهادة علمية كل ما كان يملك شهادة حب ووفاء للوطن، هو حسن ابن محمد الخراط من عامة الناس، علمته الحياة حب الوطن فكان من أهم المدافعين عن أرض سورية وكرامتها ومن أوائل زعماء الثورة السورية بدمشق، خاض العديد من المعارك الضارية ضد المستعمر الفرنسي وألحق بهم الهزائم تلو الهزائم.. ولد بدمشق في حي الشاغور بزقاق المزار عام 1861م، لم يتلق العلم في المدارس، عمل في نظارة (حراسة) مزروعات أراضي الشاغور، ثم انتسب إلى سلك الحراس التابع لمديرية شرطة دمشق فكان برتبة نقيب حراس.. قيل إنه كان طويل القامة، عريض المنكبين، حنطي اللون، أسود العينين والحاجب، تزوج من عدلة الزكي، وطلقها بعد بضعة أشهر وكانت حاملاً فوضعت عام 1885م طفلاً اسمه فخري، أعدمته شنقاً قوات الاحتلال يوم 28 كانون الثاني عام 1926م، وقيل إنه ابن زوجته وقد رباه حسن الخراط منذ طفولته واعتنى به.. ثم تزوج حسن الخراط بخديجة سردار، وأنجب منها ولداً سمّاه بشير، وتوفي وهو في الثامنة من عمره..
عندما أُعلنت الثورة ضد الاحتلال الفرنسي، قام بتهريب المجاهد فوزي البكري إلى جبل الدروز، سراً وبعيداً عن أعين المحتل، وحين عاد إلى عملة في مديرية شرطة دمشق، وشى به أحدهم للسلطات الفرنسية، فحضر أحد الضباط يطلب من الخراط مراجعة خليل رفعت مدير الشرطة العام آنذاك، فأيقن أنه وقع في أيدي السلطات، فرفض الطلب، وهرب إلى الغوطة والتحق بالثورة، فقام الفرنسيون بحرق داره وأصدروا منشوراً بإسقاط حقوقه المدنية.. خاض العديد من المعارك الضارية ضد قوات الاحتلال، اشتهر بمهاجمته للمخافر الفرنسية، وسقط شهيداً في إحدى المعارك الضارية مع قوات الانتداب الفرنسي في بستان الذهبي بدمشق القريب من مقبرة اليهود في 16 كانون الأول عام 1925م، (هذا تاريخ وفاته المتعارف علية ولكن هنالك شك فيه ولا أعتقد أنه صحيح وبرغم ذلك سنعتمد على هذا التاريخ ونوضّح في متن الحديث أسباب شكّنا في مصداقيته) ودفن في قرية ببيلا، وبعد ثمانية وعشرين شهراً، قام أهالي حي الشاغور بنقل رفاته إلى مقبرة الشاغور.. وخصصت الحكومة السورية آنذاك راتباً شهرياً قدره (150) ليرة سورية لزوجته.
معركة بستان الذهبي:
في صباح يوم الأربعاء الواقع في 16 كانون الأول من عام 1925 ميلادي قاد حسن الخراط على رأس 63 مجاهداً معركة ضارية مع قوات ومرتزقة الانتداب الفرنسي في بستان الذهبي (وقيل بستان الحلبي) الواقع جنوبي دمشق قرب مقبرة اليهود وحي الشاغور، ويقولون إنه نصب لهم كميناً محكماً في البستان، وكانت قوه جنود المستعمر في بداية المعركة حوالي 100 جندي وضابط، ثم ما لبث أن انضم إليها قوة من سلاح الفرسان الفرنسي، دارت معركة ضارية داخل وخارج البستان استبسل فيها المجاهدون السوريون أمام الجيش الفرنسي واستماتوا في القتال ومحاولة الخروج من البستان بعد أن أحكم المستعمر تطويقه بالنجدات التي تتالت إلى موقع المعركة ولاسيما المصفحات، فأصيب الخراط الذي كان يتقدم صفوف المجاهدين برصاصة في صدره تحت ثديه الأيسر وقع على إثرها صريعاً على الثرى، وقام المجاهدون بحمل جثمانه إلى قرية ببيلا، حيث كان خبر استشهاده وصل إلى مختار القرية الملقب "أبو علي الضبع"، واستقبل جثمان الشهيد مفتي الثورة السورية وشيخ الطريقة القادرية محمد حجازي الكيلاني وعدد من أعيان القرية وتم الاتفاق على كتمان أمر استشهاد حسن الخراط على أن يدفن سراً في قرية ببيلا، ويشيعون أنه أصيب بجراح وأُرسل إلى جبل العرب.
أسطورة الخراط والانتداب الفرنسي:
اختصر المفوض السامي الفرنسي موقف المستعمر من المجاهد حسن الخراط بقوله: (شخص مسلح بالغ الخطورة يجب أن يتم قتله فور رؤيته)، لذا وضع الانتداب الفرنسي جائزة مالية قدرها مئة ليرة ذهبية لمن يأتي به حياً أو ميتاً، وقاموا بحرق وتدمير منزله في حي الشاغور كما أصدروا أمراً بحرمانه من حقوقه المدنية، وتروي الصحفية والكاتبة الفرنسية التي أقامت بدمشق خلال عامي 1924- 1926م أليس بوللو محبة الناس للخراط وبأنه يتمتع بشعبية كبيرة وتصفه كقديس وتعتبره أسطورة، فتصف دخوله حي الميدان على حصانه يوم قصفت فرنسا دمشق بنيرانها الوحشية في 18 تشرين الأول عام 1925م، فتقول إنه كان يسير بين الناس وهم يحيّونه على الصفين ويهتفون باسمه، ويتذكر أحد كبار السن منظره عندما دخل الميدان مع خمسين من رجاله يومها وهو يحمّس الناس ويقول لهم: (يلا يا رجال.. يلا يا أسودة.. يلا يا أهل النخوة والحميّة.. يلا نقاتل الفرنساوي..) فتبعه مئات الأشخاص بسلاحهم فنزل بهم إلى ساحة المرجة حيث مباني الدولة الفرنسية فاحتلها بكل سهولة..
وبعد استشهاد الخراط وتحديداً في يوم 14 كانون الأول عام 1925 م (حسبما تذكر أليس بوللو) ظهر بدمشق منشور وجهه حسن الخراط وكأنه بُعث حياً، ونشرته إحدى الصحف العربية. وقد عيّن بندائه هذا أربعين رجلاً كي يحملوا له رأس "دو جوفينيل" المسكين المطلوب الذي لا يستحق هذا أبداً كمكافأة له على الجهد الذي يبذله كي يحسن التصرف بالتركة الثقيلة التي خلفها له الجنرال ساراي ويقول الوطنيون إن هذا جواب لخطاب "دو جوفينيل" وإعلاناته وقد صادرت السلطات أعداد هذه الصحيفة لنشرها ذلك النداء، وتم سجن مديرها المسؤول وهذا مما دب الخوف في قلوب الفرنسيين حتى أن "دو جوفينيل" امتنع عن لقاء أي وفد سوري، وأطلق حرسه النار على أحد الوفود خوفاً من أن يضم الوفد ثواراً متنكرين! وتناقل عامة الناس بدمشق حينها أن حسن الخراط حوصر لاحقاً في إحدى قرى الغوطة الشرقية واستشهد في جحيم القصف الذي نزل عليه وعلى مجموعته.. لم يستطع السوريون تصديق استشهاد حسن الخراط لأنه كان صوتهم المدوي وأملهم وحلمهم وهاهي فتاة قروية من مسيحيات يبرود تقول حسبما تذكر أليس بوللو: (حسن الخراط ليس ميتاً وبأنه ليس عنده النية في أن يموت أبداً، وقد شكل مع رجاله حكومة مؤقتة) وتؤكد أيضاً بوللو أن اعتقاد أهل الشام بعدم وفاة الخراط استمر إلى فترة زمنية طويلة فتقول يوم 1 شباط عام 1926: (بات من المؤكد الذي لا يمكن لأحد أن يشك فيه بأن حسن الخراط قد عاد إلى الحياة.. وأصبح أبناء دمشق يهتمون به وبمغامراته لدرجة كبيرة.. كان للثوار مستشفى يديره الدكتور شهبندر بلا شك، ولكن أين يقع هذا المستشفى..!؟ لا أحد يعرف..!؟ وقد عولج الخراط في هذا المستشفى وشُفي وعاود بعد ذلك قيادة جماعته).
حول استشهاد الخراط:
تعددت الروايات حول استشهاد الخراط ودفنه، كما تعددت الروايات بتاريخ استشهاده، فقيل استشهد في معركة بستان الذهبي وقيل في بستان الحلبي وقيل أيضاً في معركة يلدا، قيل لم يعلم الفرنسيون باستشهاده إلا بعد مدة من الزمن، وقيل أيضاً بل هم أول من علم باستشهاده، وهنالك روايتان أكثر تداولاً حول ذلك، الأولى تقول إن المجاهدين حملوا جثمانه من أرض المعركة إلى قرية ببيلا بعد قتال مرير مع الجند والمرتزقة الفرنسيون ولم يعلم الفرنسيون بذلك، وتم دفنه سراً في ببيلا حتى لا يشاع خبر استشهاده على عامة الناس فتحبط عزائم الثوار، ومن ثم شعر الناس بغياب الخراط لأنه كان دائم التواصل معهم، وبدأت في يوم 19 تشرين الثاني 1925 (حسب قول أليس بوللو) تسري أقاويل الناس حول استشهاد حسن الخراط ومن ثم تناقل الناس يوم 30 تشرين الثاني قصصاً خيالية (حسب قول أليس بوللو) مفادها أن الخراط بُعث حياً بعد موته، وأخذ الناس يهتفون في العراضات والتجمعات: (يا حسن لويش تنادي.... دبّحنا فرنسا في بطن الوادي، أوم يا حسن لا تهتم.... أهل الشام بتشرب دم) وبعد ذلك بمدة وتحديداً بتاريخ 6 آذار من عام 1926 حسب ما تقول أليس بوللو: (حدث اليوم هجوم جديد قاده الأطفال في الأسواق فقد تم توقيف الشخص الذي ألّف مرثاة قصة حياة حسن الخراط الحزينة وقد سيق إلى سجن القلعة ورافقه إلى باب القلعة جميع الأولاد الذين كانوا يبيعون هذا الكتيب في الشوارع وهم ينشدون قصة المولد النبوي فقام رئيس الشرطة بالقبض على عدد منهم واقتيادهم وضربهم وبهذا يصبح لحسن الخراط شهداؤه الجدد أيضاً).
لقد منع المستعمر الفرنسي الشعب السوري من رثاء البطل حسن الخراط بل أكثر من ذلك لقد منعوا الشعب من التعبير عن حزنهم له.؟! ولكن كان رد الشعب السوري أكبر من توقعات الفرنسيين فهبّ الشعب السوري بثورات متتالية في كل أرجاء الوطن حتى طرد المستعمر الفرنسي من كل الأرض السورية.
والرواية الثانية تقول إن الفرنسيين علموا باستشهاد الخراط قبل معرفة الشعب السوري بذلك بفترة طويلة، وتناقلوا أخبار قتلهم له بينهم.. وتم توزيع أوسمة على عدد من قوات المستعمر الفرنسي الذين شاركوا في القصف والمعارك الوحشية التي أدت إلى استشهاد الخراط.. والثابت من وثائق التاريخ أن اسم حسن الخراط كان يثير الرعب في قلوب جنود وضباط المستعمر الفرنسي زمناً طويلاً.
أخيراً:
أذكر أن محافظة دمشق أعلنت عام 1990 عن مسابقة لنصب تذكاري للشهيد حسن الخراط، وتقدم عدد من الفنانين السورين لهذه المسابقة التي فاز بها الفنان المرحوم عدنان الرفاعي وقام بنحت تمثال نصفي للشهيد الخراط وقيل إنه في غاية الروعة والتعبير، وكم كانت المفاجأة صعبة، حين عارض أحد المسؤولين آنذاك والذي توفي منذ عدة سنوات، وضع التمثال في ساحة حسن الخراط (دوار البيطرة) متهماً الشهيد الخراط بأنه (قاطع طريق!؟) ومات الحلم ومات الفنان الرفاعي وقيل إنه أصيب قبل وفاته بشلل نصفي من حزنه على حلم لم يتحقق وأصبح تكريم حسن الخراط في أدراج محافظة دمشق منذ ذلك التاريخ!؟ فهل آن الأوان لإعادة الاعتبار للشهيد حسن الخراط بوضع تمثاله في إحدى ساحات دمشق التي أحبها وعشقها واستشهد في الدفاع عنها ليتذكر أولاد اليوم بطل الأمس.!؟
يتبع
* أقوال الفرنسية أليس بوللو نقلاً عن كتابها "دمشق تحت القنابل" ترجمة إحسان الهندي.
شمس الدين العجلاني - أثينا