سياحة توصيفية في رحاب ديوان شيخ الجهاد للشاعر محمد حسن العلي

سياحة توصيفية في رحاب ديوان شيخ الجهاد للشاعر محمد حسن العلي

ثقافة

الاثنين، ٤ فبراير ٢٠١٩

ربما لكل إنتاج إبداعي أقانيم ثلاثة:

 المثير الخارجي ( المحفز) ,ثم الذات الشاعرة وأدواتها ومخابرها , ثم تصدير المنتج

فالشاعر يلتقط الحدث العام من خارج ذاته , ثم ينقله بتخصيص إلى مخابر ذاته الشاعرة ويعالجه بأدواته اللغوية والفنية والشعرية ثم يعيد تعميمه كمنتج يصبح ملك الآخر ...

وصلتني نسخة شرف من ديوان شيخ الجهاد من الصديق الشاعر محمد حسن العلي وقرأتها بتمعن ولعل أهم سبب دفعني لقراءتها هو موضوعها وهو الرمز السوري العظيم مشعل فتيل الثورة ضد العثمانيين والفرنسين الشيخ المجاهد صالح العلي رحمه الله

برزت في الديوان عدة محاور سأقتصر على ثلاثة منها طبعا وبإيجاز ,وهذا وفق رأيي المتواضع ورؤيتي البسيطة الانطباعية وأشدد على كلمة إنطباعية من حيث الرؤية الشعرية والتشكيل البنائي للقصائد ولن أتكلم عن الفنيات والتقنيات الشعرية فهذا قد يسحب الموضوع إلى أمكنة أخرى فنصوص الشاعر أكبر من تقييمي وأنا أصغر من ذلك .

وأستطيع أن ألخص تلك المحاور كالتالي:

قصائد تستعرض الواقع التاريخي القريب للحدث كما تواتر وحسب الكائن التاريخي بحيثياته

وقصائد يتقمص فيها الشاعر فكر الشيخ المجاهد وهي حالة عشق وتماه وتوحد مع وجدان قامة عظيمة كالشيخ المجاهد

وقصائد يحاول فيها الشاعر تعويم وإعادة إنتاج الفكر المقاوم للشيخ المجاهد ويطرحها كبدائل وأساليب للمقاومة تصل إلى درجة الحتمية والاختيار الوحيد

أولا:استعرض الشاعر دور الشيخ المجاهد في تشكيل أحداث الثورة وسيرورتها  بشكل دقيق وكان موفقا لأكثر من سبب منها قرب اللحظة التاريخية ( فهي أمسنا القريب جدا) فلقد سمعناها مشافهة من الكثيرين وثمة من بقي حيا من رجال الثورة لوقت قريب مما شكل بؤرة في الذاكرة الجمعية ألقت بظلالها الصادقة على نصوص الشاعر وشكلت قاعدة ثابتة عند المتلقي غير قابلة للشك بصدق الحدث فصدق العاطفة مع نبل الموضوع شكلا رافعة جمالية موضوعية للنصوص :
لولا حداؤك في الميدان ماانطلقت

جحافل الزحف توري العزم في القلل

في الشيخ بدر سيوف الثأر مشرعة

وعين بدر تروي غابة الأسل

من ساح ورور شق الصبح رحلته

وظل طيفا يصب النور في المقل

آخى هنانو على صدق وعاهده

وما لديه عن التحرير من بدل

سلطان راح يهز الأرض من غضب

ويرفع العلم المئناف ذا الطول

وتجلت الوحدة العضوية في الزمكان بين الرؤية الشاعرية ولحظة التشكيل البنائي بفنياته وتقنياته التي وظفها الشاعر بحرفية ليكرس الحالة الوجدانية وينقل الحدث من حالة الطرح الشعري كمنتج إبداعي أدبي إلى الحالة المفاهيمية المتقدمة (مفهوم المقاومة ) ممهدا بذلك لبروز محور ثان في القصائد يتقمص فيه الشاعر مفهوم المقاومة كمسلمة حتمية لشعوبنا المضطهدة مرتكزا على بذور ثورية ضاربة في التاريخ كان من بيادرها الثورة السورية الكبرى ورجال كالشيخ صالح وسلطان باشا الأطرش والزعيم هنانو والمجاهد الخراط وشاليش الديري والقائمة تتسع لكل شريف ..

ثانيا بعد أن تبلورت ونضجت فكرة المقاومة وتحولت إلى نهج حاول الشاعر تكريسه وترسيخه بشكل شعري جميل مشيرا إلى ثمار هذا الفكر المقاوم برموز وطنية هامة في تاريخ سورية الحديث, الجلاء تشرين ,الجيش العربي السوري, القائد الخالد , الرئيس بشار, , دور سورية المقاوم في لبنان وفلسطين والمنطقة

هذا الجلاء وعيد البعث توءمة

نيسان ضمهما ياروعة الحلل

فهذه القدس ليل الظلم روعها

وسامها الخسف والأعراب في ثمل

هذي قريش ودين الحق وحدها

ومن تصهين بث الروح في هبل

إن الرجوع لصلب الحق مكرمة

ماكان حافظ عن مبداه ذاميل

في الشام سيف صلاح ممتشق

وفي شموخ الذرا حطين لم تزل

وراية النصر في لبنان يرفعها

أرز الجنوب وما في الحرب من هزل

يستعرض الشاعر كثيرا من المفاصل الهامة والأحداث والشخصيات الوطنية ويصورها وكأنها تنهل من ينابيع الشيخ المجاهد وفكره واستمرارا لفكرنا العربي السوري ليقول وبتناص بارع مع القرآن (فَلِبثْتَ سِنينَ في أهللِ مَديَنَ ثمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ يامُوسى)
 

شيخ الجهاد أبا الثورات معذرة

ياصاحب القلم الرعاف بالمُـثل

ياسيدي الشيخ قد جئنا على قدر

نرجو السبيل إلى رشد بلا خطل

وأشار الشاعر بكثير من قصائده مضيئا وكاشفا ومبينا كثيرا من الوقفات واللحظات الهامة والخطيرة المتنامية عموديا على المستوى الوطني وأفقيا على المستوى القومي العربي والعالمي وكأن رحم الثورة السورية هو الحبل السري الرافد بالنسغ المقاوم لكل شريف ومقاوم في المنطقة وربما إلى العالمية وكان لسورية دورا عالميا مقاوما

ثالثا امتلأت جعبة الشاعر بذخيرة وطنية مشرفة وعتاد فكري متين تؤسس لحالة عقائدية يراها الشاعر صالحة كأفضل طريق ونهج ولم يبق عليه سوى الضغط على الزناد الشعري مؤججا لحظة البرق الخاطف  والوهج الآخاذ ليعوم الحالة النضالية  وفعلا بدأ بإطلاق قصائده صوب أهداف منها الوطني النبيل ومنها المعادي

فيخاطب الرئيس بشار برمزية الفلاح وكم هو نبيل رمز الفلاح

ازرع فدتك النفس من فلاح

وانثر شمائل عطرك الفواح  

هذي غراسك أثمرت بقلوبنا

حبا وأشرق كوكب الإصباح

ويخاطب جيل الشباب برمزية وكأنهم أولاده

فلنبدأ بالزحف الآن

لنغير شكل الكروية

نصنع هندسة ثورية

بسلاح العصر

......

......

ياولدي يا فلذة كبدي

للشعب النصر

لن تركع ابدا لن تركع

نمضي لنقاتل عن بلدي

وتغني للمجد حرابي

وسأروي بدامائي ترابي

ليطل الفجر

ويخاطب الجنوب اللبناني عندما اجتاحته إسرائيل

......

.....

إني هنا باق أنا

وإذا قضيت

زغردي أم الشهيد

أولست من أرضعتني حب الوطن

وغدا ستعلو رايتي فوق الذرا

أولا فأرضي لي كفن

عاش الوطن ..عاش الوطن

وكانت لفلسطين وقضيتها المقدسة المساحة الأكبر ومما قال مخاطبا القدس :

أطلق الصبح آذانا من أنين

وشكى الناقوس مظلوما حزين

فإذا المحراب باك والكنيسه

وفلسطين تنادي أين أهلي

أطعموا شعبي هوانا
وغدا الحق مهانا

فوق شطآن العذاب

ملأ الجمر كؤوسه

وكما سبق وأشرنا كان خطابه موجها بطاقة إيجابية مبشرة تدعو إلى التفاؤل اليقيني بانتصار النهج المقاوم

وبذات الوقت لم يخل خطابه من تهديد ووعيد لرموز الشر العالمي

فيخاطب نيوجرسي وريغان وشارون وبوش بكل جرأة وتحد يليقان بسوري سليل نهج الشيخ المجاهد ورجالات الثورة العظماء داعيا إلى الممارسة الفعلية لنهج المقاومة مبشرا بدوران العجلة إلى الأمام

فلتعلموا يا سفلة

غدا تدور العجلة

فلتصنعوا في كل حي مجزرة

ولتجعلوا في كل سفح مقبرة

لكننا باقون

ملاحم لا تنتهي

ومن قصيدته القاضي الأعمى  قال مخاطبا بوش الابن وكيف يرى شارون السفاح

أيها القاضي تبصر

واصدر الأحكام قطعا

لتقل عدلا وحكما

فإذا الحاكم أعمى

نظر الأعمى بوجه الأفعوان

فرأى كل الأمان

وبعينيه سلام

بخلاصة بسيطة تمكن الشاعر وبحرفية تشي بتملكه لأدوات متقدمة وتجربة ناضجة  أن يلتقط الحدث العام ( الشيخ والثورة ) من الوسط الخارج عن ذاته (البراني) ويخصصه ويدخله إلى الحيز (الجواني ) ثم يعالجه في مخابر ذاته وأدواته ولغته ووجدانيات ذاته الشاعرة ثم يعيد إنتاجه  ويعممه ويعومه ويصدره إلى (البراني) الآخر بمقاربات شعرية فنية جمالية حقق فيها رسالة الالتزام الأدبي على المستوى الجمالي الإنساني العام وعلى المستوى الوطني الخاص

ماقدمته هو رأي انطباعي من متلق , يحتمل الصواب والغلط  لكن هو أقل مايمكن قوله بحق الشاعر المفن الصديق محمد حسن العلي وتقع ضمن المقالة التوصيفية للديوان وليس في الحالة النقدية  

محبتي وتقديري

حسن إبراهم سمعون