طابقان في عدرا العمالية.. شعارات وأمنيات … رواية بسيطة تتناول الحرب في سورية برؤية شابة

طابقان في عدرا العمالية.. شعارات وأمنيات … رواية بسيطة تتناول الحرب في سورية برؤية شابة

ثقافة

الخميس، ١٥ فبراير ٢٠١٨

 آلاء جمعة
 
«آه لو أغمض عيني وأفتحهما فأرى نفسي وقد مضى من العمر ما هو كفيل بتخفيف آلام قلوبنا جميعاً».
هذه الرواية الأولى لابن اللاذقية وبحرها الكاتب صفوان إبراهيم، حيث كان مقتل أخيه حيان في الرقة دافعاً له ليترجم عن آلامه وأحزانه المرة عبر هذه الرواية الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب ضمن سلسلة إبداعات شابة 2017م في 264 صفحة من القطع المتوسط.
 
ربما أرادها زمرة يأس ووجع تطهره من وطأة الألم والقهر بعد أن فُجع بوطنه أولاً وبأخيه ثانياً، رواية غير متشعبة المحاور تدور أحداثها حول أسرتين تسكنان في طابقين لبناء واحد في مدينة عدرا العمالية، عائلة أبي علي القادمة من اللاذقية وعائلة أبي الوليد القادمة من حمص، تربط أواصر إلفة ومحبة بين العائلتين وبين جميع سكان البناء ومما يزيد هذا التواشج هو عمل أبي الوليد وأبي علي في معمل واحد ولديهما الصداقة التي تعاظمت وتعمقت حتى وصلت للأخوة بلا أي مبالغة، فيعرض الكاتب تفاصيل حياتهما وصداقتهما ليوصل إليك حرارة ودفء هذه العلاقة الوطيدة التي سينتصر عبق أصالتها وسوريتها على كل الصعاب والمحن التي ستمر بها بسبب سفر وليد إلى بلاد الخليج وتطبّعه الوهابي الذي فتك بعقله وقلبه وجعله عدوانياً متشدداً ومنحرفاً عن فطرته السورية الطاهرة. لقد وصلت الأمور بوليد إلى مرحلة هي قاب قوسين أو أدنى من تكفير الناس! بسبب أفعالهم الطبيعية جداً! ولذلك وجدت من الضروري معالجة ذلك بسرعة، وبقسوة تشبه قسوة النبضة الكهربائية في الطب. وهنا يصور الكاتب المفارقة الكبيرة في حياة كلا الصديقين، حيث اتجه أحدهما لمتابعة تحصيله العلمي إلى السعودية بلاد التشدد ليزداد ظلاماً والآخر ذهب إلى روسيا ليزداد علماً ونوراً، ما ولد بينهما صراعاً كبيراً في القناعات ووجهات النظر واحتداماً شديداً بين النيروفيليا (تعشق الموت) عند وليد والبيوفيليا (تعشق الحياة) عند علي، حيث يمضي الكاتب في أغلب صفحات روايته وهو يصور لك سجالاً شديد اللهجة يدور بينهما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كل ينطلق من إيديولوجيته الخاصة أو المكتسبة بمعنى أدق عند وليد الذي يعكس رؤية متطرفة غرست براثنها في عنق سورية بلا رحمة تحت شعارات مؤدلجة سياسياً ودينياً استولت على عقل وليد بسبب طيبة قلبه فذهب مع التيار مغاضباً حتى أنقذته فطرته ومحاولات علي الكثيرة في إقصائه عما هو مقبل عليه حتى اللحظات الأخيرة التي دخل فيها مدينة عدرا مع «المجاهدين»، وهنا تحتدم الأحداث حتى تصل ذروتها فيخطف لك الكاتب أنفاسك مع أنفاس أهل وأصدقاء علي الذي يسرد لهم ما جرى بالتفاصيل التي خفيت عليهم، وأطلعه عليها وليد ليموت ميتة مشرفة وينصبون له ولصهره حيان خيمة العزاء تحت رغبة علي المجهولة لظن الجميع أن وليد هو قاتل حيان حتى يفاجئهم علي بالحقيقة فيترحم عليه والداه وهما مطمئنا القلب وقريرا العين، ثم يحمل لك في الخاتمة لحظة الرهشة الأخيرة التي تثير المشاعر وتهز المتلقي ليدرك في اعتلاج للمشاعر تطرب له وتشعر بشيء من اللذة والمواساة، وهكذا حاول الكاتب أن يختزل الأزمة السورية ويصوّر أطرافها المتصارعة فكرياً وسياسياً في بناء واحد بل في أسرة واحدة جمعت على الصداقة والقرابة والجيرة، أنموذجاً يشف عن تفاصيل روعة وسحر ودفء المجتمع السوري المتلاحم المحب الذي مهما حاول الآخرون تفكيكه ودس السم في نسيجه سيخرج من محنته قوياً صلباً يتكاتف قلباً مع قلب وروحاً مع روح حتى يعود كسابق عهده من الحب الذي به، وبالأمل سنصنع مستقبلاً أفضل يحمل النقاء والصفاء للأجيال القادمة وينفض عن كاهل وطنه جراثيم الحقد والغوغائية التي رُميت عليه قسراً وجوراً. رواية أوجز ما توصف به أنها محاولة صادقة لتسليط الضوء على جانب مهم من جوانب الأزمة السورية، وتركت جوانب أخرى لا يمكن حصرها وعدها ومقاربتها بسبب فظاعة الحرب واتساع ويلاتها ورواياتها المسجلة في ثناياها المنهكة للقلب علّ يكمل رصدها وحكايتها روائيون آخرون يحملون همّ هذا البلد ويخلصون له وينصفونه بأقلامهم فيترجمون آلامه بموضوعية تكاد تكون أسهل كلما بعد الزمن وصفا العقل من شوائب الحاضر فيبقى الجوهر ويذهب كل ما هو ذاتي وآني.
ومن أجواء الرواية: «لن أسمح لكم ولذواتكم الضعيفة ولنفوسكم الأمارة بالسوء التمتع بمنظرنا أذلاء نستجدي الحياة والعفو عن ذنب لم نرتكبه، إياك أن تدخل بيتي فيراك الأطفال ويتذكروا وجهك، لا أريدهم أن يموتوا وقد طبعت على مقل عيونهم صورة الجار الذي تحول من أخ كبير إلى كلب مسعور».