يُفتتح معرضه اليوم في «الآرت هاوس» … محمود شاهين: الجسد الإنساني العاري أنسب مواضيع النحت

يُفتتح معرضه اليوم في «الآرت هاوس» … محمود شاهين: الجسد الإنساني العاري أنسب مواضيع النحت

ثقافة

الاثنين، ٦ نوفمبر ٢٠١٧

وائل العدس

برعاية وزارة الثقافة، يفتتح الفنان النحات محمود شاهين معرضه الخاص في السادسة من مساء اليوم في «الآرت هاوس» بحي المزة بدمشق، ويستمر لغاية 19 تشرين الثاني الجاري بشكل يومي من السادسة وحتى الثامنة مساءً.

الخشب والحجر
اشتغل شاهين على مواد وخامات فن النحت كافة، لكنه توقف عند خامتي الخشب والحجر الطبيعيتين، في الأولى تشارك هو والطبيعة في إنجاز المنحوتة والكشف عن قيمها التشكيليّة والتعبيريّة، وفي الثانية استنهض هذه الجماليات البصريّة للجسد الإنساني العاري «لاسيما الأنثوي» لأنها الأنسب لاحتضان هذه الجماليات، وتتقاطع معها في محاور عدة.
فالحجر جاء من رحم الأرض التي تتشارك والمرأة في جملة من الوظائف والمهام، فمن الأرض ومن المرأة تنبثق الحياة وتتوالد مسببات استمرارها، لذلك هما صنوان في التضاريس والرموز والقيم النبيلة.
فقد كان الجسد الإنساني العاري برأي شاهين أنسب مواضيع النحت، ومازال الأثير لكل النحاتين في العالم وشغفهم الأول، لأن التعبير البصري الأقدر على التعبير عن الأحاسيس الاجتماعيّة للإنسان وإظهار قوته وحذاقته ورقته ورهافته، ولهذا أدمنت أنامل النحات عملية تشكيل مرتفعاته ووهاده وثنياته، تدفعها إلى ذلك رغبات صاحبها وصباباته المثقلة بالوجد الحسي، والانفعال الوجداني تجاه هذا الموضوع الحميمي، الوسيم، واللصيق بكيانه المادي والروحي، لأن الجسد طريق الروح وحاضن الحياة.

واقعي تعبيري
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» قال شاهين: تنطلق منحوتاتي من أساس واقعي تعبيري، لكن هذا الأساس لا يبقى في حدود الشكل، وإنما يتواكب فيه الشكل والمضمون، فالحالة التعبيريّة التي تتلبس شخصيات منحوتاتي تتساوق مع صياغتها التشكيليّة، وتنعكس بوضوح على كتلتها ووضعيتها، وطريقة بنائها، وملامس سطوحها، وهي بشكل عام تلتزم الواقعيّة الأكاديميّة، وتتحلل منها في آن معاً، بمعنى أنها مبنية على النسب التشريحيّة الصحيحة والسليمة، لكنها مختزلة وخالية من الثرثرة الشكليّة المعيقة للتعبير ومتانة البنية النحتيّة التي يجب أن تأخذ حضورها الراسخ في الفراغ، ضمن تكوين معماري مستقر ومدروس من واجهاته الست، ومن هنا يمكن التأكيد على أن الأساس الأكاديمي الصحيح ليس بالضرورة مقياساً للإبداع الفني التشكيلي، بدليل وجود عدد كبير من الفنانين المبعدين غير الدارسين أكاديمياً للفن، ومن هؤلاء البدائيين والسذج والتلقائيين والشعبيين والفطريين، وبعض إبداعات هؤلاء تتبوأ مراكز متقدمة في فنون العالم وحضارته.

خطوات مدروسة
وشدد شاهين على أن الإمعان في الغموض والعبث والتجريد الشكلاني، يحول العمل الفني إلى نوع من الطلاسم، لا يدرك معناها سوى صاحبها، ما يحولها إلى نوع من المذكرات الشخصية التي يجب أن تبقى حبيسة جدران محترف صاحبها، مضيفاً إن الفن الذي يخرج للناس يجب أن يكون للناس علاقة به، سواء في شكله أو مضمونه، وإلا كانت له انعكاسات سلبية على الناس وعلى الفن نفسه.
وأكد ضرورة ألا نقحم على ناسنا ما لا يرغبون ويريدون من الأساليب الفنيّة غير المفهومة لهم، أو المرغوبة والمتوافقة مع ذائقتهم الجماليّة، وإنما علينا استدراجهم إلى الحداثة بخطوات مدروسة، وعلى مهل، لأنهم مشبعون بثقافة البيئة المحيطة بهم، وهي ثقافة ليست دونيّة، وإنما تكتنز على الكثير من القيم الفنيّة والفكريّة والبصريّة الحقيقية والمفعمة بالصدق والنقاء الإنساني، يمكن الاستفادة منها وتدويرها في فنوننا المعاصرة بشكل جديد.

جسور ارتباط
من ناحية ثانية، أكد أنه يحرص على تضمين أعماله النحتيّة وكتاباته جسور ارتباط بينها وبين المتلقي على اختلاف سويته الثقافيّة، وبرأيه فإن العمل النحتي يجب أن يكون مفهوماً ومقروءاً من أغلبية الناس وإلا فانه سيشكل رد فعل عكسياً، لافتاً إلى أن هناك بعض الأعمال النحتيّة المغرقة بالتجريديّة أو بالعبثيّة الغامضة وغير المفهومة ما يبعد الجمهور عنها.

الإبداع الإنساني
وأشار في حديثه مع «الوطن» أن على الإبداع الإنساني على اختلاف أشكاله وتقاناته أن يعمل على تكريس الجانب الخيّر من الحياة، بالانتصار للجمال، وإزالة البشاعة منها، والوقوف في وجه الدمار والخراب والاستغلال بأنواعه وأشكاله كافة، والعمل على تقديم أسباب دائمة للناس من أجل حب الحياة وصونها والاستمرار فيها.

حضور خجول
ورداً على سؤال، أجاب شاهين: الحضور الخجول لفن النحت في الحياة التشكيليّة، حالة عامة تنسحب على التشكيل السوري والعربي والعالمي، لأسباب كثيرة، أهمها أن النحت يتطلب موهبة بارزة، وقدرات جسديّة، وخامات ومواد وأدوات وعُدداً، إضافة للمكان المناسب المجهز بمتطلبات إنجاز المنحوتة، وهي مكلفة الثمن، وليس بمقدور أغلبية النحاتين تأمينها، ما يجعلهم يشيحون عن النحت، ويتوجهون إلى ممارسة فنون أخرى أقل تكلفة، وفي مقدمتها اللوحة الثرية بالألوان، المطلوبة والمرغوبة من العين العربية، خلافاً للتمثال أو المنحوتة.

محمود شاهين في سطور
مواليد مصياف 1948، حاصل على إجازة في الفنون الجميلة «اختصاص نحت» جامعة دمشق، ودكتوراه في النحت والنصب التذكاريّة من المدرسة العليا للفنون التشكيليّة في مدينة دريسدن بألمانيا.
شغل رئيساً لقسم النحت بكلية الفنون الجميلة بدمشق من عام 1994 وحتى 2007، ثم عين نائباً لعميد كلية الفنون الجميلة للشؤون العلمية. منذ عام 2009 وحتى عام 2012 شغل منصب عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق. عام 2015 عاد ليشغل هذا المنصب مرة ثانية ولا زال فيه حتى الآن.
أقام العديد من المعارض الفنيّة الفرديّة، وهو مشارك دائم في المعارض الجماعيّة. نفذ العديد من النصب التذكاريّة الكبيرة في سوريّة، ويعمل في الصحافة السوريّة والعربيّة منذ مطلع السبعينيات وحتى الآن.
وضع مئات الدراسات والأبحاث النظريّة حول قضايا الفنون التشكيليّة المعاصرة وأصول تدريسها ومناهجها العمليّة والنظريّة والصيغ المثلى لمبادئ مسابقات القبول في كليات الفنون الجميلة بالوطن العربي، وأهم الفنانين التشكيليين السوريين والعرب والعالميين، وقام بنشرها في عدد من الدوريات المحليّة والعربيّة.
صدر له عدد من الكتب حول الفن التشكيلي السوري والعربي، والمناهج التدريسيّة لمادتي النحت والخزف. شغل منصب أمين تحرير مجلة «الحياة التشكيليّة» الصادرة عن وزارة الثقافة، ثم شغل منصب رئيس تحريرها.