نقد.. حين تكون خيانة الوطن أبشع من الحرب

نقد.. حين تكون خيانة الوطن أبشع من الحرب

ثقافة

الأربعاء، ٢٦ أبريل ٢٠١٧

يقول المفكر والفيلسوف الإنكليزي التنويري «جون لوك» الذي عاش في عصر الأصوليات المتعصِّبة: «حالة الحرب هي حالة من العداء والدمار، فإذا أعلن أحد، قولاً أو فعلاً، عن تصميمٍ راسخٍ ومتأنٍ، وليس بانفعالٍ أو تسرُّع،

 

نيّته في القضاء على حياة شخصٍ آخر، فإن هذا يجعله في حالة حرب مع من أعلن أنه ينوي القضاء عليه. هنا يجوز للآخر تدمير من قرَّر القضاء عليه أو ناصبهُ العداء. تماماً كما يجوز له أن يقتل الحيوانات التي تهاجمه. الحيوانات الشرسة والمفترسة التي لا يحكمها قانون العقل، وإنما مبدأ القوة والعنف. يجوز له قتلها لأنها خطرة وقاتلة في قدرتها على تدمير من يقع في قبضتها».‏

إنه مفهوم الحرب لدى مفكرٍ رأى بأن من حق الإنسان أن يدافع عن نفسه عندما يتعرض لهجومٍ عنيف من شخصٍ ينوي القضاء عليه وتدميره أو إرغامه على البقاء تحت سيطرته المطلقة.. أي، جعله عبداً له.. مسلوب الإرادة والقدرة على التفكير وتقرير المصير والحرية.‏

نعم، الحرية، التي رأى بأنها تكمن في احترام المبادئ الأخلاقية والعقلية والسلوكية، وبأنها لا تعني أن يكون الإنسان حرّ التصرف كما يشاء، ودون أي قانون أو سلطة، وإنما أن يكون محكوماً بقانون عقلاني هو قانون الطبيعة الذي ينطبق على كل البشر. أيضاً، بالسلطة التشريعية التي تحكم المجتمع الذي يعيش فيه، وحسب الثقة التي تمنحها له، وتجعله يفهم الحرية ويمارسها دون أن يكون «خاضعاً للإرادة الاعتباطية، المتقلبة، غير المعروفة وغير الثابتة، تماماً مثل حرية الطبيعة التي لا تخضع لأي قيد سوى قانون الطبيعة الذي هو كالسلطة التشريعية للإنسان، فالحرية لا تعني الإباحية وإنما المسؤولية. فالله زودنا بالعقل والحرية لكي نستخدمها بشكل صحيح لابشكل خاطئ. والقانون الطبيعي الذي يحكم البشر قائم على العقل، وهو ذو أصل إلهي».‏

أيضاً، يقول الفيلسوف البريطاني «جون ستيوارت ميل» المعروف بدفاعه عن حرية الإنسان ومبادئه التي يرى بأنها الأسمى في عدالتها وتنوعها وعقلانيتها. يقول عن الحرب:‏

«الحربُ شيءٌ بشع، لكنها ليست أبشع الأشياء التي نشهدها أو نسمع عنها، فالشعور الإنساني والأخلاقي والوطني الفاسد والمُهين، بأن لا شيء يستحق القتال من أجله، هو أبشع وأسوأ وأكثر فتكاً وفظاعة من الحروب مهما حصدت أرواحاً وانتهكت حقوقاً وأراقت دماءً».‏

قال هذا، مطالباً الإنسان، بإعمال عقلهِ حتى في بحثه عن الحرية. المصطلح الذي كان أول من طوَّر مفهومه القديم والمحدود في اعتباره تحرراً من العبودية. طوَّره نحو حرية الفكر التي بإمكانها أن تحمي الإنسان من طغيان الرأي وفرض الأفكار والممارسات الخاصة، وبما أكده بقوله:‏

«تتضمن الحرية الإنسانية، حرية الفكر والمشاعر. الحرية المطلقة للرأي والعاطفة، وفي كل المواضيع العلمية منها أو التكهنية أو المعنوية. أيضاً، حرية الأذواق وتصميم خطة حياتنا بطريقة تتناسب مع الأشخاص ولا تعارض أو ترفض حرياتهم وأفكارهم».‏

فيلسوف بريطاني آخر، هو «برتراند راسل» كره الحرب ورأى بأنها قمة الجنون، ولم يتوقف عن فضحها والتنديد بها، والدعوة للسلام العالمي، وقد استمد من «جون لوك» و«ستيوارت مِل» وغيرهم، بعض المبادئ التي أعلنت رفضه للحرب، ودفاعه عن الحرية.. طبعاً، الحرية غير الفوضوية، والقائمة على تطور وانفتاح الفكر بما يرتقي بالإنسان والأخلاق.‏

الحرية.. التي هي في النهاية، حرية الفرد في أن يختار ما يراه مناسباً له، وبعقلانية مشبعة بروح التنوير، لا بعشوائية أو عدوانية أو أنانية أو سوى ذلك مما لايقود إلا للتقهقر وبثّ الأفكار الرجعية.‏