«محردة من المغارة إلى الحضارة» عندما تقرع أجراس المشرق تعلن مدينة محردة بدء التاريخ

«محردة من المغارة إلى الحضارة» عندما تقرع أجراس المشرق تعلن مدينة محردة بدء التاريخ

ثقافة

الاثنين، ١٠ أبريل ٢٠١٧

صبا العلي

قد تأخذ المقولة الشائعة «التاريخ يخطه المنتصر» بعداً آخر لدى أهالي مدينة محردة السورية التي تتوسط المنطقة الوسطى بينما عمرها الزمني موغل في القدم حيث تشكلت تجربة الأخوين إلياس ومحفوض فائز بيجو في جمع وتوثيق وتدوين تاريخ مدينتهم محردة السورية التي عشقا ترابها وشربا من مائها واستنشقا هواءها فسكنت ضميرهما ولم تغادر فكان خيار المواجهة بالبقاء والبدء بكتابة تاريخ مدينة قرر أبناؤها الذود عن حياضها بصدور عارية وقلوب دافئة ووعي وطني يعيد للمقولة حقيقة جديدة وهي أن من يخط التاريخ لابد أن ينتصر.

بين الغاية والهدف تسمو الوسيلة لنصل إلى منتج يعبر عن حقيقتنا مكتوب بأيد سورية، هكذا عبر الياس فائز بيجو عن تجربته في كتابه «محردة من المغارة إلى الحضارة» وما تجلى من تطورات كبيرة نقلت محردة نقلة كبيرة ميزتها من بلد صغير في عالم تاريخي كبير وما نتج عنه من حركة ثقافية وعلمية ورياضية وفنية، أنها أول محاولة لتوثيق اللحظات الأولى لقدوم الإنسان إلى محردة مرورا بمراحل تاريخية مختلفة تتطرق إلى بعض الجوانب العمرانية والثقافية والدينية والهدف البعيد هو الإصرار على البقاء في ظروف الأزمة لمواجهة مشروع التهجير بترغيب من الغرب وترهيب من الإرهاب، فمدينة محردة كبرى المدن السورية واجهت سبعة آلاف قذيفة بصبر وإصرار على البقاء وأطلقت اليوم قنبلة من نوع خاص وهي كتاب «محردة من المغارة إلى الحضارة».
وأوضح بيجو لصحيفة «الوطن» أنه تم جمع معلومات تعود إلى مليون عام مضى مجريا عملية تقاطع بين المعلومات المرئية والمسموعة والموثقة لتكون أقرب إلى الواقع وتشكل عماد العمل بشكل يمنحه الصدق والشفافية من مقدمة وتسعة فصول مزود بنهايته بقائمة بالمصادر والمراجع المعتمدة، الفصل الأول قدم لمحة جغرافية ومدلول اسم المدينة التاريخي وباقي الفصول تحدثت عن الحركة المعمارية والأماكن الدينية والأثرية كما بحث في الحركة التعليمية والثقافية فقدم دراسة ديموغرافية للمدينة التي لم تكن منسية يوماً إنما غفت على صدر التاريخ قبل أن توقظها انطلاقة بطلات رفعن اسم سورية عاليا كغادة شعاع بطلة العالم لألعاب القوى الفائزة بذهبية دورة الألعاب الأولمبية في أتلانتا وفوزية ديوب أبرز سيدات محردة وبطلة كرة الطاولة، وأبرز فصول الكتاب الفصل الثالث الذي خصص للأماكن الأثرية والدينية القديمة وأهمها كنيسة سيدة النياح وبناؤها وأيقوناتها، حيث الأعمدة الكورنثية المتبقية من الحضارة الكورنثية والنقود الثمانية عشر الفضية السلوقية التي تخص الأباطرة السلوقيين ومنهم أنطيوخوس الرابع وديميتريوس وكليوباترا من ضمن اللقى التي تعد كنزا للمدينة، وأدوات كالشظايا الحجرية وأدوات صوانية من العصر الآشولي الأدنى والتي تعود لمليون عام مضى. بينما تحدث الفصل الخامس عن الشرائح المجتمعية والمؤسسات والأحزاب السياسية أما الفصل التاسع فاحتوى السجلات والملاحق الخاصة بالمدينة والمعتمدة في عملية البحث والتوثيق.
الكتاب قدم رؤية جديدة عن تاريخ المدينة المنثور وجمعه بين دفتيه بدءا من موقعها الجغرافي المحاط بأماكن تاريخية كموقع القرماشي وموقع اللطامنة، وأدمجت الدراسة بين الجغرافيا وحياة السكان وواقعهم المعيشي والزراعي عبر التاريخ والأثر السيكولوجي في تكون طبائعهم وتوجهاتهم الاقتصادية على مدى العصور وحتى يومنا هذا.
د. أيمن درويش وبسام السنكري اللذان رافقا بيجو خلال مراحل العمل أكدا خلال حفل توقيع الكتاب الذي تم ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي المحرداوي انه يعزز أصالة السوريين عبر العصور وخصوصاً في زمن الهجرة والحرب التي تدار على سورية متجاوزا كل الصعوبات والمعوقات التي رافقت انجازه، ليكون مرجعا للأجيال القادمة تستعين به لمعرفة تفاصيل المدينة وتاريخها المقاوم مثبتا بالصور الاعتداءات الإرهابية التي طالت المدينة, وخصص ريع الكتاب لأسر الشهداء وجرحى قذائف الحقد التي طالت المدينة وتركت جراحا لا يدملها إلا عمل مماثل يحاكي تجربة الأخوين بيجو لكل المدن السورية التي لم توفرها الحرب الظالمة. إنجاز الكتاب في ظروف مادية وأمنية صعبة شكل انعطافة ثقافية كبيرة وأسلوبا من أساليب المواجهة للحرب الكونية التي تشن على سورية وهو أن يخط أبناء الأرض تاريخهم ويجمعونه بأيد سورية.
ورأى الباحث د. جودت ابراهيم أن الكتاب مهم جداً لجمع وتدوين تاريخ مدينة محردة كمدينة سورية تعود إلى عصر المغاور من جهة وللسوريين كنموذج يحتذى لكل المدن الأخرى من جهة أخرى مدعوما بالوثائق والصور والمخطوطات واللقى ذات الصلة ما منح العمل الدقة والموضوعية والأمانة العلمية والتاريخية.
يغوص الكتاب في تفاصيل المدينة ويحاكي أزقتها القديمة الضيقة وجدرانها الثخينة القوية المحمية، ففي كل زاوية من زواياها قصة حضارة وأغنية تراث ولباس خاص وحلي تشرح طبيعة وطيبة أهل المنطقة… بيوت من الحجر والطين مؤلفة من طابق واحد متلاصقة ببعضها ومتصلة بممرات مطورة كوسيلة للحماية من العدوان مشابهة للبيت الرافدي القديم وأبواب خشبية ضخمة وباحات واسعة مرصوفة بالحجر الطيني أو البازلت الحجري، أما موقد النار «الأثافي» فيروي كرم وعطاء الأم المحرداوية عبر السنين، والمطبخ وأوعية الفخار وصف حميمي للمنزل القديم يعكس صورة كل المنازل التي سادت قديما ولا تزال شاهدا على التاريخ فالغرف ترتفع 4 أمتار مسقوفة بالخشب المكسو بالطين منعا لتسرب الأمطار شتاء ومطلية بالكلس صيفا منعا للحرارة تفاصيل تدعونا بقوة لمتابعة محتويات الكتاب حيث مزج بيجو بين المادة العلمية والتشويق والعاطفة الوطنية بأسلوب سردي شفاف يلامس الأدب والقص الروائي فحمل الكثير من صفات الباحثين بالرغبة الجامحة بالبحث العلمي في تداخل بين الشك واليقين وعدم إطلاق الفرضيات إلا بناء على معطيات مؤكدة.