عالية النعيمي شاعرة رسامة شابة وأول سورية تتقن الزخرفة العجمية

عالية النعيمي شاعرة رسامة شابة وأول سورية تتقن الزخرفة العجمية

ثقافة

الاثنين، ١١ أبريل ٢٠١٦

سوسن صيداوي

السعي للفرح وإدخال الأمل في قلب النفوس والتمسك بالجمال ونشره بالطريقة المثلى دفع عالية النعيمي لتكون شاعرة ورسامة مثابرة وطموحة بجد كبير نحو الحب للطبيعة وللكلمة وللألوان مع التحف والتراث، وبمناسبة إقامة معرض تشكيلي مع توقيع كتاب «ندى النار» كان لنا اللقاء التالي.

العلاقة مع الألوان الممزوجة بالكلمات
على الرغم من الاجتهاد والتفوق في الثانوية العامة الفرع العلمي إلا أن الميول الأدبية والتمتع الكبير في القراءة مع الانسجام بالكتابة إضافة إلى السير في طريق الإبداع والتمتع بحريته وتنوعه كانت اختياراً لمستقبل ظهرت ملامحه منذ نعومة الأظافر. تقول عالية النعيمي: «أنا خريجة في كلية الفنون الجميلة وهذا الاختيار كان عن محبة وخاصة أنني حصلت على الشهادة الثانوية الفرع العلمي ولكن اهتماماتي أدبية وتتعلق بالتاريخ والأدب والحاضرات القديمة، وكانت هواياتي منذ الصغر الرسم، وفي عمر الثانية عشرة تعلمت الرسم على الحرير والرسم على الزجاج، وكنت أستمتع جداً بالرسم على كل شيء لدرجة أنني قدمت تذكارات للأصدقاء عليها رسوماتي، أما بالنسبة للشعر فحكايتي معه ابتدأت من عشقي للقراءة التي بدأتها وأنا في الثالثة عشرة وأول ما قرأت كان للشاعر نزار قباني وطبعا تأثرت به كثيراً وأصبح يوحي لي كيف أعبر عن داخلي وبدأت بخواطر صغيرة أشعر بها، ومن هنا بدأت علاقتي بالكلمة تتطور، والشعر تطور معي بالتدريج وكان لدي مدرس يشجعني إذ كان يقرأ كل ما أكتبه وكان يقول لي: أسلوبك يناسب الرواية فابدئي بالرواية وبالفعل بدأت برواية ولكن مع الوقت تعبت منها لأن الرواية تحتاج إلى صفاء ذهني وتسلسل بالأحداث ومع الوقت شعرت بأنها ليست بمجالي وخاصة أني أحب أن أكثف المشاعر بقصيدة لا تتجاوز الصفحة أو الصفحتين في حين الرواية تكون تسجيلية للأحداث بعكس الشعر الذي يتمتع بالخيال والصور لذلك بقي الشعر الأقرب إليّ».

ما نتأثر به ينعكس على ما ننتجه
هناك عوامل كثيرة تؤثر في مسيرة الفنان وخاصة ما يناسب منها شخصيته ويرتبط مع دفء مشاعره وصدق تصورها وما يستهويه أو ما يلفت انتباهه من صور عدة سواء كانت اجتماعية، أم ثقافية، أم عاطفية أم حتى تاريخية. تقول عالية النعيمي: «بالنسبة لي أنا تأثرت كثيراً بالشاعر نزار قباني وفي طريقته بالتعبير وتعلمت منه كيف يتقمص شخصية المرأة ومشاعرها، وقلت لنفسي ولماذا لا أعبر أنا أيضاً عما بداخلي وما أراه أو حتى ما أسمع عنه، وطبعا ما عزز قدرتي على كتابة الشعر هو القراءة وفي ذلك الوقت اعتدت أن يكون في جيبي قائمة بالكتب التي أريد قراءتها، كما أنني قرأت عن كل الاتجاهات الشعرية الحديثة والقديمة كما قرأت من كل أنواع الشعر، حتى إنني كونت مكتبة بعمر صغير جداً».

كتاب «ندى النار»… الوليد الخامس
على الرغم من كل شيء، الحياة لا بد أن تستمر والمثابرة هي مفتاح النجاح للوصول إلى طموح وحلم مزروع في جوانب الطفولة، وطبعا كل شيء يتغير وهو قابل للتطور إذا تم التحلي بمرونة الاكتساب. عالية النعيمي: «في كتابي ندى النار» أحاول أن ألخص فكرة أن المعاناة هي المحرض على الإبداع وعلى الرغم منها فإنه على الأشخاص أن يحاولوا البحث عن الأمل وأن يقنعوا أنفسهم بأن هناك فرحاً وبضرورة أن الحياة ستستمر وبأنه لابد لنا أن نعرف الطريقة الأفضل للعيش، على حين كتابي «عزف الشجون» تم إصداره في عام 2009 وشمل كتاباتي التي كتبتها وأنا في الثالثة عشرة وأنا أحببت نشرها رغم الضعف الذي فيها لأن المشاعر التي بها قد لا تتكرر عند شاعر بعمر الأربعين حيث عبرت عن مشاعري وهمومي في ذلك الوقت وعن الاحتياجات الخاصة لطفل أو مراهق في ذلك العمر، وبالنسبة لكتابي «ترانيم قوس المطر» كان أيضاً من كتابات كتبتها وأنا بالرابعة عشرة من عمري وكان متنوعاً بالمشاعر كألوان قوس قزح حتى إنني أضفت له جزءاً من عاطفتي بالأمومة، والجزء الأخير فيه كان عبارة عن مراثٍ لقمم في الشعر لـنازك الملائكة، ومحمود درويش، ونزار قباني، على حين كتابي «أوتار الجوى» عام 2012، الطابع الإجمالي فيه حزين بسبب ما يدور بداخلي في هذه المرحلة من صراعات داخلية وهموم لذا يستشف منه الألم، وأخيراً كتابي «رفيف الوجد» 2013 هو مرحلة من التفاؤل ومن أمل جديد والتعافي مما سبق وفيه تتغير القناعات، كما أنه يصور كيف نرى الأشياء بطريقة مختلفة وفيه يظهر جلياً أنني بدأت بالتصالح مع نفسي وبدأت أشعر بنضوج الحب في داخلي مع حبي الكبير للحياة».

الطبيعة هي أم الكلمة والنظرة؟
الطبيعة بكل ما تحتوي عليه من فصول بألوانها وكائناتها كانت منبعا للكثير من المشاعر والأحاسيس للجميع بشكل عام ولذوي الأحاسيس المرهفة لمن هم فنانون بشكل خاص، عالية النعيمي «لقد تأثرت جداً بالطبيعة سواء بالرسم أم حتى بالشعر، فهي ببساطة تقدم لي الراحة النفسية ومنذ طفولتي أجد نفسي مستغرقة بالاستسلام لها ولسحرها سواء بالاستمتاع بالمناظر أو حتى بلمس أوراق الشجر أو المشي على الحشائش، كما أن الكتاب لم يكن يفارقني حتى في الرحلات وكنت دائماً أقطف زهرة وأجففها في الكتاب، لهذا أنا لدي في منزلي مكتبة تشمل الكتب وبداخلها الزهور والورود المجففة إضافة إلى التحف الصغيرة».
في زمننا… أصبحت التكنولوجيا أسرع من الكلمة
في زمن أصبح كل شيء مربوطاً بالتكنولوجيا وكل من لا يواكبها فهو دقة قديمة أو أميّ الثقافة، في هذا الزمن أين أصبح الشعر؟ عالية النعيمي: «الشعر يلامس النفس وهذا أمر مؤكد ولكن في وقتنا الحالي هناك انفصام وذلك بسبب الاعتماد على التكنولوجيا واستقبال كل المعلومات عن طريقها حتى لو أراد شخص القراءة نجده يقرأ من على النت ولا يحمل كتابا وبالمقابل هناك قسم له علاقة حميمة مع الورق والكتب، وأتمنى أن يبقوا مواظبين وخاصة في ظل هموم الحياة التي تمنع المرء من اقتناء أمور يحبها فمثلا بدلاً من اقتناء كتاب يستبدل به الغذاء لعائلته».

الشاعر السوري يفتقر للدعم
الإهمال وانقطاع الشهية عن دعم كل ما هو منتج سوري مميز أصبح عادة متأصلة لدى الكثير من الجهات المعنية وللأسف الشديد أصبحت كالمرض المتوارث عبر الأجيال حتى إنه من الصعب لمس التعاون وحسن الدعم لبث روح المثابرة بالأداء هذا بشكل عام، فكيف هي الحال مع الشاعر السوري؟ عالية النعيمي: «الشاعر السوري مميز عن غيره من الشعراء العرب فهو يمتلك مشاعر رقيقة وطباعاً مختلفة وحتى مواضيعه فهي تعبر عن انفتاحه واعتداله فهو ليس بمتسلط بأفكاره، الأمر الذي يمّكنه من كتابة مواضيع جداً متنوعة، لكنه يحتاج إلى من يقدر ذلك من خلال الأنشطة والملتقيات وأن يتوافر فيها تشجيع مادي، كما نحن بحاجة إلى مؤسسات ترعى الإبداع، وللأسف الشديد يتم النشر على الحساب الشخصي للشاعر والريع لا يغطي الكلفة أبداً، ولا بد من ذكر مشروع جميل جداً قام به المركز السوري لرعاية الإبداع حيث قام بنشر لعشرة شعراء أو كتّاب ضمن كتاب واحد لهذه المجموعة ولكل واحد مجموعة من الصفحات مقابل كلفة بسيطة كما يأخذ عدداً من النسخ ويصل إلى الهدف بالوصول إلى الجمهور من خلال تسويقه ومشاركته بالمعارض مما يشجعه على أن يكرر التجربة مرة أخرى».

الرسم ينبع من الداخل
مزاجية الألوان والتعلق بها في المحبة أو الكره هو أمر شخصي ومتغير وعلى الرغم من اختلافنا لابد لنا من أن نلتقي لنوافق على بعض الألوان أو الرسومات. عالية النعيمي: «الرسم لا ينفصل عن الداخل واختياري للألوان نابع من رغبتي في الحصول على الفرح والأمل، والألوان بطبيعة الحال تأثر في النفسية وتنعكس عليها، فمثلا أنا لا أستطيع ارتداء اللون الأسود لأنني أشعر بالبرود، وبالنسبة لي الرسم تحكمه حالتي النفسية، فمثلا إذا الموضوع في اللوحة لم يستهويني فإنه يأخذ من وقتي شهوراً بعكس إذا ما كان الموضوع أحبه ومتشجعة له فلا يستغرق مني أياماً أو حتى ساعات، كما أنني من عائلة لديها لمسة فينة فالبعض من أفراد عائلتي يعملون بالديكور والهندسة وبالشرقيات والصدف ووالدتي كانت ترسم وكنت أرى رسوماتها وأحاول تقليدها، ثم بدأت الرسم بخامات مختلفة حيث رسمت على الخشب والزجاج والحرير كما أنني تأثرت جداً بالشام القديمة وأصبحت عاشقة لمبانيها ولحاراتها ولكل ما يتصل بها».

سورية تتقن زخرفة العجمي
عشق الجمال والتراث ومحبة الكلمة وصدق التعبير عنها مع اختيار أن تكون الريشة والألوان أصدقاء قادرين على تحسين المزاج هي عناصر اختارتها الشاعرة والرسامة «عالية النعيمي» مضافاً إليها الحب الكبير لشام الياسمين ومعها كلها قررت التعاون مع الطموح لتحقيق الحلم على الرغم من أنها أنثى، ورغم صعوبة ودقة زخرفة العجمي واحتكارها كمهنة من الرجال إلا أنها أتقنتها ولم تحتكرها كما يفعلون بل حاولت أن تعلمها لكل من هو راغب في تعلمها. عالية النعيمي: «من محبتي للبيوت الدمشقية القديمة أحببت زخارف العجمي والتي هي بالأصل فن ثمين، وباعتباره نافراً فهو يحتاج إلى الكثير من الدقة والصبر وإلى مراحل طويلة من العمل فهو يدوي بالكامل ولا يمكن إنجازه بوساطة آلة كما أنه ثمين جدا، لهذا أقمت ورشة في دار الأسد للثقافة والفنون في دمشق للناس كي لا تنقرض هذه المهنة الثمينة وهي محتكرة ضمن أسر معينة وليس من السهل اكتسابها أو تعلمها كما أن أدواتها غالية الثمن، ولكن ما هو مخيب للآمال أن هذا الاختصاص كان موجوداً بمعهد الفنون التطبيقية وللأسف الشديد قد ألغي، نعم هناك تقصير كبير، وأنا الأنثى الأولى بهذا المجال وكنت حاولت الحصول على محترف بسوق المهن اليدوية ولكن للأسف وعلى الرغم من أنني أبديت استعدادي لتعليم النساء وخاصة في ظل الظروف الراهنة ولكن لم أجد تجاوباً مع هذا المشروع».