تداعيات قارئ سكران.. بقلم: محمد خالد الخضر

تداعيات قارئ سكران.. بقلم: محمد خالد الخضر

ثقافة

الخميس، ٢٦ نوفمبر ٢٠١٥

قال أبو الطيب المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس حرة
بلغت من العلياء كل مكان
بهذين البيتين تأثر القارئ والشاعر أبو شعر المنهوك فراح يأخذ رأي صاحبه وزميله ويسأله عن طريقة يمكن أن يسعفه بها ليساعد صاحبته كي تكون شاعرة ثم تتجه إلى الحصول على عضوية اتحاد الكتاب العرب.. ونظراً لحصافة الرأي عند صاحبه نصحه أن يكتب لها ويكسب ودها ثم يزجها في الأمسيات ثم يدعو الإعلام ليغطي لها.. وأنتم تعرفون أن الإعلام لا يخيب دعوة الداعي ولا سيما إذا كانت امرأة صاحبة قدٍّ ممشوق.. وفعلها الموما إليه وراح يكتب لها هنا وهناك ثم أخذ بمجموعتها إلى دار بطل أبو لحية وأصدر كتابا ولا أعتقد أن الكتاب مر على مؤسسات رسمية فالأخير هذا لم يترك امرأة شاردة عن بيتها إلا ونشر لها كتباً ومؤلفات.. وأصبحت المخلوقة شاعرة وصارت شاشات التلفزة تستضيفها والبرامج تحتفل بها والأسواق أصبحت عامرة بحضورها ابتداء من سوق المطاعم إلى سوق الخجا إلى ما أشبه ذلك.
وفي واقع الأمر كل منظومة ثقافية مثقوبة أصبحت لها سبل للنجاح في هذا الزمن الانكشاري.. أبو شعر لم يقتصر على واحدة بل شجع الكثيرات الكثيرات وأصبحن عند الانتهاء من كل برنامج تلفزيوني أو أمسية يصنعن من أصابعهن رقم سبعة ويرفعن شارات النصر.
إلا أن الواقع مرير فلا شارات النصر نافعة ولا أبو شعر يتمكن من تمرير اللعبة للأخير.. الشعر قادر على إثبات وجوده وإن كانت القضية متآمرة على نفسها خلال الحرب الغاشمة على سورية فإن أمثال أبي شعر وغيرهم سيلقون مصيرهم أن لم يكن في هذا الزمن فالتاريخ كفيل بتلطيخ جبينهم بالعار.
وقبل أن تتمكن الحسناء من الوصول إلى عضوية اتحاد الكتاب العرب مع مثيلاتها اكتشف زوجها هذا الثغاء الذي تشتغل عليه زوجته مع مثيلاتها هو طعن بالضمير فكان ما كان وجرى ما جرى.. ولكن يا جماعة أنا لا ألوم أبو شعر ولا أمثاله فمثله لا يضيع فرصة تعطى له على طبق من ورد.. وفي النتيجة لا هو يدرس نتائج فعلته ولا الذي ولاه، ولعل تلك القطعان المتشابهة جعلت كافة الطحالب تغزو جدراننا وكافة العناكب تعشش على زوايا منازلنا وأصبح الشعر بلا شعور والأدب بلا أدب، فالذي يؤتمن على أمر ويفضح سره كالذي يكشف عوراته ويشهرها سلاحاً ويسر بها على قارعة الطريق لأن النتيجة لا تخص فرداً بل ستؤذي المجتمع ثم تؤذي الدولة والناتج ضد الوطن وهي أمور بسيطة إذا فعلناها تصوننا وتحصننا ونساهم في بناء لبنة حقيقية لتقوية بلدنا ووطننا.
وإن هذه المصيبة شملت كثيراً مد جرحنا الدامي فأصبح الكثيرون يجربون قرائحهم ويذهبون مصدقين أنفسهم إلى اتحاد الكتاب العرب ووزارة الثقافة والمراكز الثقافية ويطرحون آراءهم وعلى الآخر أن يمتثل لهم ويعتقد قناعة شنعاء بآرائهم الأكثر شناعة وصفاقة ورداءة وإلا فستنهال الكوارث من كل صوب، فالآن أصبحت الوسائل الإعلامية تنشر أشياء على أنها ثقافة وشعر وفي النتيجة هي لا تمت بصلة إلى أي شكل أدبي، ولعل هؤلاء أيضاً من أنصار أبي شعر ويتولى دعمهم كل من يفتح مجالاً للثقافة وهي عوراء لا تمتلك نوراً ولا ثقافة ولا منهجاً.. وأذكر أن أيام زمان كنا اعلى شعر حقيقي نعقد سهراتنا ونشيد ندواتنا ونرفع رؤوسنا لكننا اليوم نرفع أصابعنا منتصرين بخيبتنا أو مهزومين بقدرتنا الجامحة وجرأتنا الوثابة على قتل الحقيقة والحق فلا شعر على الساحة ولا شعور، ومن أين نجده إذا كان الأمر أصبح يقاس بسهرة وجلسة وكأس ولمَ لا فمدمن الحشيش والمخدرات لا يجد أمتع من ذلك ما دامت هناك فرصة (ولا من شاف ولا من دري).. والذين يقومون بالتغطية الإعلامية جاءت الفرصة إليهم فإن غطوا لأكثر منهم ثقافة لن يناموا الليل ستداهمهم الكوابيس والأشباح لأنهم يعتقدون جازمين أنهم إذا تعاملوا مع مثقف حقيقي أو شاعر حقيقي قد يأتي إلى مكانهم.. ولعلمكم نحن تعرضنا لكثير من الكوارث التي قضت بانشقاق الذين عزلوا من أماكنهم أو أخذت منهم زواياهم الثقافية فإن ما وصلوا إليه يعتبرونه إرثاً من أبيهم وجدهم ولا يمكن لغيرهم أن يصل إليه وعندما حصل ذلك الآن منهم من هو في تركيا يعيش طقوس العار ومنهم من هو في مكان آخر.