كاتبات تحدين الواقع … تاريخ يكتب قصصاً لنساء رفضن الصمت  في عتمة الكون عالمياً وعلى المستوى العربي

كاتبات تحدين الواقع … تاريخ يكتب قصصاً لنساء رفضن الصمت في عتمة الكون عالمياً وعلى المستوى العربي

ثقافة

الخميس، ٢٢ أكتوبر ٢٠١٥

ديالا غنطوس :
إنهن هنا.. ثائرات، متمردات، مناضلات، كاتبات، فنانات، نساء تحدين الواقع ولم يستسلمن أمام القيود والمحظورات المجتمعية، فأطلقن العنان لأحلام لطالما داعبت خيالهن، وصرخن بأصوات من حرير، ليجعلن من القيد الحديد، سيفاً يرفض لقب العبيد، فثارت الدماء في الوريد وتحولن إلى كل ما تهوى منهن… وما تريد.
يثبت الواقع يوماً بعد اليوم أن الإرادة هي السبيل الوحيد لنيل المراد، ويكتب التاريخ يوماً بعد يوم قصصاً لنساء لم يقفن بصمت أمام السلطة الذكورية أو المجتمعية، بل كافحن بشراسة لترسيخ الفكر والإبداع في مختلف المجالات.

رفض القسوة الذكورية
تجسد هذا التمرد والكفاح الأنثوي في الروائية والشاعرة الإنكليزية الرائدة شارلوت برونتي إحدى أيقونات الأدب والتي تركت أثراً عظيماً في عصرها، على الرغم من اختيارها الكتابة تحت اسم مستعار لرجل أسمته «كيورر بيل» حيث ارتأت إخفاء هويتها خلف اسم ذكوري لتضمن قدراً من الحرية في نقدها للمجتمع، وُلدت شارلوت عام 1816 لأب مهاجر من إيرلندا إلى فرنسا وكان راعياً في الكنيسة الإنجيلية في هيوارث، كانت الثالثة بين خمس أخوات وأخ وحيد، وتعرضت لصدمة إثر وفاة والدتها حين كانت في الخامسة من عمرها تاركة أطفالها في رعاية أبيهم الصارم الذي تولى تربيتهن بشدة مفرطة، فمنعهن من أكل اللحم كي لا يتعلقن بملذات الحياة وحرمهن من مجرد النظر من نوافذ المنزل، وفي سعيه لقطع كل صلة لهن بممارسة الحياة الاجتماعية، أدخلهن مدرسة رخيصة في كوان بريدج، وهي مخصصة لتعليم أبناء رجال الدين، ونتيجة لهذا الحصار أصاب مرض السلّ شقيقتيها الكبيرتين، وفارقتا الحياة مبكراً حين كانت في التاسعة من عمرها، ما ترك أثراً بالغاً في شخصيتها وأجَّج نقمتها على والدها والمجتمع، الذي ترجمته منذ صباها بكتابة الروايات النسوية بامتياز وبعبق يحمل رائحة المرأة بكل عذوبتها وحُسنها، فتكلمت عن هموم المرأة وخصوصياتها بأسلوب فريد تميزت به، ابتدأت مشوارها الأدبي برواية «القزم الأخضر» عام 1833 نشرتها تحت اسم ليسلي، أما روايتها التي حققت شهرة وانتشاراً حول العالم كانت «جين آير» عام 1847 وجرى تحويلها إلى عمل سينمائي، ثم رواية «شيرلي» عام 1849، وتلتها برواية «فيليت» عام 1853 وأيضاً تم تحويلها لعمل سينمائي، وكانت روايتها الأخيرة التي لم تكتمل «إيما» كتبت منها 20 صفحة نشرت عام 1860 بعد وفاتها وهي في التاسعة والثلاثين من العمر، تاركة أعمالاً جعلت منها أحد أهم أعمدة الأدب في العالم.

حكايات تتكرر
تتكرر معاناة شارلوت مع الكاتبة الكنديّة أليس مونرو التي لمعت بكتابة القصص القصيرة حيث عكست حكاياتها فصولا من حياتها الشاقة، بدءاً من وفاة والدتها وهي في العاشرة من عمرها لتبقى برعاية والد شديد القسوة والعنف، دأب على ضربها وتعنيفها في نوبات غضبه وسُكره، ولاستحالة العيش مع زوجة أبيها هربت أليس من المنزل وعاشت حياة قاسية وجدت ضالتها في التنفيس عن الألم باللجوء إلى القلم والكتابة، وبعد فشلها في زواجها تركت أطفالها وعادت إلى منزل والدها، لكنها قوبلت بالرفض ولم تجد من يؤويها، استوحت أليس من صدمتها قصصاً فتحت لها أبواب الشهرة والمجد، وسلطت الضوء في رواياتها على التناقضات والتعقيدات والصراعات الخفيّة في حياة الناس، وتطرقت لقصص الحب الخائبة والمشاعر المحطمة، كما الأطفال الذين يقعون ضحايا لتمزق عائلاتهم وقسوة الحياة، والعجائز اللاتي يتعرضن للإهمال في آخر سني أعمارهن، وذلك بأسلوب قصصي يحمل حس الفكاهة الساخرة بأسلوب بسيط وقاس في آن معاً، ما أكسب قصصها جماهيرية وانتشاراً كبيرين حيث نالت جائزة الحاكم العام في كندا عام 1968 عن قصة «رقص الظلال السعيدة»، لتتوالى بعدها رواياتها القصيرة مثل «حياة الفتيات والنساء» عام 1971، «أقمار المشتري» 1982، «حب امرأة جيدة» عام 1998، وكانت آخر قصصها «الحياة العزيزة» عام 2012 قبل عام من حصولها على جائزة نوبل في الأدب عام 2013.

نوبل يقدر امرأة
في حين كانت جائزة نوبل للأدب النسوي لهذا العام 2015 من نصيب الصحفية الاستقصائية البيلاروسيّة سفيتلانا ألكسييفتش، وقد جرى اختيارها من بين 259 اسماً ولاقت تقديراً عظيماً بوصف كتاباتها بأنها «متعددة الأصوات حيث تمثل معلماً للمعاناة والشجاعة في هذا الزمن»، برعت سفيتلانا في كتابة النثر التوثيقي بأسلوب أدبي كمحاولة منها لخلق أسلوب أدبي جديد يجمع بين الفن والوثيقة في نمط مختلف عّما اعتاد الأدباء تقديمه، ودفعها شجاعتها وإقدامها لأن تتحمل المعاناة البدنية والنفسية والمجتمعية كمثيلاتها من الصحفيات الميدانيات بُغية الوصول إلى المعلومة ونشرها، فكانت شاهدة على أكثر الأحداث مأساوية بدءاً بالحرب العالمية الثانية مروراً بالحرب في أفغانستان، كما كانت حاضرة عند وقوع كارثة تشيرنوبل النووية، وقدَّمت صورة مغايرة لما قدمته وسائل الإعلام من خلال كتب كان أولها «وجه الحرب غير النسوي» عام 1985، وتلته بقصة «أولاد في الزنك» 1991 التي كانت من خلاله صوتاً لضحايا الحرب المجهولين من الأطفال والنساء كما البيئة في الحرب السوفييتية الأفغانية، مروراً بكتاب «أصوات من تشيرنوبل: التاريخ الشفهي لكارثة نووية» عام 2005، وانتهاءً بكتابها «وقت مستعمَل: زوال الإنسان الأحمر» الذي نشرته عام 2013.

الأدب النسوي عربياً
لم يقف الأدب النسوي عند حدود بلدان الغرب، بل اجتازها وحلَّ في عالمنا العربي ضيفاً خجولاً، إلا أنه أثبت قدرةً على الوجود ولاقى قبولاً وانتشاراً لا بأس بهما، وإن جرت محاربته في أغلب الأحيان بهدف إسكاته والإبقاء على السلطة الذكورية المتحكمة بكل مفاصل الحياة ومفاهيمها، هذا تحديداً ما عانته وناهضته الناقدة والكاتبة الروائية المصرية نوال السعداوي بدفاعها الشرس عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة بشكل خاص، ولدت نوال في أسرة مكونة من أب ينحدر من عائلة فلاحية كانت تئن من الأمراض والتعب، في حين كانت والدتها سليلة عائلة أرستقراطية تعود جذورها إلى طلعت باشا في تركيا، شهدت تمرُّد والدها الحاصل على إجازة في العلوم على المجتمع القروي الذي نفاه من القرية لعشر سنوات، كما واجهت في حياتها مصاعب جمَّة ومآسي، دفعتها باتجاه تأليف الكتب التي عبّرت من خلالها وفنَّدت القيود التي تحاصر المرأة في كل تفاصيل حياتها في مجتمعنا الشرقي، وعُرفت بجرأتها وتصريحاتها المثيرة للجدل دوماً، وتعرضت إثر ذلك للسجن عام 1981 بسبب آرائها الأدبية الناقدة وقامت بالتمرد أثناء وجودها في السجن، وبقيت تكتب بالحدّة والتمرد ذاته على كل القوانين والأعراف لدرجة تخطت فيها كل الخطوط الحمراء، ما أدى لإدراج اسمها في قائمة المهدور دمهم لدى الجماعات الدينية المتطرفة، صدر لها أربعون كتاباً جرت ترجمتها لأكثر من خمسة وثلاثين لغة كان منها «المرأة والجنس» ، «امرأة عند خط الصفر» 1973، «الوجه العاري للمرأة العربية» 2006، و«زينة» نشرتها عام 2009، تدور فكرته حول الصلة بين تحرير المرأة والإنسان من ناحية وتحرير الوطن من ناحية أخرى في جميع مناحي الحياة. وحصلت نوال السعداوي خلال مشوارها الأدبي على الكثير من الجوائز العالمية إضافة إلى الدكتوراة الفخرية من العديد من الجامعات الأجنبية.