أفنان محفوض على حافة الوجع.. في ثقافي أبو رمانة

أفنان محفوض على حافة الوجع.. في ثقافي أبو رمانة

ثقافة

الأحد، ١٤ يونيو ٢٠١٥

ريم الحمش
تفاجئك مجموعة الأعمال النحتية للفنانة أفنان محفوض في أول معرض فردي لها في صالة المعارض بثقافي أبو رمانة بتفاعلها مع أحداث الأزمة الحالية في البلاد معتمدة على منحوتات من أشلاء العنصر البشري, وما يشع منها من أحاسيس عاطفية بالإضافة إلى استخدامها للون الأحمر وهو لون ناري حيوي يتناغم مع اللون الأسود بأسلوب شكلي جمالي وكناية ضمنية عن الدم..الجرح.. الألم والاندفاع والغضب المشتعل بصمت.
أفنان محفوض نحاتة دؤوبة, نجدها تحب التجربة والتحدي وخوض المغامرة والقدرة على ترويض شراستها لتقدمها بأسلوب واقعي تعبيري وبحركات درامية معبرة عن الألم والخراب والحزن والقلق الأمر الذي يشي بحرقة الألم والواقع المرير وجو الحرب الطاغي في كل جزء من منحوتاتها, وإدانتها لجميع أشكال العنف مظهرة محاولاتها قدر المستطاع لإشاعة مفاهيم المحبة والسلام والتسامح وتوظيفها لخدمة الفن التشكيلي ما يفسر للمتلقي صلة الفنان الوثيقة بمجتمعه وشعبه وترجمة آلامه وهمومه ومعاناته في ظل شبح الموت والدمار والجرائم التي ارتكبتها العصابات الإرهابية بحق أبناء الشعب السوري التي استباحت جميع المفاهيم الإنسانية محاولة تعميق إحساس المتلقي بالفاجعة وتسجيل الأحداث الواقعية في المجتمع السوري, وتأكيد حضورها المميز ضمن المشهد التشكيلي السوري.
ومن خلال خمسة عشر عملاً تراوحت أحجامها بين الصغير والمتوسط استطاعت النحاتة محفوض أن تبرهن عن أسلوب مميز لها، فهي تمتلك وعياً كبيراً في التعامل مع الخامة، وخصوصاً أنها تتعامل مع مادة الطين والبوليستر تنجزها بأشكالها الديناميكية في تجسيد الوجوه والأجساد والأذرع, وقطع الأطراف وجرح
البطون للحوامل, وإضفاء نوع من الحركة والأداء المتحدي للمادة الملموسة، كإبراز بعض التقنيات التي تمثل معضلة أمام النحات، فتحدي المادة الخام، لا يعني أكثر من استظهار ملكة الأداء الفني البارع، وهذا لم يكن مقصدها أو مطلبها في مزاولة فن النحت بل إن مطلبها الحقيقي في قيمة الموضوع إيجاد الصلة بسورية الملامح ليس من خلال مظهر الأشياء من خارجها بل من خلال ما تشبع به المنحوت من تعبيرات مدهشة محققة رسالتها الفنية.
هنا أتساءل هل الفن التشكيلي هو محاولة لتجميل الحياة وإضفاء طابع مثالي عليها أم هو تقديس للحياة والطبيعة وتسجيلها كما هي إعجاباً ودهشة؟ أم وسيلة من وسائل الإنسان للسيطرة على الواقع وإخضاعه لمطالبه المادية والروحية أم هو أداة ومظهر واستسلام للطبيعة ولكن من الواضح أن مرأى هذه الأعمال لا تسر العين ولا تبهج القلب، لأنها تذكرنا بالمشاهد الحقيقية التي خلفها العدو, ومع ذلك هناك مسحة فنية رائعة تشدنا لهذه الأعمال برغم الألم المحاط، إذ ننظر إلى منحوتات أفنان فتظل في الذاكرة لوقت طويل، هذا ما شعرت به حين أبصرت المنحوتات من غير أن أغمض عيني شعرت بألم شديد مصحوب بالقرف والغثيان وخفت فعلاً من سماع أصوات القذائف ورائحة البارود القادرة على تشويه الجسد الإنساني والروح الإنسانية, وإن ما فعلته النحاتة هو ترجمة لإحساس الإنسان الداخلي من خلال هذه المنحوتات ذات تأويل جمالي مفتوح، فلكل نحات طابعه وإحساسه الخاص في التعامل مع الموضوع والمادة المستخدمة، فلقد طرحت الموضوع بصيغة مختلفة قياساً لغيرها ويستطيع المتابع الجيد ملاحظة ذلك بسهولة، فالنحات الذي لا يمتلك مخزوناً فكرياً لا يستطيع الاستمرار لمدة زمنية طويلة في إنتاج تكوينات فنية ذات طابع فكري وجمالي وتقني، الأمر يتطلب الكثير من المثابرة على المستوى الفكري والأدائي اللازم لإظهار هذه الأفكار بصورة لائقة جمالياً، فالأفكار والاتجاهات من دون سياق تقني عالي المستوى ليست لها قيمة جمالية، ولهذا أرى أن أي فنان لا بد من امتلاكه القدرة على تحويل المواضيع التي تحيط به إلى صيغ فنية ذات قيمة جمالية, ومعنوية معينة.
النحاتة أفنان محفوض من مواليد عام1984 خريجة كلية الفنون الجميلة بدمشق قسم النحت عام 2006 وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين شاركت بعدة ملتقيات نحتية بصفة مساعد نحات وبعدة ورشات للأطفال ولها مشاركات عدة بمعارض جماعية ولها أربعة أعمال مقتناة من وزارة الثقافة.
عالمي...
معرض التشكيلي جسّام التشظي خارج حدود الملامح العامة
يقيم الفنان زياد جسام معرضاً في غاليري لوسكريب لارماتان في العاصمة الفرنسية باريس حيث يسعى إلى اختراق حدود اللوحة وتخطي النظم الأكاديمية في الفن التشكيلي، ليرفع من قيمة تمثيلات الواقع مبتعداً منه نحو الخيال الحالم برومانسية لا حدود لها، تتمرد على شخوص اللوحة أو عناصرها برمزية الألوان الاجتماعية المقيد بها، ما يجعله يتناغم مع التعبير اللوني ويتنافر مع حدود الخط الذي يميل مع الانفعالات العاطفية نحو الحركة المغمورة بظل وألوان داكنة أحياناً، فهي رغم قوتها تميل إلى العتمة في أجزاء منها ليخفي مصطلحات الفن المعاصر المندمج مع التشكيل والتناقض البصري مع نظمه لتطمس معالم الواقع الذي يمنحه صفة تخيلية يجبرها على التعبير النفسي الانفعالي الذي يقود اللون إلى التشظي خارج حدود الملامح العامة، ليتركها طي الإيحاءات الفنية التي تؤدي إلى انفعالات وجدانية تثير حالات لونية بصرية يترجم من خلالها زياد جسّام تعابير الألوان الحارة والقوية بصياغة تجمع العناصر الفنية مع المفاهيم الملامسة تعبيرياً لتجريد يحاكي الواقع بتخيلات ذات معانٍ تضج بالحياة، يتواءم مع المفهوم المعاصر، المتحرر من نظم التشكيل وحدود الألوان وتدرجاتها النسبية المنسجمة مع توليفات الحركة المركبة بصرياً التي يدمجها وفق أسلوب جمالي يوظفه بتقنية تختلط فيها المفاهيم إنما تحقق الصدمة البصرية التي تجذب المشاهد إلى عمق المعنى الفني وتفاصيله الانفعالية المؤدية إلى خلق فضاءات زمنية تؤدي دورها الفعال في رؤية التلاحم اللحظي، بديناميكية حركية تقود إلى تساؤلات فكرية واعية للشكل، والحجم، واللون والمساحة، والتدرجات التي تؤدي إلى حوارات ثانوية متينة في مستوياتها وملامحها التعبيرية.