في رحاب 29 أيار..نماذج عن مجزرة مجلس النواب السوري

في رحاب 29 أيار..نماذج عن مجزرة مجلس النواب السوري

ثقافة

السبت، ٣٠ مايو ٢٠١٥

شمس الدين العجلاني
هم إرهابيون.. قتلة... يدمرون حضارتنا.. يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ ويدّعون أن «قلبهم علينا» كيف لقاتل مارس الإرهاب علينا سنوات طويلة أقلها 25 عاماً «هو زمن الانتداب الفرنسي ».. كيف لقاتل إرهابي أن يكون حملاً وديعاً!؟ في الزمن الماضي تكالبوا على بلاد الشام فعبثوا بها ومزقوها إلى دويلات «سورية بحدودها الحالية ولبنان والأردن وفلسطين «وأهدوا أتاتورك سنجق اسكندرون» وهو يضم مرسين وطرسوس وقيليقية وأضنة وعنتاب وكلس ومرعش وأورفة وحران وديار بكر وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر" ولواء اسكندرون كما هو معروف المنفذ البحري التاريخي لولاية حلب.
دخل الفرنسيون سورية غزاة محتلين بعيد الحرب العالمية الأولى وقاموا بتقسيم بلاد الشام ونهبها، فقاموا بفصل الساحل الطبيعي لدمشق (بيروت) وألحقوها بمتصرفية جبل لبنان، وفصلوا عن ولاية دمشق الأقضية الأربعة «بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا» وضموها إلى ما اصطلح على تسميته آنذاك لبنان الكبير بالأمس القريب مارسوا إرهابهم وحقدهم علينا ولم يزل يتذكر ويعيش مآسي تلك الأيام أهل بلاد الشام، واليوم يعيدون الكرة بأسلوب جديد ووجوه جديدة!؟
في هذه الأيام نتذكر المجازر الإرهابية التي ارتكبتها فرنسا بحقنا، نتذكر أن فرنسا قصفت دمشق مرتين بالطائرات وكل أنواع الأسلحة الفتاكة، وكان ذلك عامي 1925 و1945م.
من بين الأحداث الكثيرة, التي عصفت في بلادنا في زمن المحتل الفرنسي  وقدمت فيها سوريه قافلة من الشهداء على مذبح الحرية والمجد وسجل التاريخ النضالي لهذه القافلة من الشهداء المجد والخلود, هي أسطورة استشهاد حامية البرلمان
بطل سورية:
بطل سوريه عبر التاريخ هو الشهيد، وتأصل هذا الميراث الثقافي في نفوسنا وأضحى جزءاً من تكويننا وحياتنا ... ونعيش الآن عصر الشهادة والدفاع عن الوطن فكل يوم شهيد وكل ساعة شهيد وكل دقيقة شهيد ولم يزل حماة الوطن يبذلون النفيس والغالي في سبيل صون الوطن والعرض.
كتب الله على سورية أن يكون تاريخها جهاداً ومسيرتها استشهاداً فمن حروب الفرنجة إلى تشرين مروراً بالعثمانيين والفرنسيين وميسلون ... معارك مصير ومواقف عزة قدمت فيها سورية قوافل من الشهداء.
لقد خلقت هذه القوافل ثقافة للسوريين مفادها الشجاعة والإقدام وحب الوطن. وقوامها على حد قول نزار قباني: ( هكذا خلق الله السوريين.. كل رغيف يخبزونه يقتسمونه مع العرب.. وكل شجرة يزرعونها تأكل من ثمرها العرب.. وكل حجر يحملونه على أكتافهم هو لتعمير بيت العرب).
التحضير للجريمة:
في شهر أيار من عام 1945 م قرر المحتل الفرنسي قصف مدينة دمشق بالمدفعية والطيران انتقاماً من هذه المدينة العريقة المقاومة وانتقاماً من أهلها، وكانت أول الأهداف التي يريد تدميرها هو مبنى البرلمان السوري،  وبدأ بالتحضير لهذا العمل البربري الإرهابي اعتباراً من 18 أيار 1945 عندما تقدمت سلطات المحتل الفرنسي بمذكرة للحكومة السورية حول الأوضاع في سورية والاستقلال المنقوص التي أرادت تطبيقه في سورية، ناقش مجلس النواب السوري هذه المذكرة بتاريخ 21-5-1945 حين طرحها رئيس الوزراء بالوكالة آنذاك جميل مردم بك.
رفضت سورية ما جاء في المذكرة وتقدمت في نفس اليوم ( 21-5-1945 ) بمذكرة جوابية للجانب الفرنسي رفضت بموجبها الشروط الفرنسية.
بتاريخ 23 أيار 1945 أصدر الجنرال السفاح أوليفار روجية قائد حامية دمشق وممثل فرنسا بدمشق بلاغاً سرياً إلى القوات الفرنسية مما جاء فيه: ( لابد من تجريد السوريين من كافة الأسلحة النارية والأدوات الجارحة خلال 48 ساعة.)
ورداً على التحضيرات الفرنسية للاعتداء على البرلمان السوري أقر مجلس النواب في الدور الاشتراعي الثالث من الدورة العادية الرابعة يوم 24-5-1945  قانوناً سمح فيه للحكومة أن تدعو جميع المواطنين السوريين الذين بلغ سنهم الثامنة عشرة حتى الستين ويملكون السلاح وقادرين على حملة أن يسجلوا أسماءهم لدى قيادة الدرك بصفتهم حرساً أهلياً لتدريبهم واستخدامهم عند الاقتضاء . وفي نفس اليوم أقر مجلس النواب قانوناً منح بموجبة قائد الدرك صلاحيات استثنائية لكي يجند أكبر عدد ممكن من الحرس الأهلي، كما أقر المجلس في نفس الجلسة أيضاً صلاحيات استثنائية لوزير الداخلية لملء شواغر الدرك والشرطة، وتم تأليف قوة عسكرية احتياطية لمواجهه الإجراءات التي يتخذها المستعمر الفرنسي.
ونتيجة هذه الإجراءات الوطنية التي اتخذها مجلس النواب السوري والحكومة السورية، قام المستعمر الفرنسي  الممثل بالجنرال أوليفار روجية بتاريخ 26-5-1945 بإصدار بلاغ سري ضمنه خمسة بنود تتلخص بضرورة إبادة جميع من يطالب بإخراج القوات الفرنسية من سورية ووجوب احتلال الدوائر الرسمية والحكومية ومؤسساتها ومنع اتصال الحكومة السورية مع جميع دول العالم وتجريد جميع أفراد الشعب من أسلحتهم وإعلان الحكم العسكري والأحكام العرفية.
جلسة سرية:
وفي الساعة الخامسة والدقيقة العشرين من ظهر يوم السبت الواقع في السادس والعشرين من أيار عام 1945 اجتمع مجلس النواب علناً برئاسة نائب الرئيس الأول محمد العايش وعضوية أميني السر سليمان الأحمد و يوسف اليان وحضر هذه الجلسة رئيس الوزراء بالوكالة ووزير الخارجية والدفاع جميل مردم بك وعدد من الوزراء وناقش النواب الأوضاع التي وصلت إليها البلاد السورية، وأثناء النقاش طلب رشدي كيخيا بعقد الجلسة سرية بين الحكومة ومجلس النواب للتداول في الأوضاع المتأزمة، وافق المجلس على عقد هذه الجلسة السرية، وأخليت شرفات الزوار وخرج كتاب الضبط وعقد المجلس جلسة سرية دامت حتى الساعة الثانية والدقيقة الخمسين، ناقش مجلس النواب في هذه الجلسة السرية الإجراءات التي اتخذها المستعمر الفرنسي والبلاغات التي أصدرها الجنرال السفاح أوليفار روجيه .. ورفعت الجلسة إلى يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من أيار.
بتاريخ 29 أيار 1945 عقدت الحكومة السورية اجتماعاً سرياً في منزل خالد العظم  لكون دار الحكومة مطوقاً من قبل قوات وآليات المستعمر الفرنسي وأعدت مذكرة أبلغت إلى ممثلي الدول الأجنبية بدمشق شرحت المذكرة التطور الخطير الذي طرأ على البلاد والاستفزازات المتواصلة الصادرة عن الانتداب الفرنسي وأعمال العنف التي يقوم بها جنود المستعمر ضد المواطنين السوريين.
العدوان:
في الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم 29-5-1945 وجه الجنرال أوليفار روجيه إنذاراً إلى رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري يطلب منه أن تقوم حامية مجلس النواب بتحية العلم الفرنسي عند إنزاله في المساء عن دار الأركان الفرنسية التي كانت قائمة مقابل مجلس النواب.. رفض رئيس المجلس الإنذار وأوعز إلى قائد الدرك بألا يستجيب لهذا الإنذار.. وفي الساعة الخامسة والنصف اتصل رئيس حامية المجلس بقائد الدرك العام ليخبره أن الفرنسيين طوقوا المجلس بالمصفحات والدبابات.
وكان عدد قليل من النواب قد جاؤوا لحضور جلسة البرلمان ولما لم يكتمل النصاب طلب رئيس المجلس النيابي من النواب الانصراف، وألغيت جلسة مجلس النواب في تمام الساعة الخامسة من بعد ظهر اليوم نفسه، وكذلك انصرف الوزراء الذين حضروا إلى المجلس.
رفضت حامية مبنى المجلس النيابي (البرلمان) أداء التحية للعلم الفرنسي أثناء إنزاله من على ساريته في دار الأركان الفرنسية التي كانت مقابل مبنى البرلمان، فاتخذ الفرنسيون ذلك ذريعة لمهاجمة حامية البرلمان، مستخدمين قوات مرتزقة من السنغال، مزودة بالأسلحة الفتاكة من مدافع هاون ورشاشات كبيرة وصغيرة ودبابات ومصفحات، إضافة للسلاح الأبيض من سواطير وسكاكين.
وفي تمام الساعة السادسة وخمسين دقيقة فتح جنود الحامية الفرنسية المرابطون في شارع النصر وفندق أمية وساحة المرجة ..النار على المواطنين الذين خرجوا في تظاهرات احتجاجية، وفي نفس اللحظة دوى صوت القنابل وطلقات الرصاص وهي تنطلق من دار الأركان الفرنسية تجاه البرلمان، ولم يطُل الوقت حتى كانت جميع المراكز الفرنسية في دمشق تشارك في إطلاق الرصاص والقنابل، فيما تقدمت المدرعات الفرنسية و الطيران الفرنسي لتوجه نيرانها باتجاه مبنى البرلمان، واستحكم رجال الدرك السوري ورجال الشرطة المكلفون بالدفاع عن البرلمان وراء متاريسهم، وشرعوا في مقاومة ضارية لوقف تقدم القوات الفرنسية، معتمدين على أسلحتهم المتواضعة، رافضين الاستسلام لقوات المستعمر، ومدفوعين بحب الوطن والدفاع عن عزته وكرامته، ولم يمر وقت طويل حتى أخذت ذخيرة المقاومين تنفد، والخسائر بين صفوفهم تزداد، وهم يقاتلون في مواجهة آلة عسكرية تفوقهم قدرة على نحو كبير، واستمروا بالقتال حتى نفدت ذخيرتهم، عندها اقتحمت القوات الفرنسية مبنى البرلمان لتنفّذ أبشع جرائمها الوحشية، بتمزيق أجساد الناجين من المقاومين بالسواطير والحراب، والتمثيل بجثث .. طالت يد الغدر والإرهاب يوم 29 أيار عام 1945 م معقل الديمقراطية السورية ألا وهو البرلمان، حيث عملت الطائرات الفرنسية ومدافع نيرانهم على تهديم البرلمان السوري، وقتل حاميته من درك وشرطة والتمثيل بجثثهم!؟
المفوض سعيد القهوجي:
كان المفوض سعيد القهوجي قائد حامية البرلمان السوري في ذلك الوقت،  الشهيد القهوجي تعرض للوحشية الفرنسية فهو من أصدر الأمر لحامية البرلمان بعدم الانصياع لأوامر المستعمر الفرنسي ورفض أداء التحية للعلم الفرنسي، وكان أول من أطلق الرصاص دفاعاً عن المجلس النيابي، وحين اشتد القصف الفرنسي على المجلس وشعر القهوجي بنفاد الذخيرة لديه تراجع إلى قبو المجلس مع عدد من أفراد الحامية وهم محمود الجبيلي ومشهور المهايني وإبراهيم الشلاح، بعدئذ اندفع المرتزقة السنغال إلى القبو حيث عثروا على المفوض سعيد القهوجي ورفاقه، فقتلوهم جميعاً وقطّعوهم إرباً إرباً بواسطة السواطير، وسلبوا نقودهم وساعاتهم، وتوجهوا إلى المفوض سعيد القهوجي فقطعوا يده ورجله وفقؤوا عينه فتوفي.
ترك المفوض سعيد القهوجي حينها ثلاثة أطفال.. لقد ترك بنتين وصبياً.. في ذلك اليوم خرج «سعيد القهوجي» من منزله فجر التاسع والعشرين من أيار.. ودّع زوجته إمامة القهوجي وقبّل أطفاله الثلاثة وحمل سلاحه ومضى.. كان يعلم أنه يحرس البرلمان.
طيب شربك:
الشهيد طيب شربك، من مواليد مدينة حمص 1925 ، نشأ في بيئة وطنية ، ونال شهادة البكالوريا، وانتسب إلى دار المعلمين عام 1943 ، و نشط بالنضال لاستقلال سورية السياسي والاقتصادي، وعندما أنشئت كلية الشرطة الوطنية  استقال من دار المعلمين، وانتسب إلى الكلية وتخرج فيها برتبة وكيل ضابط، وكان ذلك عام 1945. كُلف بعد ذلك بالإشراف على حراسة البرلمان، وكان أحد المسؤولين عن مفرزة الحراسة. وفي 29 أيار 1945 لعب الشهيد طيب دوراً كبيراً في معركة البرلمان وكان الضابط الثاني الذي قاد معركة الدفاع عن البرلمان.. لقد مضت سنة واحدة بين تخرّجه في مدرسة الضباط واستشهاده أحب فيها.. وخطب..
تروي خطيبته لمجلة صباح الخير المصرية عام 1958 م كيف استشهد فتقول: "أفطر معي في منزل أبي ودّعني عند الباب.. ضغط يدي.. ونظرت إليه.. شربت عيوني كل ملامحه.. نظرت لقامته وهو يمضي.. خيل إليّ أنني أودّعه.. لم أجرؤ على التفكير في الأمر.. لم يلتفت هو خلفه..
علمت بعد ذلك أنه قاد المعركة الثانية عن البرلمان بعد قتل سعيد قهوجي.. لم يستطع أحد أن ينقل لنا تفاصيل المعركة..
لم أعثر عليه.. لم أجد جثته.. وجدت إصبعه وفيها دبلة الزواج وحدها.. إنني أحتفظ بالدبلة.. إن الزمن مسح الجرح.. لم أعد حزينة عليه كما كنت..
يخيل إليّ أنه مات من أجل البرلمان..
إن ما يعطي الحياة معنى.. يعطي الموت أيضاً معنى!!..
عبد الله باش إمام:
هو عبد الله باش إمام بن حسين، وكان يوم المجزرة الفرنسية برتبة عريف، كان يطلق النار على المرتزقة من الجيش الفرنسي لكنهم تغلبوا عليه وطلبوا منه أن يحيِي فرنسا والجنرال ديغول، فرفض فقتلوه شر قتلة، ثم مثلوا بجثته، وسألوه عن بقية عناصر حامية البرلمان، فقال "قتلتوهم اللـه يقتلكم" فصاح الجنود تحيا فرنسا فقال فلتسقط فرنسا فما كان من أحد الجنود إلا أن قطع رأسه بضربة ساطور فتدحرج رأسه على الأرض ونفر الدم على باب المجلس "باب المجلس من الجهة الخلفية وبقيت آثار الدماء فترة من الزمن ثم تم تنظيفها" يقول شاهد عيان "إبراهيم إلياس الشلاح" وخطا خطوة ونصف الخطوة من دون رأسه ثم سقط على الأرض وكان بدني يقشعر من هول هذه المناظر الوحشية.
 وبعد:
هذه نماذج قليلة عن مجزرة مجلس النواب التي ارتكبتها فرنسا!؟ ترى ألا يذكرنا ما قامت به فرنسا بالأمس بما تقوم الآن به اليوم من أعمال إرهابية ضد الحجر والبشر في بلادي!؟
المطلوب منّا كأشخاص ومنظمات وجمعيات، بل كحكومة ومجلس الشعب أن نصرخ بأعلى صوتنا: "نريد اعتذاراً فرنسياً عن تسعة آلاف وأربعمئة وسبعة وثمانين يوماً جثم المستعمر الفرنسي على صدورنا وتمتع بجمال بلادنا، ونهب وسرق خيرات سورية وقتل رجالها، شيوخها، أطفالها ونساءها، ولم يكتف بذلك بل هدم المدن والقرى وجعلها كعصف مأكول.!