تهميش وعدائية وخوف من إبداعهم وحضورهم..الأدباء الشّباب حاضر ينتظر يد العون ومستقبل مجهول الهوية

تهميش وعدائية وخوف من إبداعهم وحضورهم..الأدباء الشّباب حاضر ينتظر يد العون ومستقبل مجهول الهوية

ثقافة

الخميس، ٢٨ يونيو ٢٠١٨

تروي لنا إحدى الشابات زيارتها لأحد الرّوائيين الكبار لتستعين برأيه في طباعة باكورة إنتاجها الأدبي، فكان العون مقابل قتل الصورة المخملية التي رسمتها لهذا الـ «أديب».. يروي شاب آخر رغبته بالإستئناس برأي أحد الشعراء المخضرمين قبل طباعة ديوانه فكان أن «عفش» هذا المخضرم بعضها وأضافها إلى ديوانه الجديد، يروي الشّاب قصته ويفضح هذا الـ «أديب» بين الأدباء، لكن قلة من عقلاء الوسط تصدق هذه الحقيقة المرّة، وجزءاً كبيراً لا يعرفها وجزءاً بسيطاً يعرفها حقّ المعرفة لكنه ينشغل بلعق مصالحه وتسيير شؤون «أدبه»، هذه بعض سمات العلاقة بين الأدباء الشباب- إنّ صح القول – والأدباء المخضرمين.. سمة رافقت هذا المجال منذ سنوات طوال، فالـ «كبار» ينسون أو يتناسون أنهم يوماً كانوا صغاراً يركضون لنشر مقالة أو قصة قصيرة هنا وقصيدة هناك ورواية لا ترى النور إلا بعد سنوات طوال من التعب، هذا طبعاً في حال كانوا من المجتهدين لا الذين قادتهم المصادفة والواسطة إلى أدب لا يعرفون منه إلا اسمه، تماماً كهؤلاء الذين فرزتهم الحرب، إذ تعرفنا إلى شباب كثر يهوون الأدب.. قلة تعرف ما تريد وإلى أين يسير بها عقلها، فأثبتت قدرة لغتها وقوة كلمتها وجدارة كفاءتها واستحقاقها الفرص التي أعطيت لها والأكثر أهمية من كل ذلك إنسانيتها ومصداقيتها، في حين تخبط البعض بين الشعر والقصة والرواية لكنهم لم ييئسوا بل ظلوا يحاولون ويشتغلون لتطوير أنفسهم، طبعاً إضافة إلى شباب كانت علاقاتهم أكبر بكثير من حجمهم الأدبي فرأينا لهم مطبوعات عديدة في فترة وجيزة..، لا يمكن نكران الحراك والنشاط اللذين خلعتهما الأدباء الشباب في الساحة الثقافية خلال الحرب، ما يتوجب علينا الاهتمام به والتعرف على هواجسهم ومشكلاتهم وحلها والأخذ بيد المجتهد وتطوير الهاوي، لكن للأسف هذا الواجب نادراً ما تحقق في القطاع العام والخاص.
حكاية وحرية
رنا السحار شابة في بداية طريقها الأدبي حملت مؤلفها وذهبت إلى أحد دور النشر الخاصة تروي: كانت لي مسيرة بين تجار دور النشر الخاصة على مدار ثلاثة أشهر تقريباً بين مبالغ هائلة تبدأ من مبلغ 350000 حتى800000ليرة سورية، مبلغ يصعب جداً على الكاتب تأمينه وكانت ذريعة هؤلاء غلاء الأسعار من ورق وطباعة وبلوكات وغيرها علماً أن عملي جاهز ومنضد وبنسخة الكترونية ولا يحتاج إلّا إلى تعديلات بسيطة حسب قياس وحجم الكتاب، وشرطهم أن يكون عدد النسخ المطبوعة لا يقل عن 500 نسخة، عانيت كثيراً، وأصابني بعض الإحباط وبدأت أتراجع عن فكرة الكتابة، إلى أن توصلت عن طريق أحد معارفي إلى دار للنشر أعجب أصحابه بالنصوص المقدمة وتم الاتفاق على عقد شراكة مناصفة بالنسبة للمبلغ وعدد النسخ وبذلك وتمّت طباعة كتابي .
وللسّحار تجربتها أيضاً مع القطّاع العام، تقول: عندما سألت عن آلية طباعة الكتاب عن طريق الاتّحاد أو وزارة الثّقافة أخبروني أنّ هناك أعداداً هائلة من الكتب تنتظر دورها والكثير منها مركون ولم يرَ النّور وطبعاً الجواب كان واحداً وهو إن لم يكن الكاتب معروفاً أو من المقربين جداً فكتابه سيقبع سنوات عدّة حتى يأكله الغبار ثم يصنّف كالكثير ممن يشبهه.
عند الاتحاد
وللشّاعر الشّاب أمين اليوسف تجربته أيضاً مع اتّحاد الكتاب العرب، يوضّح: بعد لقائنا في إحدى المناسبات، طلب مني رئيس الاتحاد أن أتقدم بمخطوطي ولاسيّما بعد أن أبدى إعجابه بشعري، لكن تمّ رفض المخطوط لاحقاً من دون ذكر الأسباب، لا أدري هل لأنهم يخافون المبدعين الشباب؟ أنا أطلب فقط أن يقارنوا بينه وبين ما نشر على قلّته منذ عام ونصف العام، نحن لا نجد إلّا ديواناً لشاعر شاب ما تبقى من منشورات ترتبط بعلاقات مؤسساتية ومصلحة، إضافة إلى الكتب التي انهمرت لأعضاء المكتب التّنفيذي وللكثيرين ممن هم في مناصب.
يضيف اليوسف: هناك حالة عداء للشّباب يريدون أن يكون الشباب تبّعاً لهم، إنّهم ضد شعار دعم الشباب الذي رفعه الاتحاد، لا توجد فعّاليات تحتضن الشباب، على العكس تماماً في إحدى الفعاليات كان أصغر مشارك فيها عمره خمسون عاماً، نحن نحترم هذه القامات لكن لماذا لا يكون هناك تلاق مع الشباب، الانفصال عن الشباب انفصال عن الواقع والأزمة، لأنهم أكثر من حمل الأزمة وليس أولئك الذين يجلسون خلف المكاتب، يا ترى ما نسبة الشباب الموجودين في اتحاد الكتاب إنها تكاد تكون معدومة بسبب الشروط القاسية للانتساب، لماذا لا يكون لدينا شق خاص بالشباب.
النّقد، مشكلة أخرى تضاف إلى مشكلات الشباب الذي يخوض حقول الأدب بشغفه يخفت بريقه أمام كل عقبة، تقول رنا السحار: يوجد الكثير من النّقد السّلبي للأقلام الجديدة وكأن الكتابة حِكراً فقط على أقلام معينة تكتب وتطبع وتروج وانتهى، السؤال هنا: كيف وصل الكاتب المرموق إلى هذه الدرجة من الشهرة، ألم يكن يوماً كاتباً مبتدئاً يحتاج إلى من يهتم به؟ لا أنكر أنّ هناك من ساعدني لكي أحصل على موافقتي بالنّشر وكان له الفضل في عدم هجر كتابي لشهور أو سنوات كما تجري العادة، نحن ككتاب نتمنى أن نحظى ببعض الرعاية والاهتمام وأن تُراجع أعمالنا وتُقرأ وأن يتم توجيهنا في حال كان النص بحاجة للتعديلات.
خشية الشباب
قضايا طرحناها على بعض المعنيين بها كل من موقعه، والبداية مع سامي أحمد صاحب دار التكوين للنشر، وبالسؤال عمّا إذا كانت هناك معايير خاصة للنشر للأدباء الشباب، يجيب أحمد: لدينا مجلس أمناء يقرر النّشر من عدمه، والتّعامل مع جيل الشباب كذلك خاضع لمعايير، فالمادة المقدمة من شعر، قصة، مسرح، رواية كلها تُحال لمختص فيها ويكون قرار النّشر له.
لكن هل هناك تشدد مع الأدباء الشباب أكثر من غيرهم؟ وهل هناك مراعاة لحالهم المادي؟؟؟ يردّ أحمد: الكتاب هو الذي يفرض نفسه بغض النظر إن كان مؤلفه شاباً أو كاتباً مكرساً، نحن خلال العام 2017 طبعنا سبعة وستين عنواناً جديداً منها كتاب أو كتابان على حساب المؤلف والبقية طبعتها الدار على حسابها وسلّمت للمؤلفين والمترجمين حقوقهم.
ويرى الحوراني أن بعض من نراهم كباراً يخافون إبداع الشباب وأدبهم
اعتلاء المنابر الثّقافية الرّسمية حق لكلّ الشّباب، لكن للأسف عمل البعض على سلبهم هذا الحق وتغييبهم لأسباب موضوعية أحياناً وشخصية أحياناً أخرى، لذلك هجر الأدباء الشّباب هذه المنابر إلى ملتقيات لم تكن جميعها على قدر المسؤولية يقول محمد الحوراني رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب سابقاً: منذ البداية لم أكن مع هذه الملتقيات الخاصة وما بُني على باطل فهو باطل، لأن القائمين عليها لا علاقة لهم بشكل أو بآخر بالثقافة، بعضهم أرادها نوعاً من الـ «برستيج»، والبعض الآخر أرادها تجارية بحتة واستفاد منها، لكن هذا لا يعني أن جميع من هم في الملتقيات لا علاقة لهم بالثقافة، بل هناك أدباء وشعراء حقيقيون بحاجة لمن يستقطبهم ويمدّ يد العون لهم، هؤلاء أخذوا فكرة عن المؤسسات الثقافية أنها مؤسسات نخب، وأنها ليست معنية بغير أعضائها، لذلك ابتعدوا عنها، وهذه مسؤوليتنا.. نحن في مرحلة ما جعلناهم يشعرون بأنّ المؤسسات لنا فقط، وأنه «إن لم تكن منّا فلا وجود لك في هذه المؤسسة»، وهذا خطأ كبير، لذلك عملنا بشكل أو بآخر على استقطاب العناصر الجديدة وإعطائها فرصة، رغبة منا في تطويرها، رغم أنّ بعض هؤلاء الشباب مازالوا على علاقة بتلك الملتقيات وهذه ليست مشكلتنا، وهناك عدد كبير ممن كان لهم حضور في تلك الملتقيات غادروها إلى غير رجعة وصاروا من أصدقاء الفرع لأنّهم وجدوا في الفرع الحاضن والمكان الذي يستفيدون منه بشكل أو بآخر.
يضيف: هناك مشكلة حقيقية هي تهميش ما يتعلّق بالشعراء الشباب، فإذا أرادوا المشاركة في الأنشطة يجب أن يكونوا انبطاحيين وتابعين لهذا أو ذاك، وربّما أن يتخلّوا عن أخلاقياتهم، لكن نحن لم نفعل ذلك، لم نقبل إلا أن يكونوا سادة في المكان، فهناك ضوابط أخلاقية واجتماعية وأدبية ووطنية ودينية عندما يتمتع بها الشباب وتتوافر هذه الضوابط لن يكون هناك أي عائق أمام الشباب في أي مؤسسة كانت.
عدائية غير مبررة
ويوضّح الحوراني: العدائية من الكبار أكثر منها عند الشباب، وإن وجدت عند الشباب فإنها لاتصل إلى درجة الأدباء الكبار الذين يظنون أنهم وصلوا إلى القمة وليس باستطاعتهم أن يروا غيرهم في المشهد الثقافي!، أنا أعتقد أن بعض من نراهم كباراً يخافون إبداع الشباب وأدبهم وحضورهم لأن لهؤلاء الشباب حضوراً إعلامياً وجماهيرياً كبيراً، لذلك عندما نساعدهم بشكل أو بآخر سيبزّون أولئك الكبار الذين اعتقدنا أنهم أرباب الحق والكلمة وهم قد لا يكونون كذلك، لكن يجب أن نستمر، ولابد لهؤلاء الشباب من أن يأخذوا دورهم في المستقبل لأنهم أدباء حقيقيون بكل ما للكلمة من معنى.
وبالسّؤال عن مستوى الأدباء الشباب وتطورهم ومدى تقبلهم الملاحظات المقدّمة لهم من أدباء مخضرمين لهم تجاربهم العتيقة، يوضّح الحوراني من خلال تعامله معهم لسنوات عدة: ليس كل الشّباب في مستوى واحد، في إحدى الجلسات ألقت فتاة، كانت لها مشاركة سابقة، نصاً متطوراً بشكل كبير عن نصها السابق، أيضاً هناك شاعر آخر تطوّر ليس إلى مرحلة نهائية، وهناك شاب يفور بالطّموح لتطوير نفسه، عندما نقدم أي ملاحظة يسعد بها، وهؤلاء هم من نعمل ونسعى لتطويرهم، وهناك أشخاص يمتلكون الأدوات الشّعريّة، الإحساس والكلمة والصورة، لكن بحاجة لتطوير ذواتهم في الإلقاء، أمّا من لا يريد تطوير نفسه، فنحن لسنا بحاجة للاستمرار معه، مثلاً أن يأتي أحدهم، وأنبّهه إلى الأخطاء اللغوية، وإلى كسر في الوزن ونقص في الصّور، وأقدم له ملاحظة حول ذلك، فيردّ بالقول إنه أشعر من المتبني..، مثل هذه الشخصيات المريضة لا يعوّل عليها في الوسط الثقافي، لكن في الأغلب هناك من يسعى لتطوير نفسه، ونحن نساعده في هذا.
ومن خلال عمله السابق لسنوات في رئاسة تحرير صحيفة «الأسبوع الأدبي» الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب في سورية، وعضويته للجان قراءة المخطوطات، كان للدكتور نزار بني المرجة ـ شاعر وعضو مجلس اتحاد الكتاب العرب ـ فرصة الاطلاع على النتاج الأدبي للأدباء الشباب بشكل جيد، يقول: بصراحة إن عملية فرز الغث من السمين من الكم الكبير الذي كان يرد إلينا من الكتاب الشباب لنشره ضمن ما يصدر من كتب ودوريات عن الاتحاد كانت عملية شاقة جداً وذات شجون، ومرد ذلك هو عدم التفريق عند نسبة كبيرة من الكتاب الشباب بين الأجناس الأدبية، وبشكل خاص اعتقاد الكثيرين منهم أن الخاطرة العادية حتى لو كانت بلغة سطحية فيها الكثير من المباشرة ويمكن أن تندرج تحت عنوان أصبح فضفاضاً كثيراً وهو قصيدة النثر!.. هذا إضافة إلى تسرع معظم أولئك الشباب في نشر نتاجهم، مع عدم الجدية أو السعي لبذل أي جهد حقيقي أو ملموس لصقل مواهبهم، في حال وجودها!ـ والارتقاء بمستويات اللغة المطلوب توافرها في كل عمل يزعم الانتماء إلى أي لون أدبي، ولكن هذا لا يعني عدم وجود تجارب ومواهب حقيقية ولافتة تستحق التشجيع والتبني والاهتمام.
جودة النص
يضيف بني مرجة: شخصياً كنت وما أزال أشجّع أصحاب تلك المواهب الحقيقية التي لا يمكن ولا يجوز تجاهلها، بل يجب الأخذ بيدها لتأخذ دورها الطبيعي المفترض في عالم الأدب والإبداع، وأذكر على هذا الصعيد أننا أفردنا صفحات عدة من كل عدد من «الأسبوع الأدبي» تحت عنوان: كتابات جديدة أو إبداعات شابة، وكان المعيار دائماً فيما ننشره فيها من كتابات شابة هو جودة النص ووجود الموهبة الحقيقية الواعدة، وإلى جانب الممارسة المسؤولة للأخذ بيد مبدعينا الشباب على صعيد النشر، فقد كنت شخصياً وما أزال حريصاً على الإطلالة بين فترة وأخرى، بل تلبية الدعوة للمشاركة أحياناً في نشاطات العديد من التجمعات الثقافية الأهلية التي ظهر عدد لا يستهان به منها خلال السنوات الأخيرة في العاصمة وعدد من المحافظات السورية.. والتي استطاعت إيجاد عدد لا يستهان به من المنابر البعيدة عن رتابة وأطر أداء المؤسسات الثقافية الرسمية، مع الإشارة إلى وجود مواهب حقيقية أفرزتها تلك المنابر، غير أنها شكلت هامشاً متاحاً لنسبة كبيرة من كتاب وكاتبات الخواطر الذين يطرحون أو يقدمون أنفسهم باعتبارهم شعراء وشواعر لا يشق لهم أو لهن غبار!!
ميديا جديدة
وينتقل الدكتور نزار بني مرجة إلى ساحة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها ألا وهي صفحات التواصل الاجتماعي التي أتاحت منبراً خاصاً لكل شاب وفتاة، يقول: ذات ملامح وخصوصية تجربة تلك التجمعات الثقافية والأدبية الخاصة، تنسحب إلى درجة التطابق مع ما نراه في ساحة صفحات التواصل الاجتماعي، وعلى هذا الصعيد تحديداً، فالمسألة ربما تكون أكثر خطورة، من منطلق أن وسائل التواصل تلك تتيح لكل شاب وفتاة فرصة امتلاك المنبر الخاص الذي يتيح إمكانية النشر فيه بيسر وسهولة مطلقة وبعيداً عن أي رقابة أو مراجعة لغوية على الأقل!، ما يضعنا أمام كتابات فجة أو مادة مكتوبة خام بعيدة في معظم الحالات عن كل المعايير البسيطة المطلوب توافرها في أي نص من أي جنس أدبي وهذا غالباً مايشكل في النتيجة إساءة للمشهد الأدبي والثقافي الراهن في سورية، بدلاً من أن يغني ذلك المشهد كما هو مفترض أو مرتجى، وهذا الكلام لا يعني أبداً عدم وجود مواهب حقيقية أصيلة تفرض نفسها عبر حضورها اللافت والرصين.