إحسان عنتابي: الخوف من أن تتحول المشاهدة إلى روتين ونعتاد رؤية الدم

إحسان عنتابي: الخوف من أن تتحول المشاهدة إلى روتين ونعتاد رؤية الدم

ثقافة

الأحد، ٣ ديسمبر ٢٠١٧

سوسن صيداوي

التعبيرية خاصة واللمسات مرهفة. بتأييد من كل الحاضرين وعلى الخصوص الفنانين، أجمع الكل على أن الفنان سواء أكان صديقا من الجيل نفسه أم أستاذا لهم، فإن تعبيريته خاصة ولمساته مرهفة الإحساس، هذا إضافة إلى أنه رغم السوداوية المحكومة بالظرف الراهن، إلا أنها في الكثير منها هناك تأمل واضح لاستقبال أمل مرتقب. برعاية وحضور محمد الأحمد وزير الثقافة، افتتح معرض «شوهد» للفنان التشكيلي إحسان عنتابي، في غاليري الآرت هاوس بدمشق، يضم ثلاثاً وعشرين لوحة، ويستمر لغاية 27 كانون الأول الجاري، يومياً من الساعة 6- 8 مساءً.

أسلوبيات ضمن أسلوبية فريدة
بحضور وزير الثقافة تم افتتاح معرض «شوهد»، حيث أبدى الوزير سعادته بما شاهد من لوحات اعتبرها مفاجأة متوقعة، متحدثا: «بداية كنت أنتظر وأنا قادم إلى معرض الفنان التشكيلي إحسان عنتابي، الذي تشدني محبة كبيرة لأعماله السابقة، كنت انتظر ما الذي أراه في الجديد الذي سيقدمه، وكم كانت المفاجأة جميلة سارّة، فإحسان عنتابي حقيقة هو مجموعة من الفنانين الكبار في فنان واحد، له أسلوبيات متعددة ضمن أسلوبية فريدة بحد ذاتها، ويكفي أننا عندما نرى عدة لوحات تكون لوحة فناننا مميزة، اليوم نرى بعض الأساليب الجديدة، فبعض اللوحات المشغولة بالأبيض والأسود تشي بما مررنا به خلال هذه السنوات العصيبة التي فرضت على وطننا الحبيب، حيث يجسد بالفحم الشخصيات المتعلقة بالهجرة والمتعلقة بالنفق الطويل الذي مررنا به، وفي حالات المغادرة، سواء أكانت مغادرة الروح، أو مغادرة الوطن. وكلما تجولنا بين اللوحات أكثر، يفتح لنا الفنان عنتابي المجال للنظر نحو آفاق يتسع مداها، باتساع ما تحويه اللوحة من عناصر ومقومات وفرادة، دائما كنت أقول الفنان الكبير كلما تقدم بالعمر ، يستطيع أن يعطي أكثر من تجربته ومن خبرته، فالألوان التي تعامل معها تدل على تاريخ طويل ومشرّف في عالم الفن التشكيلي، في الختام أنا سعيد جدا وهذا المعرض اعتبره اكتشافاً حقيقياً واكتشافاً أصيلاً، لأن الفن التشكيلي السوري كان دائما جوادا وسخيا بأمثال الفنان إحسان عنتابي».

اللوحات تتطلب مشاهداً حساساً وذكياً
اعتبر الفنان التشكيلي إحسان عنتابي تأثره بالأزمة طبيعي مثله مثل كل المواطنين السوريين، مشيرا إلى أنه لم يكن مخططا للمعرض ولكن تراكم الأعمال والتأييد من الأصدقاء دفعه للتنفيذ، وحول لوحات معرض «شوهد» تحدث الفنان بالتفاصيل: «لوحاتي تتطلب مشاهداً حساساً وذكياً في آن واحد، ولكوننا نعيش كلّنا الظرف نفسه، فكلنا نترجم إحساسنا تجاه الواقع. لا أستطيع أن أفترض نظرية فنية من الصفر وأقول فيها شيئاً، بقدر ما أنا إنسان ينقل أحاسيس مواطن عاش من عام 2011 حتى الآن بكل التطورات والأحداث مع الانعكاسات، فأنا جانب منها. تنقل اللوحات ما نعيشه في هذه الفترة، وهي لم تحمل معنى التسجيل اليومي، ولكنها تعكس كل الانطباعات والأحداث التي مرت من خلالي ومن خلال أسرتي- وأؤكد على أسرتي- والتي كان فيها تداعيات على الرسم لدي. ما أقصده أنني وببساطة يمكن أن أرسم مثلا زهرة، ولكن في تقنية الرسم وفي صفاتها يكتشف المشاهد أمورا غير الأمور التي شاهدها في المرة الأولى، حيث يكتشف صورا أخرى. الأعمال في مجموعة منها كانت بتقنية الفحم، وبعدها استخدمت الألوان. من ناحية الموضوع والشكل بشكل عام، هو موضوع الوطن، والهجرة، والفرد وعلاقته بالأرض. وكنت اخترت اسم المعرض «شوهد» لأنه يعود لذاكرتي، ففي المرحلة الابتدائية، كتبنا موضوع إنشاء حول العدوان الثلاثي، ونستلهم المعلومات من أخبار الراديو والجرائد، فكانت كل المواضيع بالنسبة للمدرس متشابهة وكان يوقع عليها بكلمة «شوهد»، وأنا اخترت الكلمة نفسها «شوهد» انطلاقا من الخوف من أن نعتاد المشاهدة، وأن يعتاد الرأي العالمي رؤية الدم والحروب والدمار، وأن نصل إلى مكان تكون فيه مشاهدة المتلقي سواء رأى وردة أو رأى دماء أمران سيان، فمن هنا جاءت الكلمة ومنها الخوف من أن تتحول إلى روتين. بالنسبة إلى قرار إقامة المعرض، لقد عملت ضمن دوافع العمل، وكان الدافع أقوى بالتعبير من الذات، وطبعا أنتجت مجموعة أعمال- لأنها ضمن العمل المطلوب- شعرت بأنني قادر على أن أقيم معرضاً. إذاً أنا لم أخطط لأن أقيم معرضا، فالمعرض جاء بشكل طبيعي بوجود العدد الكافي من اللوحات، مع استنارتي برأي الأصدقاء والزملاء. وعن التقنية في اللوحات، لم أخطط لها، فدافع العمل هو الذي يجبر الفنان على اكتشاف التقنية، سواء من حيث العمل والرغبة في الوصول إلى فكرة معينة، ومن ثم بدأت بتقنية التلوين بالفحم ثم انتقلت إلى ألوان أخرى. ما أريد تأكيده هو أن العمل أو اللوحة بالنسبة لي، هي كمن يخوض مغامرة، ولكن هناك دائما هاجس يعمل الفنان على أساسه. وبخصوص اللوحة الرئيسية، فهي لوحة كنت رسمتها في أواخر الثمانينيات، في وقتها كنت أصور فكرة وكانت طباعتها بطريقة الـ(سلك سكرين)، وصورت فيها معاناة الإنسان، والفكرة بوقتها كانت مونتاجاً بين لوحتين، لوحة لسيلفادور دالي ولقطة لمبنى إمباير ستيت في مدينة نيويورك. ومن حيث موضوع اللوحة، إنها تتحدث عن الإنسان العصري الذي هو مصلوب بطريقة ما، مصلوب من المادة والأموال والمظاهر، فهو إنسان مستلب بكل معاني الكلمة، فكان الموضوع من هذا المنظور. مؤخرا وجدت أن التجربة معيشة للمرة الثانية، ونيويورك موجودة مرة ثانية، واللوحة بمعناها السياسي والأخلاقي لها دلالاتها السياسية- لكونها تمثل نيويورك- فوجدت أنني أحييها مرة أخرى، وطبعا كلنا لاحظنا ما حصل في دير الزور والرقة والمدن السورية الأخرى، فالتاريخ أعاد نفسه بطريقة مختلفة، ولكن المعاناة والتجربة الذاتية موجودة، وحتى يضم المعرض لوحة أخرى مشابهة لها، وهي تصور الحلاج وهو من الشخصيات العربية، والذي صلب بسبب عقائده وأفكاره وأرائه الفلسفية، حتى إن اللوحات تدفع إلى التأمل وأرى هذا جزءاً أساسياً فيها، وفي النهاية أنا أرى أن الفكر الذي سينقذ الفكر العربي هو فلسفة التصوف، الذي يقوم على المعيار الإنساني ويعطيه الأولوية الكبيرة».

بمعنى الكلمة.. فنان
تحدث شيخ الفنانين التشكيليين السوريين الفنان الياس زيات عن المعرض واللوحات مشيدا بما رأى «إحسان عنتابي من الفنانين المتميزين، ليس فقط في اختصاصه الغرافيك، وإنما كفنان تشكيلي يعرف نظريات الفن ومدارس الفن وتاريخه، وأنا اعتز به، وافتخر به كثيرا، وكنت تعاملت معه بالجامعة، وطوال تلك الفترة حتى اللحظة لم يتغير رأيي به، فهو شخص لطيف ومتعاون مع الزملاء والطلبة بشكل كبير».

متفوق على التكنيك
من جانبه تحدث الفنان التشكيلي وليد آغا عن تجربة عنتابي قائلاٍ: «الحديث عن الدكتور إحسان يطول، ولكن من خلال مشاهدتي لمعرضه الحالي أقول: تجربته في الماضي في أول معرض له كانت لافتة جدا بحكم طبيعة اختصاصه، ولكن في هذا المعرض بالتحديد، نرى مراحل تفاجئنا، وتنم عن خبرة وتقنية يتملكها بشكل كبير، وعن إحساس عالٍ جدا بمجال الغرافيك والتصوير- هذا بحكم اختصاصه أكيد- ولكن الأمر المهم هو المساحات الكبيرة للأعمال التي يطرحها لأول مرة كمعرض له، بمعنى أنه كان قدم أعمالا بالحجم نفسه، ولكن ليس بهذه الكثافة. بالمطلق نرى أن كل الأعمال تعبر عن فانتازيا معينة، يتكلم بها الفنان عنتابي في أعماله، ومما لاشك به المرأة موجودة ولكن بإحساس الفنان، وقلائل جدا الذين عملوا بالتقنية أو «التكنيك» وأجادوا به، ليس هذا فقط، بل هو تفوق على «التكنيك»، فهناك الكثير من الفنانين الذين يعملون بالأخير، ولكنه يأسرهم ويتفوق عليهم، بعكس فناننا. أنا مسرور بهذا المعرض، لأن فيه أعمالاً تقدم لنا رؤى جديدة وإنسانية، من واقع الحال الذي مررنا به بشكل أو بآخر، وهذا حاضر حتى مع نظرته بتفاؤله أو ببصيص من الأمل، فالتفاؤل موجود والإنسان موجود، والذي أراه في المعرض هو دليل عافية كما العادة في المعارض المميزة وأن سورية موجودة وستبقى».