جدلية جديدة بين أعمال النحات علاف والتشكيلي النزهان في صالة ألف نون.. شعبان: بلد يوجد فيه مثل هؤلاء الفنانين لا خوف عليه

جدلية جديدة بين أعمال النحات علاف والتشكيلي النزهان في صالة ألف نون.. شعبان: بلد يوجد فيه مثل هؤلاء الفنانين لا خوف عليه

ثقافة

السبت، ١١ فبراير ٢٠١٧

احتضنت صالة ألف نون للفنون والروحانيات في جدليتها الخامسة مساء اليوم أعمال كل من النحات غزوان علاف والتشكيلي جمعة النزهان مكونة توليفة فنية انسانية تحكي قصص الانسان السوري بحضارته وجماله الروحي إلى جانب معاناته نتيجة ما تشهده سورية من حرب ارهابية عليها.

وقدم النحات علاف حوالي ثلاثين عملا نحتيا بخامتي البرونز والخشب بأحجام تراوحت بين الكبير والمتوسط والصغير ضمن عدة مجموعات اغلبها جاء على شكل بورتريهات انسانية في ثنائيات الرجل والمرأة مع وجود اعمال مكونة من عدة اجزاء لتتكامل في مشهدية درامية معبرة.

كما قدم ابن مدينة دمشق أعمالا اعتمدت منحى فكريا وفلسفيا عبر الاطار بأشكال هندسية تنوعت بين المستطيل والمثلث تتطاول منها شجيرات الأمل مع جذورها الضاربة في الأرض للتعبير عن حالات عاشها السوريون خلال الحرب الإرهابية منها الشهادة والمقاومة والتشبث بالأرض.

بورتريهات علاف تطرقت للقهر الذي يواجه الانسان الهارب من الموت في رحلته في الغربة مقدما عرضا لا يخلو من المرارة ولكن بنفس متفائل وفرح حيث تنتصر فيه الحياة والحب على الموت.

و يقول النحات علاف في تصريح لـ سانا: “تجمعني مع التشكيلي جمعة النزهان زمالة وصداقة طويلة ولنا عدة نشاطات فنية مشتركة منذ أكثر من 15 سنة وكان هذا اللقاء الجديد من خلال فكرة متكاملة بيني وبينه حيث قدم لوحات تحت عنوان “بيوت تسكننا ولا نسكنها” وقدمت منحوتات هي بورتريهات انسانية تحت عنوان “الحب في وجه الموت”.

ويجد النحات علاف أن خامة الخشب مادة دافئة وحية وجميلة وغنية بالملمس والالوان وترتبط بالارض والوطن أما البرونز فهو معدن نبيل مطاوع وقوي جدا بذات الوقت وله ديمومة طويلة مبينا أن ميله لهاتين الخامتين أو الدمج بينهما مبني على الفكرة أولا ثم على البناء الهندسي للمنحوتة ثانيا فلكل منهما مزاياه وعيوبه الفيزيائية.

أما عن مواضيع منحوتاته فيوضح علاف أن همه الفني هو الإنسان وعلاقته بالآخر وبمحيطه فيقدم أفكاره وأحلامه وآماله وهواجسه وانتكاساته مبينا أن الإنسان حاضر بمنحوتاته سواء أكان بذاته أو برمز يدل عليه.

ويقول علاف: “الإنسان في أعمالي إما متصوف غارق بتأملاته وصلاته أو متمرد مشوش في حالة من اللا استقرار بحثا عن الحقيقة وهو ما يكون عادة في الأعمال التي فيها أجزاء متحركة” لافتا إلى أنه من الطبيعي أن يكون للحرب تأثير على كل فنان لأن الأخير لا يستطيع أن يعزل نفسه مهما حاول فهو منخرط بشكل حتمي وأكثر من غيره في الواقع وقد يظهر هذا التأثر لحظيا أو بعد فترة.

ورأى علاف أن الأخطر في هذه الحرب الإرهابية الفكر الرافض للآخر والهادم للحضارة والانسانية موضحا أن جميع المنجزات الحضارية التي نملكها نتاج مبدعين سبقونا وأننا امتداد حضاري لمن انجزوا هذا التراث الحضاري الكبير.

أما التشكيلي النزهان فقدم حوالي خمسة وعشرين عملا تحت عنوان بيوت تسكننا ولا نسكنها من مختلف الأحجام بتقنية الاكريليك على قماش وكرتون بالاضافة لمواد مختلفة على سطح اللوحة بأسلوب تعبيري يقترب من التجريد في بعض الأعمال و يحمل خصوصية لونية حيث تراوحت ألوان اللوحات بين الأبيض والأسود والرمادي ودخلت في بعضها نحو الألوان الصريحة بمختلف درجاتها.

وظهر في لوحات النزهان ابن مدينة دير الزور تعلقه بالبيوت كذاكرة ممتدة للانسان ولحالاته فكانت بيوتاته متراكبة متطاولة نحو السماء ومتمايلة في بهائها رغم الحزن الذي تغرق فيه كما يلجأ النزهان لإغناء تقنية الموضوع لديه للحك والكشط والتهشير على سطح لوحته مع طبقات اللون التي تظهر تارة وتشف في غيرها كما يستعمل اللون الذهبي مع تسييل اللون ما يجعل لأسلوبه خصوصية إلى جانب استعماله لرموز خاصة تثير المشاهد لقراءة قصة درامية شرقية يختزلها الخط واللون.

وعن ظروف إنتاج هذه الأعمال يقول النزهان: “رسمت هذه الأعمال بين عامي 2014 و 2016 فجزء منها كان في دير الزور حيث كنت محاصرا من قبل أصحاب الفكر الأسود من إرهابيي داعش فأنتجت عدة أعمال كنت أرسل ما استطيع منها إلى دمشق سرا بمساعدة صديق لي”.

ويتابع النزهان: “مع اشتداد ممارسات إرهابيي داعش نحو أهالي دير الزور وتنكيلهم وقتلهم لكل مبدع وصاحب فكر قررت المغادرة الى دمشق بعد أن أخفيت كل أعمالي الفنية وأشيائي وكتبي تحت التراب” مبينا أنه خلال تلك الفترة كان يرسم باللونين الابيض والاسود ومشتقاتهما من الرماديات التي كانت تشبه ما يعيشه من صدمة وذهول.

وأوضح النزهان أن إقامته في دمشق أثرت في مزاجه الفني وبدأت تظهر في لوحاته ومضات لونية خجولة توحي له بحياة جديدة مبينا أن صالة ألف نون استقبلته واحتضنته كما أنها تقدم مشروعا ثقافيا مهما يدفع الفنان إلى الابداع ضمن شراكة حقيقية.

وحول علاقة الموضوع بالتقنية والأسلوب أشار النزهان إلى أن بيئة الفرات والبادية التي ينتمي لها حفرت في عقله وخياله تفاصيل عديدة من حقول القمح الصفراء ووجوه الحصادين السمراء المتعبة وتلويحات النساء بأزيائهن الملونة ومنظر الدبكة بألوانها المتراصة والقبب والماذن والبيوت الطينية مختتما تصريحه بالقول “غادرت بيتي الذي أسكنه ويسكنني وصار هو موضوعي الذي أرسمه في استطالات لونية أرصد تفاصيلها الموجودة في كل مدن سورية”.

من جهته يقول الفنان بديع جحجاح مدير وصاحب صالة ألف نون: “يأتي المعرض من قلب الحرب والمأساة ليثبت أن ثمة أبواب تفتح يتخللها نور الأمل تنقلنا الى ضفة البهجة المرتقبة حيث فرح ما ينادينا لنوثق الزمن من خلاله عبر تدفق الطاقة المؤنسنة الممزوجة باللون والممتلئة بالحركة ويعانقها النور من أجل سورية الحياة”.

ويتابع جحجاح “ألف نون تساهم بدعم الفن السوري من خلال احتضانها لفنانين سوريين من كل جغرافية الوطن يجمعهم وعي الانسان والجمال والمعرفة النوعية وتعمل للمساهمة في تأريخ مسيرتهم التشكيلية في ظل الحرب اللاإنسانية على وطننا” مؤكدا أن الصالة رحم يحتضن الفنانين السوريين أصحاب التجارب النوعية لتكون جسور تواصل بينهم وبين الآخرين ليعبروا عن أنفسهم.

وختم جحجاح تصريحه بالقول “نلاحظ عودة نشاط عدة صالات فنية في هذه الايام بمختلف المحافظات وهذا يساهم من خلال المعارض الفنية بتنشيط الحالة الاقتصادية عبر بيع الأعمال الفنية وعملية الحضور الكبير للفن بوجه الأزمة والتواصل بين أبناء الوطن”.

المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان أكدت خلال حضورها افتتاح المعرض أن نتاج الفنانين السوريين يزيد الاطمئنان على سورية ومستقبلها لان البلد الذي يوجد فيه مثل هؤلاء الفنانين المؤمنين بالحياة وببلدهم وبالمستقبل لا خوف عليه.

وقالت الدكتورة شعبان “الفنان جمعة من دير الزور يلون سورية بألوانها كلها وهذا سر عظمة سورية وإنسانها الذي يحمل آلاف الحضارات في قلبه وعقله ووجدانه ويترجمها الى جمال وخير وعمل دؤوب وايمان بمستقبل وطنه أما منحوتات علاف ولا سيما التي تناولت الشهيد فهي تؤكد أن من بذل حياته لوطنه لن تذهب هدرا وانما تنمو وتنبت”.

بدوره اعتبر محمد الأحمد وزير الثقافة أن الأعمال المشاركة بالمعرض حققت قدرا عاليا من الشفافية والولوج نحو عوالم مختلفة سواء في لوحات النزهان التي عبرت عن مجموعة من الأحياء المأهولة بالبشر أو منحوتات علاف التي تطرقت بدورها لقضايا عديدة كالهجرة والشهيد الذي تتفرع منه شجرة الحياة.

وأكد وزير الثقافة أن الإبداع السوري الذي يضم إرثا ضخما من الحضارة والتاريخ والثقافة العميقة ويسنده الجيش العربي السوري سيظل صامدا وعصيا على أي مؤامرة تستهدفه.

محمد سمير طحان ورشا محفوض