"إجت المي وانقطعت الكهربا .."...معاناة الصيف الماضي هل تتكرر؟! مدير عام مؤسسة المياه: لا خوف من شح المياه هذا العام ولكن؟!

"إجت المي وانقطعت الكهربا .."...معاناة الصيف الماضي هل تتكرر؟! مدير عام مؤسسة المياه: لا خوف من شح المياه هذا العام ولكن؟!

الأزمنة

الاثنين، ١٨ مايو ٢٠١٥

محمد الحلبي – رولا نويساتي
تبحث الأمم عن تاريخٍ لها يثبت حضارتها وأصالتها... ويقف التاريخ على أبواب دمشق يستجدي أن يملأ سطوره بعبقها وحكاياتها وألقها.. يريد أن يتزود منها كي يحكي للأجيال القادمة أنه مرّ من أرض الشام ذات يوم, وتعلم من أهلها كيف تكون الحضارة والأمجاد التي تُبنى عليها الأمم.. نحن لا نبحث عن تاريخٍ لنا.. نحن لا نبحث عن مجدٍ زائف.. فعراقة السوريين ضاربة في أعماق التاريخ, ويكفي التاريخ فخراً أنه بدأ سطوره من أقدم عاصمة في التاريخ.. دمشق.. ونبع مياه عين الفيجة شاهد على ما نقول.. ومن هنا بدأت الحكاية..
رحلة المياه إلى دمشق
كانت مدينة دمشق تروي ظمأها من نبع بردى وفروعه في عهود لم تكن تتوافر فيها الأنابيب المقاومة للضغط, فابتدع السوريون طريقة تُسمى (الطوالع) لتخفيف الضغط في الأنابيب خشية انفجارها لتوزيعها على المدينة بمقادير محددة, وكان الناس يملؤون أوانيهم من بعض العيون الموجودة حول المدينة مثل "عين الكرش وعين الفيجة وغيرهما من العيون", ولتحسين المستوى المعيشي لأهالي دمشق ارتأى الناس آنذاك إسالة جزء من مياه عين الفيجة إلى مدينة دمشق وتوزيعه على المناهل المنتشرة في أنحاء المدينة, فجُرّت المياه عام 1908م لتصب في خزانين في المنطقة الشمالية من دمشق ليوزعان المياه على 400 سبيل منتشرة في أنحاء المدينة, بمعدل ساعتين في الصباح والمساء, وكان هذا الأمر كافياً لسد حاجة السكان من مياه الشرب, وظلّ أهالي مدينة دمشق يستخدمون مياه الأنهار للأغراض المنزلية حتى عام 1924م حتى اجتمع نخبة من أعيان دمشق انبثقت عنهم لجنة تمكنت بعد كفاح مع المستعمر من تخليص هذا المشروع من براثن الشركات الأجنبية وشُكلت جمعية ملّاكي المياه بدمشق انبثقت عنها لجنة عين الفيجة والتي أشرفت على مشروع جر مياه عين الفيجة إلى مدينة دمشق, حيث تم تدشين هذا المشروع عام 1932م بإسالة المياه إلى بيوت دمشق على نطاق واسع, حيث جُمعت المبالغ اللازمة من المواطنين عن طريق شراء حقوق ارتفاق دائمة على الماء, والتي بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 300 ألف ليرة ذهبية... وفي عام 1975م صدر المرسوم التشريعي بإحداث المؤسسة العامة لمياه عين الفيجة, لتتولى جر واستثمار مياه نبع الفيجة أو أي مصدر مائي يُرخّص له.. حيث كان عدد المشتركين أن ذاك 4 آلاف مشترك, ولكن بعد عدّة سنوات وصل عدد السكان إلى 535 ألف نسمة حسب إحصائية عام 1960, وقد فاق هذا الرقم كل التوقعات.. فعملت المؤسسة على إنشاء نفق جر جديد لجر المياه من نبع عين الفيجة وإنشاء 10 خزانات إضافية لزيادة طاقة التخزين اليومية وتمديد شبكات لتوزيع المياه بدلاً من الشبكات القديمة البالية, لتغطي المناطق المُحدثة في المدينة...
تأهيل شبكة مياه دمشق حديثاً
في أواخر القرن الماضي قامت المؤسسة العامة للمياه بوضع خطة لاستبدال وتأهيل شبكة مياه دمشق القديمة, حيث بُدئ بتنفيذ الخطة عام 1999م واستمر حتى عام 2005م, فكانت كمية المياه التي تم توفيرها حوالي 135 ألف متر مكعب, ومن ثم تمّ استبدال التوصيلات المنزلية البالية واستبدال عدادات المياه لـ55 ألف مشترك, وبهدف تحسين المستوى المعيشي للسكان قامت المؤسسة بتمديد شبكات مياه نظامية إلى مناطق المخالفات والسكن العشوائي أيضاً (التضامن – نهر عيشة – بستان الدور – قدسيا – وغيرها من المناطق الأخرى..), ونظراً لمحدودية إمكانيات نبع الفيجة أعدت المؤسسة خطة جديدة هدفها تحسين ظروف الحياة في مدينة دمشق ومحيطها من خلال مشروع جر جزء من مياه فائض الساحل السوري وبحيرة الأسد إلى مدينة دمشق وريفها لكن الأوضاع الحالية للبلاد حالت دون إتمام هذا المشروع..
المواطن يدفع أجور نقل المياه وليس ثمناً لها
إثر شح المياه في العام الماضي ومعاناة الناس في مدينة دمشق من تكرار المعاناة في صيف هذا العام التقت "الأزمنة" مدير مؤسسة مياه عين الفيجة المهندس حسام الدين الحريدين فقال حول هذا الموضوع: في العام الماضي عانت مدينة دمشق من شح كبير في المياه بسبب قلة الهطلات المطرية, حيث بلغ متوسط الهطلات 284 ملم, وقد واجهت المؤسسة عقبات كثيرة في إيصال المياه إلى المواطنين, ناهيك عن الاكتظاظ السكاني في المدينة وصيانة بعض الشبكات أيضاُ.. لكن في هذا العام بلغت الهطلات المطرية في مدينة دمشق 665 ملم وبمعدل وسطي 511 ملم, حيت تبلغ حصة الفرد وسطياً 120 لتراً يومياً من المياه (متضمنة الشرب والاستعمالات اليومية) ومع هذا نطلب من المواطن ضرورة ترشيد استخدام المياه فهناك أمور خارجة عن إرادتنا قد تحدث بشكل طارئ كأن تغور المياه في باطن الأرض بشكل مفاجئ, وقد عملت المؤسسة على تأمين المياه إلى المناطق النائية من خلال صهاريج مياه معتمدة من قبل المؤسسة مجاناً.. وأحب أن أوضح هنا أن المواطن يدفع أجور نقل المياه وليس ثمناً لها, حيث أصدر السيد وزير الموارد المائية قراراً بإعادة هيكلة المياه والتعرفة لنقلها, وفي حال وجود أي مخالفة بإمكان أي مواطن الاتصال بالمؤسسة والإبلاغ عن هذه المخالفة, حيث يجب على كل صهريج يقوم بنقل الماء بإعلان سعر نقل المتر المكعب ورقم الرخصة في مكان بارز على الصهريج...
ولدى سؤالنا المهندس حسام الدين عن آلية تنسيق العمل بين مؤسسة المياه ومؤسسة الكهرباء، وكثيراً ما يكون هناك تضارب بين موعد وصول المياه إلى المواطنين ومواعيد تقنين الكهرباء, فكثيراً ما نسمع المواطن يقول: (إجت المي وانقطعت الكهربا.. ولم نتمكن من ملء الخزانات), فأجاب: هناك تعاون كبير مع وزارة الكهرباء وبشكل مستمر, إلا أن هناك ظروفاً طارئة خارجة عن إرادتنا بسبب أعطال الكهرباء المفاجئة, وهذا ما يُعطل عملية إيصال المياه إلى المواطنين في بعض الأحيان...
وأضاف المهندس حسام الدين: إن المؤسسة تقوم على مدار العام بحملات ومشاريع توعية لترشيد استهلاك المياه وكان آخرها مشروع حديقة الندرة المائية.
حديقة الندرة المائية
عن هذه الحديقة حدثنا عصام الطبّاع مدير الشؤون الإدارية والقانونية في المؤسسة قائلاً: هذه الحديقة تحتوي على نباتات مقاومة للجفاف ونباتات عارية الإرواء مثل: "زعرور الزينة – نباتات شوكية – نباتات شاطئية – وزال – ونبات خف الجمل وغيرها من النباتات" حيت تستخدم مياه الأمطار لسقايتها, ومن هنا عملنا على ابتكار تقنيات جديدة للسقاية من شأنها أن تحد من استخدام المياه في عمليات سقاية المزروعات, حيث تتلخص هذه الآلية باستخدام الطاقة الشمسية عبر خلايا تعمل على شحن عدة بطاريات تقوم بإصدار أوامر إلى أنابيب ري المزروعات بالتنقيط في مواعيد محددة وبطريقة مؤتمتة من شأنها أن توفر المياه بكميات كبيرة جداً, وتمتاز هذه الطريقة بقلة تكاليفها وتوفيرها للطاقة الكهربائية أيضاً.. وقد عملت المؤسسة على تشييد معرض دائم على أرض هذه الحديقة يحكي عن تاريخ استجرار المياه إلى مدينة دمشق من العصر الروماني وحتى يومنا هذا وبإمكان أي مواطن زيارة هذا المعرض في أي وقت يشاء..
رسالة من المكتب الصحفي في المؤسسة
المكتب الصحفي في المؤسسة أرسل رسالة إلى المواطنين عبر مجلة الأزمنة تقول: "نحن فعلاً نعاني من أزمة شح في المياه لكن هناك أيضاً أزمة أخلاق من بعض المواطنين كالذين يستجرون المياه بطرق غير مشروعة بتركيب مضخات مياه كبيرة (حرامي مياه) حيث يقوم باستجرار مياه بشكل دائم ويقطع المياه عن باقي المواطنين.. علينا أن نتذكر دائماً أن مدينة دمشق أصبحت مكتظة بالسكان بشكل كبير وعلى المواطنين ترشيد المياه بكافة السبل ليتسنى لنا تأمينها إلى جميع المواطنين بشكل عادل...