بين المتقاعد والصراف والأرقام المنتهية

بين المتقاعد والصراف والأرقام المنتهية

الأزمنة

السبت، ١٦ مايو ٢٠١٥

زهير جبور
منذ شهرين وأكثر لفت انتباهي منظر المتقاعدين حاملين بطاقاتهم المصرفية ليحصلوا على مرتباتهم الشهرية التي يبدأ العمل بها منذ 20 الشهر ولغاية 5 من الذي يليه، والعمل المحدد جاء بسبب تخفيف الضغط وإفساح المجال أمام هؤلاء للتعامل مع الصراف من دون ازدحام وخاصة أن البعض منهم يصل من القرى، وهم يعانون بطبيعة الحال من وسائط النقل والانتظار الطويل، وجميعهم في أعمار لا تؤهلهم لمواجهة مشاكل حياتية فرضتها الظروف، اعتادوا سابقاً على التعامل مع المحاسب الذي يعرفهم بالاسم ويتفاهم معهم بالتراضي، ولا حاجة للرقم السري الذي غالباً ما ينسونه، ووضع البطاقة التي إن التهمتها الآلة فلا تفاهم معها وسيضطرون إلى مراجعة البنك، وإجراءات فرضتها الأتمتة، وهو ما حصل مع الكثيرين فعادوا إلى قراهم خائبين حتى الانتهاء من إخراج البطاقة أو تجديدها، ضريبة الحضارة التي أدخلت على حياتهم في سن متأخرة، لا هي فهمت عليهم ولا هم فهموا عليها، وهكذا نشبت المشاكل فيما بينهما وهم مجبرون على تقبلها، هذه الحال استثمرت من قبل باعة القهوة المتنقلين في الشوارع الذين يرابضون بجانب الصرافات التي ستزدحم في موعدها المذكور أو باعة اليانصيب وأحياناً البوشار، فهو وجبة لا تحتاج لمتانة الأضراس، ويسكت الجوع إن طال الانتظار ويسهل بلعه، ومن بينهم الذين يؤمنون بضربة الحظ التي لم تصبهم سابقاً، وبعد قبض المبلغ يتجهون إلى بائع أوراق اليانصيب فلعل الزمن البائس يخفف بعضاً من بؤسه ويقودهم إلى تطابق الأرقام مع الملايين الموعودة، أو نصفها، أو حتى الأرقام المنتهية التي تربح ثمنها، ومن حقهم الحلم فهو لا يحدد بالعمر والأماني قد تبقى متيقظة وإن تهالك الجسد وكثر المرض، ونزعة البقاء لا تنطفئ إلا حين مغادرة الروح للجسد، ومن قصص اللاذقية أن الرجل أدمن على شراء أوراق الحظ ولم يحالفه إلا بعد بلوغه السبعين حينذاك قذف بالمبلغ المقبوض حظاً في الطريق وهو يبكي بشدة ويصرخ (هلق إجيتو شو بدي ساوي فيكم. تأخرتوا كتير) الحادثة جرت بداية سبعينيات القرن الماضي وضرب بها المثل الذي يتردد حتى الآن، إن وصل حظك متأخراً فما الفائدة؟ قام الناس بجمع النقود وإعادتها إليه ولم تكن يومذاك ظاهرة السرقة والتشليح والنصب منتشرة كما هي اليوم، يقال إن الرجل كان عاملاً في مستودع تبغ الريجي أمضى حياته في فقر شديد ورطوبة التبغ نخرت صدره، ومات من بعدها، لكن أولاده تنعموا بالمبلغ وأصبحوا أثرياء، هو الحظ يضرب من يشاء ويعطبه، ويحرم من يحرم ويميته قهراً.
•    كيف تقدم الخدمة
لماذا تتعطل الصرافات؟ وغالباً ما تكون متوقفة عن العمل، ومن يرد أن يسحب منها فعليه تكرار زياراته إليها، وهل ثمة حاجة لإضافة معاناة أخرى؟ ويكفي ما يحمله المواطن من معاناة وهو يواجهها منذ صباحه الدموي حتى رقاده الليلي إن تمكن ولم يضربه داء الأرق الذي أصاب معظم أبناء الشعب، في البنك التجاري السوري بفروعه باللاذقية يعللون الأسباب التي فرضتها ظروف البلد ومنها انقطاع الشبكة بشكل مستمر، وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وعلى الساحب أن يحدد موعده مع انقطاعها وساعات استجرارها، الأول يمتد أكثر من الثاني يطول كثيراً لتخف الزحمة تدريجياً ويعود كل واحد من حيث أتى، من دون المرتب أو ورقة اليانصيب، ربما يأكل البوشار، وجدته يأكله فعلاً..... (هو اليوم الثالث حضرت من الحفة ولا توجد لدينا صرافات هناك إن لم تكن الزحمة فالكهرباء مقطوعة، وإن وفقنا بين الطرفين تتعطل الآلة، وما علينا إلا أكل البوشار.. تفضل كول) بهذه السخرية قابلني الرجل الذي يبلغ الستين من العمر ويضيف الحمد لله في شوية همة راح يخلص عليها الصراف الآلي، مكتب الحفة للخدمة أغلق بسبب الأحداث التي نشبت هناك ولم يعد افتتاحه من جديد، وثمة 16 صرافاً موزعة على مدينة اللاذقية لفروع المصرف(1-2-3-4) وفي مدينة جبلة صراف واحد فقط، وثمة مكتب للخدمة بشارع الجمهورية باللاذقية، منذ بداية التعامل مع الصرافات لم يكن هذا العدد كافياً لتقديم الخدمة كما ينبغي، وكان من المفترض التوسع بتركيبها، وما حصل أن زيادة في عدد السكان طرأت، وتوافد الإخوة الضيوف من المحافظات الساخنة أدى إلى مواجهة هذه الصعوبات، ومن جانب آخر فإن الصرافات استهلكت وبحاجة للصيانة بشكل دوري، وأجهزة (الكمبيوتر) بالمصارف يلزمها تغيير، والعدادات النقدية أكل عليها الزمن، وعمر المولدات الكهربائية 70 سنة، وتتغذى الصرافات أكثر من مرة باليوم، وعددها قليل جداً إذا ما قورن بحجم عملها، هي مصادر البنوك المتعاملة مع هذه الحالة، وللإنصاف فإن موظفيها يعملون ما بوسعهم، ويقدمون خدماتهم، وساعات دوامهم طويلة، ولا يحصلون على حقهم في الإجازة الساعية، لكن الضغط الهائل والشكاوى لا تتوقف تجعلهم يحرمون منها، والأمر في حالات الذروة وهي دائمة تقريباً يتطلب الإسعافات السريعة إن تكللت مساعيها بالنجاح من دون العوائق التي ذكرت، وبسبب ضيق خلق المتعاملين خاصة المسنين فهم يتلقون النرفزات والشتائم أحياناً، ومن واجبهم أن يبتسموا ويتحملوا، وثمة احتياجات ضرورية لقطع تبديل لصرافات أعطالها دائمة وغير متوافرة، ويمكن أن نسجل ملاحظة المستوى المهني وتميزه، والبرامج تحتاج إلى تجديد، والخدمات الاجتماعية للموظفين معدومة، فلا وسائل لنقلهم إلى مراكز العمل والعودة منها، ويمكن أن نلحظ عدم توافر الكراسي والحوافز القليلة، والواقع بما فيه يتطلب إعادة النظر وتجديد المستلزمات وتخديمها بما ينسجم مع حجم الأعمال التي تؤديها، وقديماً لم تكن العلاقة مع البنوك كما هي عليه اليوم، وكانت محصورة في عدد قليل من المتعاملين مثل التجار وغيرهم، فيما هي الآن تكاد ترتبط بمجموعات كبيرة من أبناء الشعب.
•    الأكثر حاجة
سابقاً كانت القروض بالنسبة للمواطنين تطلب للحاجة الملحة، مثل استكمال بناء بيت أو ترميمه، أو شراء المستلزمات التي باتت ضرورية خاصة بعد دخولنا زمن (الغسالة) بديلاً عن (الطشت) والثلاجة عوضاً عن النملية، وفي حال الرفاه (الجلاية) للمحافظة على أنامل السيدات ناعمة، هكذا تقتضي حضارة الأنوثة، وأضاف المتحدث: لا يا أخي نحن اليوم نحتاج القرض كي نأكل ونطعم أطفالنا، ولولا مصرف التوفير الذي يمنح القروض لقتلنا الجوع، والسيد مقداد هو صاحب الرأي وقد أخذه إجراءات القروض في سياقها القانوني لا يخلو الأمر من بعض الاستثناءات في الدور حيث المتعامل يحتاجه لجراحة سريعة أو لشدة حلت مباغتة، أو واسطة لا بد من إرضائها، وهؤلاء كثر، ومعاناة للموظفين وضمائر حية مؤمنة بالوطن والعمل، وأخرى لا يعنيها الموضوع، لكنه المصرف الذي يفرج الكرب، برغم أن المبلغ سيعاد على أقساط طويلة وهو ما يشكل عبئاً آخر من صلب الواقع الذي يراه، وفي بنك القروض هذا ازدحام لا شبيه له، والكل يسعى للحصول على القرض من الموظفين أو المتقاعدين / 300 ألف ليرة سورية للأول و200 ألف للثاني/ وسترى ما فيه العجب، وللعدالة يعمل الموظفون على تسهيل على المرتب الشهري الذي اضمحل حتى درجة التلاشي في سوق للعيش تبطش وتسلط سياطها على أجساد الفقراء لتترك آثارها الجسدية والنفسية والقهرية وجميعهم يتجهون إليه لحل الضائقة الخانقة، والأكثر كارثية إذا ما أعلن عن توقف هذه القروض وعدم منحها... ولتنتهي في أمل تفاؤلي يمكننا من مواجهة الصعاب وتجاوزها، والوطن الذي رعانا ويرعانا لم يكن على ما هو عليه الآن وفي انتصاره لا بد أن كل شيء سوف يتغير نحو الأفضل وما علينا إلا الصبر والأمل والدعاء والعمل.