استحقاقات إعادة البناء والإعمار بين ملف لم يكتمل ورقم إحصائي غائب
تشريعات تنتظر.. والتمويل على المحك

استحقاقات إعادة البناء والإعمار بين ملف لم يكتمل ورقم إحصائي غائب تشريعات تنتظر.. والتمويل على المحك

الأزمنة

السبت، ١٦ مايو ٢٠١٥

*أحمد سليمان
 على اعتبار أن عملية إعادة البناء هي استحقاق قادم لا محالة ضمن مرحلة إعادة الإعمار ومع عدم وجود أي إحصاءات رسمية عن حجم وقيمة الدمار الذي خلفته الحرب، بسبب استمرار العمليات العسكرية واعتداءات الإرهابيين، فإن هذه العملية تتطلب لتأمين احتياجاتها من مواد البناء ومستلزماته لإعادة بناء ما تهدم من أبنية سكنية أو إعادة إنشاء ضواح ومناطق سكنية خاصة وتجهيزها تحتاج إلى مصانع ومعامل لا تزال قليلة العدد والطاقات وما زالت بناها التحتية بعيدة وضعيفة التجهيزات..
وضع الدراسات
 ومن هنا يبدو التساؤل مشروعاً عن الدور الذي يمكن أن تقوم به الدولة في مجال التشريعات توفير الخطط التمويل أو الدخول كمستثمر حيث يؤكد الباحث الاقتصادي الدكتور نضال طالب في تصريح خاص أن حجم الدمار الذي تعرضت له سورية نتيجة استهداف المساكن والبنى التحتية ومرافق الدولة العامة والخاصة والجسور والطرق وجميع المنشآت السكنية والخدمية، قد وصل إلى حد أصبح فيه لزاماً على الحكومة وعلى المعنيين وضع الدراسات اللازمة لإعادة إعمار ما دمرته الأزمة ومدى الحاجة الأولية للمباني البديلة والبنى التحتية والمدارس وغيرها من البنى العمرانية، ولا بد هنا من تعزيز دور التخطيط الإقليمي المكاني في هذا الإطار، معتبراً أن أدوات العمل التخطيطي والإداري التي كانت سائدة قبل الأزمة، لن تكون فعالة وناجحة في مرحلة إعادة الإعمار بعد الأزمة، وهي المرحلة المختلفة والاستثنائية والتي تتطلب قرارات وبرامج استثنائية، وبالتالي المطلوب على المدى القصير خطط واقعية واستثنائيةً، وعلى المدى المتوسط والبعيد استراتيجيات ورؤى استشرافية ترسم علاجاً واضحاً لاختلالات هيكلية في الموارد الإنتاجية المادية، وعلى رأسها عنصرا رأس المال البشري والمادي اللازمان لتمويل مرحلة إعادة الإعمار.
تحضير ملف متكامل
 ومن هذا المنطلق فالحكومة مطالبة حالياً أكثر من أي وقت مضى وعلى المدى المنظور بتحضير ملف متكامل حول مرحلة إعادة الإعمار بواقعها الحالي وبكافة متطلباتها ومستلزمات نجاحها ومسؤوليات الدولة السورية والمجتمع الدولي حيال هذه المرحلة ولا بد قبل كل ذلك من الاعتماد والانطلاق من أساس إحصائي شبه دقيق، حيث نلحظ وللأسف بأننا وبعد أربع سنوات من الأزمة السورية لم يصدر عن المؤسسات الوطنية المعنية بتقديم الدراسات التحليلية والإحصاءات الرسمية لم يصدر عنها ما يغطي هذا الملف فعلياً من تقديرات ولو أولية عن حجم الأضرار المادية التي خلفتها الأزمة في سورية. بالرغم من صدور بعض التقارير عن بعض المراكز التحليلية الخاصة. وقد قدرت إحدى الدراسات الصادرة مؤخراً وهو التقرير الصادر عن مركز السياسات والبحوث السوري بـحوالي (72) مليار دولار أمريكي الأضرار المادية في العقارات والأبنية والآلات.
حزمة تشريعية ملائمة
وعلى التوازي ومع تحضير الملف المذكور من الضروري إعداد حزمة تشريعية ملائمة لمرحلة إعادة الإعمار مرنة ومتطورة، تغطي الجوانب القانونية المطلوبة كما يجدها الباحث طالب ويمكن أن يكون جزء مهم من هذه الحزمة تفعيل ومتابعة العمل لاستصدار قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص معتبر أن المرحلة تتطلب وجود مؤسسة وطنية متخصصة في إدارة عملية إعادة الإعمار كالهيئة الوطنية لإعادة الإعمار على سبيل المثال ذات بنية تنظيمية مناسبة تتصف بالكفاءة والقدرة على العمل بعيداً عن البيروقراطية والروتين، تضم المعنيين من الحكومة والجهات ذات العلاقة ومن ممثلي البنوك، ومجلس إدارة تنفيذي يتكون من خبراء ومختصين من القطاعين العام والخاص، لمتابعة مشاريع البناء والإعمار، وتتم الرقابة على الهيئة من قبل لجنة مؤلفة من مجلس الشعب.
 وفيما تبدو مسألة توفير التمويل اللازم شائكة في هذا المجال يلفت الدكتور طالب الانتباه إلى مراعاة هذه المسألة لتمويل إعادة الإعمار حين استصدار الحزمة التشريعية وعلى أن تتم دراسة إحداث صندوق خاص بإعادة الإعمار، تكون مهامه متركزة على إعادة تأهيل البيوت والمناطق المتضررة، أما موارده التمويلية فتكون من الإعانات أو المنح الدولية، بالإضافة إلى حصيلة المساهمة الوطنية لإعادة الإعمار وهي بنسبة معينة من الضرائب والرسوم، أو يمكن تمويل جزء منه عن طريق أذونات خزينة تصدر في حينه.
 نظاما (BOT) (PPP)
ويمكن أيضاً تطوير التشريعات التي تسمح مستقبلاً بطرح مشروعات الإعمار والبناء على شكل نظام البناء والتشغيل والإعادة (BOT) أو بشكل أعم (PPP) حيث يتولى بموجب نظام البناء والتشغيل والتحويل القطاع الخاص الأجنبي أو المحلي تصميم المشروع وتمويله وتشييده وتشغيله خلال مدة الامتياز المتفق عليها مع الحكومة، وتُحول أصول المشروع للحكومة عند انتهاء مدة الامتياز وكذلك تحديث القوانين والتشريعات التي تسهل إقامة المشاريع الصناعية ذات العلاقة بمستلزمات البناء وإعطائها المزايا اللازمة.
وفيما لا يبدو الآن وضع القطاع الخاص جاهزاً وأن أبدى بعض رجالاته استعداداته إلا أن الباحث طالب يؤكد أن هذا القطاع يؤدي دوراً مهماً جداً في برامج إعادة الإعمار، فهذا القطاع يملك المهارات والقدرات والعمالة والمصادر التمويلية، إضافة إلى أنه يتمتع بقدر كبير من المرونة والتكيف مع الظروف، فهو يستطيع المشاركة في عملية البناء أو المساهمة في تأسيس شركات مساهمة سورية كبرى، يكون كل مساهميها أو معظمهم من السوريين وتعطى هذه الشركات الأولوية في مشاريع إعادة الإعمار، بالإضافة إلى المزايا التحفيزية الأخرى. لا بد من وجود مناخ استثماري مناسب، وهنا لا بدّ من إعادة النظر بالتشريعات التي تطبق على المصارف العامة والخاصة، سواء بنظام التشغيل والاستثمار والتسليف، نظراً لطبيعة المرحلة القادمة وأهمية التمويل في اجتياز تحدياتها أو التخفيف منها، وتحسين البيئة القانونية والتشريعية والتنظيمية للعمل المصرفي، وإعادة النظر بتشريعاتها الإدارية والتشغيلية، بحيث تكون أكثر مرونة وأكثر فعالية، بما فيها التشريع الذي يُحظر على المصارف العامة الاستثمار المباشر أو المشاركة في مشروعات استثمارية. وليتمكن المتعاملين مع هذه المصارف من القطاع الخاص من المساهمة في عملية إعادة الإعمار.
لاغنى عن الاستيراد
وفي ظل الأزمة التي تمر فيها البلاد وما خلفته من تراجع في مقدرات الإنتاج وفي جميع القطاعات لا يمكننا الحديث عن الاستغناء عن الاستيراد حتى وإن كنا أمام وضع وتحدٍّ هو الأصعب من جهة توفير القطع الأجنبي. كما أن مرحلة إعادة الإعمار تتطلب مستلزمات كثيرة بمعظمها تفرض عملية الاستيراد بالطبع لحين إرساء ما يعوض عن ذلك ويحرك عجلة الاقتصاد السوري ويسهم في تأمين متطلبات عملية إعادة الإعمار لأن متطلبات هذه المرحلة تفرض مواد بناء وتجهيزات مصانع ومستلزمات بنى تحتية ووسائل وآليات نقل لزوم عمليات إعادة البناء مع التأكيد على ضرورة العمل على تطوير وتحديث التشريعات بما يلائم الوضع الراهن ويفتح المجال ويشجع الشركات العالمية المتخصصة بالدخول في مجال إعادة تدوير مخلفات الأبنية المهدمة للاستفادة منها من جهة وللقيام بترحيل المخلفات التي تعيق المباشرة بإعادة الإعمار من جهة أخرى.
 التمويل داخلياً أو...
بالرغم من التحديات التي تواجه عملية إعادة الإعمار فإن تأمين التمويل هو العملية الأساسية لإعادة الإعمار، سواء من خلال الاعتماد على المصادر المحلية، أو اللجوء إلى المصادر الخارجية، ولكل منها إيجابياتها وسلبياتها، فاللجوء إلى الاقتراض من الدول والمؤسسات المالية الصديقة، وبالرغم من إيجابيات من جهة السرعة في إنجاز الأعمال إلا أن هناك عقبات تتعلق برفع نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي وإضافة عبء مالي كبير على الموازنة العامة للدولة ما يعيق التنمية فيها لعقود قادمة، أما مساوئ الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، غالباً ما تفرض هذه المؤسسات على الدول المقترضة، شروطاً اقتصادية صعبة وتنازلات سياسية تمس بالسيادة وتضع البلاد رهينة لهذه المؤسسات لمدة طويلة.
 فالاعتماد على الموارد المحلية لتأمين الأموال لهذه العملية يحتاج حسب الدكتور طالب لإجراءات فعالة لتعبئة مدخرات السوريين في داخل وخارج سورية، وإعادة هيكلة النظام الضريبي والإيرادات العامة وترشيد الدعم، وفرض نوع من الرسوم الخاصة بعملية الإعمار، إضافة إلى إمكانية طرح أصول عقارية تملكها الدولة، لاستثمارها لفترات طويلة، في مجالات مختلفة، من قبل مستثمرين سوريين بطرق المزايدات القانونية المتبعة ولكن بآليات أكثر كفاءة، ومثل هذه الإجراءات تحتاج إلى وقت طويل وكفاءة عالية وإجراء دراسات للإيرادات المعروفة أو المحتملة التي يمكن خلقها وتعبئتها، من دون أن تؤثر في معيشة المواطنين في شكل كبير.