على تخوم البسطات..حركة المواطن في شوارع دمشق ..خضراوات وألبسة وأحذية وكتب وموبايلات...ماذا عن تأخّر المحافظة ؟!

على تخوم البسطات..حركة المواطن في شوارع دمشق ..خضراوات وألبسة وأحذية وكتب وموبايلات...ماذا عن تأخّر المحافظة ؟!

الأزمنة

الأحد، ١٠ مايو ٢٠١٥

بقلم محمد الحلبي - رولا نويساتي
من سوق الحميدية إلى شارع الثورة مروراً ببرج دمشق, وشارع الحلبوني, وصولاً إلى كلية الحقوق.. تتناثر على جانبي الطريق بسطات الباعة هنا وهناك بشكل عشوائي, يستغلون حتى الأمتار القليلة المتبقية للمشاة.. بسطات متنوعة لا يمكن عدّها في هذه الأسطر من خضراوات إلى الألبسة والأحذية, حتى الكتب والموبايلات بات باستطاعة الفرد منا الحصول عليها من البسطات, وما بين مؤيد ومعارض لانتشار هذه الظاهرة "ولكل أسبابه طبعاً" حاولنا رصد آراء الأطراف المعنية في هذه القضية (مواطن – أصحاب البسطات – محافظة دمشق), ومعرفة سبب تأخر محافظة دمشق لمعالجة هذه الظاهرة وإيجاد الحلول المناسبة لها...
من قلب الحدث
أرجل متشابكة.. أصوات تتعالى.. تدافع بين المشاة وهم يزاحمون أصحاب البسطات على الأرصفة.. في الشوارع أزمة مرور خانقة, وعلى الأرصفة أزمة مشاة عالقة.. تحتار أين تضع قدمك, إذا نزلت إلى الشارع طالك سباب أصحاب السيارات, وإذا التزمت الرصيف فعليك أن تتحمل (كم نعرة, على كم ضربة كتف, وكم دعسة قدم) هذا إذا ما تغاضينا عن التحرشات والإساءات وربما كلمات تخدش الحياء, إلى أن تخرج من تلك المعمعة.. هذا هو الحال وسط العاصمة دمشق..
بين المعاناة والإقبال على البسطات
من خلال تجوالنا بين تلك البسطات المتناثرة على أرصفة الشوارع استوقفنا أحد المواطنين كان يقف على إحدى بسطات الألبسة وسألناه عن إقدامه الشراء من البسطات فقال: البضائع الموجودة في المحال هي نفسها موجودة على البسطات, وأحياناً تحتوي البسطة على بضائع عالية الجودة لكنها كما نقول بالعامية (موضتها خلصت) لأنها من العام الماضي أو الذي قبله, وأنا شخصياً لا أهتم بالموضة وصرعات العصر كثيراً لذلك أشتريها من البسطة بأسعار قليلة نسبياً..
مواطن آخر قال: البسطات تبيع بأسعار أقل بكثير من المحال لكونها تتحمل نفقات إضافية, وإذا ما قامت المحافظة بنقل البسطات إلى أطراف المدن أعتقد بأن المواطنين سوف يذهبون إليها, ونحن مع إجراء هذه الخطوة لأنها تخفف الازدحام في مراكز المدن..
أما السيدة بدور فقالت: صاحب البسطة يقبل بربح بسيط على عكس المحال التي تتمسك بالأسعار, أو تقوم بوضع أسعار وهمية تفوق كثيراً السعر الحقيقي للقطعة, لذلك أشتري من البسطات وخصوصاً أن القطع التي تُباع على البسطة هي ذات القطعة التي تُباع في المحال..
ربح بسيط وبيع كثير
هذا ما اتفق عليه معظم أصحاب البسطات, حيث يقول (أبو سعيد) صاحب بسطة ألبسة: نحن نبيع بسعر أرخص من المحال لأننا نعتمد على سياسة الربح القليل والبيع الكثير, ولدى سؤالنا له إن كان بيع الألبسة هي مصلحته الأساسية قال: مصلحتي الأساسية هي بيع الموبايلات وقد كنت أملك محلاً في ريف دمشق لكني تهجرت مع عائلتي بسبب الأحداث الأخيرة, ووجدت نفسي ملقياً في الشارع, فبعت جوالي بدايةً وقمت بشراء بعض الألبسة وعرضها ضمن بسطة صغيرة, ورحت أتوسع بالبسطة رويداً رويداً حتى أصبح لدي العديد من الموديلات المتنوعة, وأنا مع قرار نقل البسطات إلى ساحات بعيدة عن المدن, ونحن لا نريد الاصطدام مع المحافظة ومصادرة بضاعتنا, فلقمة العيش في هذا الوقت باتت مغمسة بالدم..
فيما قال لنا (أبو خالد) صاحب بسطة جوالات: أنا أعمل ببيع الجوالات المستعملة.. أبيعها بسعر أقل من المحال, وإذا ما أراد الزبون جهازاً جديداً أجلبه له من أحد أصحاب المحال المجاورة لبسطتي الذين تعرفت عليهم بحكم تواجدي المستمر أمام محالهم وأكتفي بربح بسيط, وأنا أؤيد قرار المحافظة بالانتقال إلى إحدى الساحات التي تختارها بشرط أن تكون هذه الساحة قريبة من مركز المدينة ليستطيع المواطن الوصول إليها بسهولة..
أما (جلال) صاحب بسطة كتب فقال: هناك زبائن لا تهتم بجمالية غلاف الكتاب ونوعية الورق, ما يهمها فقط هو محتوى الكتاب, فبعض الكتب مثلاً يصل سعرها في المكتبات إلى (800) ليرة سورية نبيعه نحن على البسطة بسعر (350) ليرة سورية فقط, لهذا نجد إقبالاً كبيراً من الزبائن لشراء الكتب من البسطات..
مسألة البسطات أصبحت للتجارة وليست للتعيش
لو كانت هذه المقابلة في العام الماضي لكنت تحدثت عن الوضع الاجتماعي لأصحاب البسطات وعن سبب تغاضي محافظة دمشق عن تلك البسطات التي انتشرت على معظم شوارع العاصمة بسبب الأوضاع التي تعصف بالبلاد, هذا ما قاله المهندس مازن فرزلي مدير دائرة الخدمات في محافظة دمشق, وأضاف قائلاً: إن معظم أصحاب تلك البسطات من الناس الفقراء والمتعيشين, وبالكاد يجدون قوت يومهم, لذلك كان هناك تريث بالمعالجة قليلاً والابتعاد عن خيار إزالة تلك البسطات كي لا نزيد من معاناة الناس, لكن في هذا العام فتحت فرص عمل جديدة والأوضاع في البلاد تتجه إلى الانفراج, بالإضافة إلى أن محافظة دمشق أوجدت مناطق لبعض المهن وحثّت أصحاب البسطات على التوجه إليها مثل سوق الخضرة في مساكن برزة, وورش إصلاح السيارات في حوش بلاس وبالمجان, وأشار المهندس مازن إلى أن مسألة البسطات أصبحت للتجارة وليست للتعيّش, فلا يعقل مثلاً أن صاحب بسطة يصل طولها إلى عشرة أمتار مملوءة بالبضائع ويتكفل صاحبها كل يوم بنقلها وآجار حمولتها وهو غير قادر على استثمار محل في منطقة ما, وإذا كان فعلاً غير قادر على استثمار محل تجاري فيجب عليه الابتعاد عن الشوارع الرئيسية المزدحمة والكف عن مضايقة المارة ومزاحمتهم على الأرصفة التي وجدت أساساً للمشاة, حيث بإمكانه أن ينشر بضاعته في شارع فرعي خارج مراكز المدن.. واليوم وفي الوضع الراهن اتخذت محافظة دمشق خياراً (وليس قراراً) بإعادة تنظيم البسطات وإعادة توزيعها, حيث يوجد هناك بعض المناطق التي يسمح بنشر البسطات فيها وبالمجان مثل سوق الهال, والشيخ رسلان, وتحت جسر المتحلق الجنوبي, والمنطقة الصناعية..
ولدى سؤالنا السيد مازن عن كيفية الحصول على الرخص لأصحاب البسطات أجاب: لا يعطى أصحاب البسطات أي تراخيص دائمة لكن يوجد في محافظة دمشق تراخيص موسمية (أي البضائع الموسمية كموسم الفول والبازلاء مثلاً) حيث يراعى في هذه الرخصة الموقع وعرض الرصيف, ومساحة الإشغال, وتسمى الرخصة في هذه الحالة (رخصة إشغال موسمي)..
وأضاف المهندس مازن: إن البسطات أنواع فهناك بسطة عادية ناتجة عن تمدد أصحاب المحال وعرض بضائعهم على الأرصفة خارج حدود متاجرهم, وهذا المخالف يحرر بحقه ضبط إشغال رصيف من قبل شرطة المحافظة ويُخالف بـ(1800) ليرة سورية عن كل متر مربع يشغله..
وهناك بسطات المأكولات المكشوفة وهذه البسطة تصادر فوراً مع إيقاف صاحبها.. وحديثاً ظهر نوع آخر من البسطات لم نكن نعهده قبل الأزمة وهي بسطات المواد الإغاثية, وهذه أيضاً تصادر فوراً ويتم إيقاف المُتاجر بها, وأخيراً هناك بسطات تصليح السيارات, وكما أسلفت كنا قد راعينا أوضاع أصحاب هذه الورش في فترات سابقة إلى أن قمنا بتجهيز البنية التحتية في منطقة حوش بلاس من ماء وكهرباء وصرف صحي, وتم الإيعاز لأصحاب هذه الورش التي كانت تغص بها منطقة البرامكة بشكل خاص بالانتقال إلى منطقة حوش بلاس, حيث لم يعد هناك حجة أو عذر لأصحاب هذه الورش لبقائهم في الشوارع, فقد تم تخصيص أماكن لهم في تلك المنطقة وسُجلت أسماؤهم وحددت مساحة معينة لكل ورشة من دون مقابل وتحت إشراف دائرة خدمات القدم.
نقطة نظام
من خلال استطلاعنا السابق وجدنا أن الأطراف الثلاثة المعنية بالموضوع (المواطن – أصحاب البسطات – محافظة دمشق) متفقون من حيث المبدأ على إيجاد حل لهذه المعضلة.. وتبقى الكرة في ملعب محافظة دمشق لتنفيذ مقترحاتها وتطبيق ما ارتأته من أفكار على أرض الواقع, لا أن تبقى تلك الآراء والأفكار سجينة داخل أروقة المحافظة من دون تنفيذ.