سنابل الأمنيات والنبض الجديد

سنابل الأمنيات والنبض الجديد

الأزمنة

السبت، ١٨ أبريل ٢٠١٥

زهير جبور
الفكرة التي يمكن استخلاصها أن المواجهة لا تعني التوقف والجمود واستكمال جوانبها في الاستمرارية ومعايشتها وعدم الاستغناء عنها مهما كانت الظروف، الموسيقا والأدب والفن جميعها تشكل أسس الثقافة التي ينبغي أن تتابعها الأجيال، والشعب الحي يدافع عن وجوده وأرضه ويضحي ويعمل وينتج ويفكر كدعم لجبهة ينبغي أن تكون متوازية مع صموده ومقاومته، وفي الأدب ما هو مزيج رائع من معرفة للواقع والتغير فيه، ووظيفة صياغته تحمل أوجهاً مجيدة للمستقبل، والأدب يشق طريقه صوبه بكل الإصرار وعبر تواصل الأجيال، ويضيف كل جيل ملامح إبداعه عما سبقه، وتلك هي الاستمرارية، ومن خلال هذا المفهوم أقام فرع اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية الدورة الثانية والثلاثين لمهرجان آذار للأدباء الشباب مناسبة وفرت تلاقي الأجيال، وهذا المهرجان خرّج منذ تأسيسه أدباء كانوا في عمر الشباب حين شاركوا به وتابعوا وانضموا إلى اتحاد الكتاب ليصبحوا اليوم أعضاء في لجنة الحكم لمن يشاركون هذا العام بموادهم الأدبية، وهو مناسبة لمنافسة إبداعية عليها أن تحفزهم للعمل الأكثر، والتقيد بالتوجه المطلوب خاصة ما يتعلق باللغة وإتقانها ونواقص السرد ومواصفات بناء الشخصية الأدبية من كامل جوانبها الاجتماعية والنفسية ورعاية المواهب، وذلك من الأهداف التي وضحتها السيدة الشاعرة مناة الخير رئيس فرع الاتحاد، وإقامته في ظروف البلاد المؤسفة يأتي عبر فكرة (علينا أن نتناقش حولها، وهي دور الأدب في المواجهة، ودور المثقف، وتحصين الفكر الوطني ومواكبته واكتسابه للعنصر المجدي في قوته التي تبقيه مستكملاً لدوره الفعال النافذ مهما كانت الصعوبة ومهما بلغت الشدة، وعليه أقمناه وعملنا على إنجاحه والاهتمام به، والدعوة إليه، ووصلتنا المشاركات الشبابية.. وتم تشكيل لجنة التقويم من أساتذة أعضاء في اتحاد الكتاب العرب لهم سمعتهم الأدبية ولمساتهم الإبداعية على مستوى الوطن، الزملاء غسان حنا- أيمن معروف- محمد وحيد علي- في الشعر.. عزيز نصار وصالح سميا في القصة، وحرصوا على كامل الجدية والتأني والاهتمام الشديد واللقاء مع الشباب المشاركين وجعلوها ورشة عمل حقيقية الغرض منها المعرفة والتوجيه، وليس الفوز أو المرتبة) أقيم مهرجان هذا العام وكان قد توقف في السنوات السابقة بسبب ظروف البلاد والمؤامرة الشريرة، ولعلنا نكتشف من إقامته رؤية المستقبل الذي يسعى كل سوري شريف للوصول إليه، ولا بد أن الانتصار قادم وفي زمن قريب جداً، وهذا ما جعل الشباب يندفعون للمشاركة، وكان حضورنا في اليوم الذي حدد لتوزيع الشهادات والإلقاء مناسبة لنرى لقاء الأسر مع بعضها والتعارف، والحماسة التي جعلتهم يتوافدون لرؤية أبنائهم في مشاركة لا يمكن أن تقاس قيمتها المعنوية بأي قيمة مادية، وأولادهم سوف يقفون على المنبر وهذا ما كانوا ينتظرونه وهم يتابعونهم عبر سنوات يكتبون ليؤكدوا اليوم إبداعهم، وما المهرجان إلا اعتراف رسمي بموهبتهم وليرسم آمال تطلعهم، وطريق الأدب صعبة، شاقة، يجب أن تصقل، وفعله لا ينفصل عما حوله، وخاصة أن الظروف المنتجة له تتطلب ربطه بكافة التفاصيل المعرفية والثقافية.
•    نقاش أدبي
التقينا بعض المشاركين الذين ألقوا وتفوقوا في لغتهم وصورهم وأدائهم، وهم شبان يشقون طريقهم في الحياة، ماريا مرتكوش خريجة الهندسة الميكانيكية (شاعرة)، أمجد شحرور سنة أخيرة كلية الحقوق (شاعر)، رغد جديد خريجة أدب عربي (قاصة)، نور شيخ محمد خريجة هندسة اتصالات (قاصة)، وهكذا ظهر الاختصاص العلمي متوافقاً مع هواية التعبير، التي هي حالة سليمة ترمز إلى التعافي النفسي، وما البوح إلا التوجه الطبيعي نحو الفنون بكافة أشكالها، وبما يشبه الاتفاق وغير المبرم بما بينهم جاءت إجاباتهم متقاربة.. فهم يعيشون ظروفاً واحدة في الوطن، ومعاناتهم فيه ومنه، وكانوا شعروا بالميول البوحي قبل التخصص الجامعي، وتشاركوا في دروس الحياة وانفعالاتها وما يشكلها ويجب التعبير عنه وتفسيره، وتجاربها لا بد منها بأفراحها وآلامها، والمبدع هو من يعبر من خلال الأدب الذي يحتاج للنقاش والاستطلاع، وتبادل الأفكار ووجهات النظر، وهو ما سموه الوعي المبكر لديهم..
تقول ماريا مرتكوش في قصيدتها:
دوماً لصمتي قصة وحكايـــــــة    أوليس يشدو العود من صلب الخشب
لو قلت: أذهلت البلاغة والهوى    لكن حبك ليــــس أمراً يحتســـب
لا تنظرن إليّ نظرة خائب        إني الدواة وأنت حبر ما كتب
وتوضح ماريا أن المدى هو ما جعلها تصيغ صورها الشعرية، أي إنه اللاشعور الإبداعي الذي استوحيته وأنا أكتب، ويوافقها أمجد شحرور الرأي مضيفاً أنها الحالة الخارجة عن حدود الزمان والمكان ولا يمكن لغير الموهوب أدبياً من الوصول إليها، والمسألة لا ترتبط بالكتابة فقط بل في الظروف التي يعيشها الإحساس، ويقدم مقطعاً من قصيدته:
تراودني البلاد ليلاً
لأن كابوساً أيقظني
قتل البراعم في أحشائها
وأحرق سنابل الأمنيات)
•    رأي
وجدت لجنة اتحاد الكتاب في تقويمها أن ما ورد في المقطعين الشعريين الشعر بمعناه الحقيقي، وفيهما المعاناة الوطنية، وشبابنا يعيش احتراق الأماني وقتل البراعم.
أما رأي الشباب المبدعين فقد حمل انتقاد الأجيال التي سبقتهم، وقد حملوها عدم تكريس فعلي لمفهوم الحب وعدم انصهاره وترسيخه في النفوس، ولو حصل ذلك لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، وثمة سؤال نطرحه.. هل من سبقونا فكروا بالوطن أم أنهم تعاملوا معه بعيداً عن المضمون؟ وبعد قساوة ما شهدناه وعشناه كجيل ينبغي أن نرفض ونتعامل مع الوطن كجوهر للوجود وليس حالة عابرة، وهذا ما نريد أن نعبر عنه أدبياً ولن ننساه، أفكار كبيرة يحملها الشباب في ظروف شديدة جداً، قاسية، وهم يفتشون عن أسباب تواجدها.
 أما رغد جديد التي تكتب القصة فهي تستمد عناصرها من الواقع وخاصة أنها أمضت سنوات طويلة من حياتها في ريف محافظة الحسكة بسبب عمل والدها هناك، وبعد الأحداث عادت الأسرة إلى اللاذقية لتحمل رغد ذكرياتها التي تكونت. أحلامها. ولتعبر في قصصها عن الجوانب النفسية التي يمكن أن تتكون في مثل هذه الحالة الطارئة والتي لم تكن في الحسبان، ولدى نور شيخ محمد زاوية الأنثى لتربطها بما جرى وهي أم الشهيد وأخته وزوجته وابنته، وتعمل الآن لإصدار مجموعة قصصية عن أنثى الأحداث وما خلفته لها من أثر نفسي واجتماعي وجرح لا يشفى.
•    المهرجان
اتفقت أراؤسهم أيضاً حول المهرجان، ووجدوه مناسبة للتعارف واللقاء مع الجمهور الذي حضر بكثافة، وكذلك تقويم إنتاجهم وقد استفادوا من المناقشة مع اللجنة لتضيف إلى معلوماتهم الجديد خاصة فيما يخص اللغة واستعمالاتها، ليس المهم الحصول على الفوز أو المرتبة بل هي المشاركة التي أغنت التجربة وسيتابعون ليكونوا مستقبلاً أعضاء في الاتحاد وأعضاء اللجنة في تقويم المهرجان الذي انضموا إليه في إحدى السنوات، وستبقى ذكراه في عقولهم..
حقق المهرجان أهدافه، وكانت المشاركات غنية وواعدة كما تقول الشاعرة مناة الخير، وتضيف: إنهم سيعملون على رعاية المبدعين ويتيحون لهم فرص المشاركة في النشاط الأدبي ويساعدونهم في نشر مجموعاتهم الشعرية والقصصية، ومن صلب المهام الملقاة على اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة تقديم العون للشباب ودعمهم، وهم الجيل الذي سيحمل راية الاستمرارية ليبعث في سنابل الأمنيات المحروقة الآن نبض الحياة من جديد وخضرة الأرض وزهر نيسانها.. هل هي مجرد وعود أم إنها خطة مدرجة ينبغي العمل عليها وتنفيذها؟ وألا نضيف خيبة جديدة على الخيبات التي يحملها الجيل.