أساليب جديدة حسب ما تتطلبه الغاية

أساليب جديدة حسب ما تتطلبه الغاية

الأزمنة

السبت، ٢٨ مارس ٢٠١٥

زهير جبور
منذ تشكل الكون واكتشاف الإنسان لصراع الخير مع الشر، والحروب وما تجره من ويلات على البشر ودمار وقتل، تناولت الأسطورة والأدب والمسرح والدراسات الاقتصادية موضوعاً مهماً جداً أطلق عليه (تجار الأزمات. الحروب. مصاصو دماء الشعب. أثرياء الاستغلال. حديثو الثروة) وغيرها من الألقاب الأخرى التي تنطبق على الحالة حيث المستغل الذي يتاجر بكل شيء للوصول إلى غايته في تكديس الأموال بعيداً عن أي شعور بالمسؤولية أو انتماء للوطن، وكأن ما يجري لا يعنيه ولا يهمه إلا مصلحته الربحية فقط، ومن المؤلم ونحن نواجه الحرب القذرة التي دبرت لبلادنا وحلت عليها بكل وحشيتها وخرابها أن جميع الألقاب الواردة حول الاستغلال والجشع والثراء على حساب الدمار، طبقت عندنا وأبطالها لا يقلون جريمة عن النماذج التي وردت عبر الأدب والمسرح وغيرهما، وبصراحة لم نكن نعلم سابقاً أن المجتمع السوري الذي امتاز عبر تاريخه بالنبل يمكن أن يخرج أمثال هؤلاء وهم يمارسون أبشع جريمة إنسانية في مصادرة لقمة عيش أبناء شعبهم ويخترعون أساليب يحصلون على إيحائها من الشيطان القابع في نفوسهم لتقتل بذور الخير في عقولهم وتفكيرهم ويحل مكانها الشر الذي لا تقل فظاعته عما ينفذه الإرهاب من وحشيات لا يمكن لأي إنسان ممارستها سواهم، ومن يتبع خطاهم بأي شكل من الأشكال والنماذج كثيرة وسوف نتوقف عندها، وهم يقومون في اختراع بدع و(عونطجيات) وغش وتلفيق.. ويا للهول!!
•    النتائج المعكوسة
منذ الأيام الأولى لتسلم السيد محافظ اللاذقية مهام عمله وتوجهه في النيل من الفساد قدر الإمكان، وضبط السوق، وقمع المخالفات، برزت في اللاذقية مشاكل الغاز. المازوت. البنزين. الالتفاف على أسعار السوق ودوريات المراقبة، وكان من الممكن أن نعيشها غير لو أن الحملة التي أعلن عنها حققت نجاحاً ضئيلاً جداً، ولم نخرج حتى الآن بعد مرور أكثر من ستة أشهر بأي محصلة سوى إلغاء البسطات ومحاولة قمع المخالفات العمرانية، وحسب تصريح لرئيس مجلس مدينة اللاذقية أنها لم تظهر منذ شهرين أو أكثر، والسؤال هنا من الذي سمح بظهورها منذ بداية الأزمة وانتشارها المرعب؟ ولعل الإجابة تكمن في أن من يقمعونها هم من أدوا إلى استفحالها، وفي الأسبوع الماضي برزت أزمة الخبز لتكتمل المعاناة وتتعدد مصادرها.
•    في السوق ما يدهش
يظهر أنها لعبة شد الحبل بانتظار أن ينقطع ودائماً هم أبناء الشعب الضحية، وحين قمنا بجولة على سوق الخضر وجدنا ما يبعث على الدهشة فعلاً حيث أساليب الغش أخذت شكلاً آخر، ورأينا أن سوق المفرق تحولت إلى جملة، وعلى سبيل المثال البطاطا المصرية المالحة حسب تسميتهم لا تباع إلا بالجملة عبر أكياس بلاستيكية جهزت مسبقاً، والبطاطا المقصودة من المفترض وهي المصرية المالحة أن تكون طازجة منقولة من الحقل إلى المستهلك مباشرة من دون أي تخزين، وفي مصر يتحقق ذلك والبطاطا تزرع في خمس (عروات) ومعناها المواسم المزروعة فيها ولها أسماء (النيلية) (البحرية) (القبلية) (الصحراوية) وتشكل هناك الفائض الذي نستورده ليباع باسم البطاطا المالحة، والخالية من أي مرض، خاصة (العفن البني) وله خطورة على العائلة، (الباذنجية) أي الفليفلة. البندورة. القرعيات. وقبل طرحها في السوق ينبغي أن تخضع للفحص الظاهري والآخر المخبري، تباع حالياً في الكيس البلاستيكي وعلى الأغلب من دون فحص نظراً لحاجتها الاستهلاكية والإقبال الشديد عليها لكونها غذاء الفقراء وإن لم تعد كذلك لكن لا بديل عنها، يحوي الكيس 25كغ وهو مغلق لا يجوز التأكد مما فيه ويباع بالجملة، ومن لا يملك ثمنه فليس من الضرورة أن يأكل البطاطا، هكذا بكل وضوح يتعاملون مع المستهلك وبضاعتهم معروضة وظاهرة أمام من يعنيهم أمر المراقبة والقمع، ولا أحد يكترث، وقد جعلوا من سوق المفرق جملة ففيها الربح الأكثر والإسراع وفي حال بيعها بالمفرق فسوف يزيد سعر الكيلو دون أي ضابط 125 ل.س سواء مصري مالح أو إيراني ولا يكتشف ذلك إلا أثناء الطبخ أو القلي أو عند أصحاب المعرفة.
•    الخس في لبه
من دون أدنى شك فجميع أبناء سورية يعرفون الخس وهو يؤكل مع التبولة والسلطة أو دونها ويفيد الأعصاب في الاسترخاء ويؤدي إلى النعاس ويسهل الهضم، (والخسة التي سعرها مقيد بالجريدة كل يوم لها سعر جديد) على ذمة الفنان زياد الرحباني، وجد لها فلسفة جديدة، (خسة بلب) (خسة دون لب) لكل واحدة سعرها في معادلة يصعب على مخترع نظرية النسبية حلها، ومن المعروف أن النسبية تركز على النقطة وأبعادها الافتراضية، والعالم يدرسها حتى اليوم، لكن نظرية الخس بلبه أو من دونه خلخلت في مفهومها والموضوع أن الخس يفقد في بعض المواسم بسبب عوامل مناخية، منها درجات الحرارة أثناء النمو، وعليه وجد النوع الذي يتأقلم مع تقلبات الجو، خسة اللب تباع اليوم بـ 150 ل.س ومن دون لب تباع بـ 125 ل.س وبالتالي هو خس لكننا اعتدنا على ما فيه لب، وهذا استغل لغرض السعر المطلوب، فأين الرقابة من اللب ونظريته؟ ومن الجانب العلمي فإن الأوراق الخارجية المخضرة تحمل الفائدة الغذائية لأنها مشبعة بالأملاح والفيتامينات ومعرضة لأشعة الشمس أكثر من اللب الداخلي، وحال البندورة ليس أفضل فهي واحدة يطرحونها على أنها قصبية ويعملون على تقسيم الصندوق على ثلاثة أنواع، القاسية سعر الكيلو200 ل.س، متوسطة القساوة 175 ل.س، ما دون الوسط 125 ل.س تقسيم جديد انتشر في السوق، مع تأكيد للشرط بعدم الانتقاء من قبل المستهلك الذي عليه أن يشير إلى النوع الذي يريده فقط ويتكفل البائع بالباقي، مع جملة (ما عجبك لا تشتري وهاي رقم التموين) ونذكر هنا بالتضاربات التسعيرية بين بائع وآخر في نفس السوق وليس بعيداً عنه، مع ملاحظة أن السلعة واحدة بمواصفاتها وجودتها، فالتفاح الأحمر يباع الكيلو بمبلغ 300 ل.س ليقابله الأصفر بمبلغ 250 ل.س والفرق في اللون فقط، أما من حدد التسعيرة وطبقها فهذا ما لا يعرفه المواطن وليس من حقه الاستفسار عنه.
•    وفي الخفاء
هي لعبة استغلالية بدأها تجار الجملة في الاحتكار وفرض السعر وربطه بارتفاع الدولار من دون انخفاضه، ونقلها تجار المفرق إلى السوق وهم يتحكمون فيها كما يرغبون، ومن كتبوا عن تجار الأزمات والحروب وأصحاب الثراء السريع في زمنهم قدموا شخصيات مجردة من كل الأحاسيس والمشاعر والتعاطف الإنساني وها نحن نواجههم اليوم وهم يبتدعون طرقاً خبيثة محشوة بالغش والأنانية والفردية المستغربة، وحماية المستهلك مجرد شعار يردده المسؤولون باستمرار من دون أي فائدة، والمستهلك يستهلك حتى أنفاسه الأخيرة وهو يقاوم ويضحي ولا يبخل في عطاء من أجل الوطن الذي ينبغي أن يكون له في النهاية حين ننتصر على كل الحروب التي تعددت أوجهها الشريرة ويوم الخلاص منها يقترب.