صانع أمننا الغذائي في مهب ريح الأزمة وخطط المكاتب بغياب الأدوات الفاعلة على الأرض لا تكفي احتياجات القطاع الزراعي

صانع أمننا الغذائي في مهب ريح الأزمة وخطط المكاتب بغياب الأدوات الفاعلة على الأرض لا تكفي احتياجات القطاع الزراعي

الأزمنة

الأحد، ٢٢ مارس ٢٠١٥

أحمد سليمان
رغم الإحصاءات المتعددة التي كانت تصدر من أكثر من جهة عن الناتج المحلي الاجمالي في سنوات ما قبل الازمة، وقيمة هذا الناتج ومساهمة القطاعات الاقتصادية الرئيسية فيه، والذي ظل على الدوام تقديرا نظريا، إلا أن القطاع الاقتصادي الرئيسي والتقليدي في الاقتصاد السوري وهو الزراعة، كان ابعد ما يكون عن دقة إحصاء قيمة إنتاجه، ومساهمة هذا الإنتاج في الناتج المحلي الاجمالي، ليس للوضع التعليمي للعاملين في هذا القطاع فحسب، بل لطبيعة الإحصاءات نفسها، والتي تكون اقرب إلى التقدير أكثر منها إلى الحساب بدقة.
ولعل تقديرات خطط وزارة الزراعة في كافة مجالات الإنتاج النباتي والحيواني والتي اتصفت بالبعد عن الدقة نظرا لاختلاف مخرجات خطة كل عام والتباعد بين الارقام المخططة والارقام الفعلية في أي من النشاطات التي تتابعها وتشرف عليها هو ما يؤكد هذا الامر.. وهذا كان قبل الازمة حين كان موظفو وزارة الزراعة يتمكنون من الوصول إلى أي نقطة على كل مساحة الجغرافيا السورية، فكيف الآن وقد اصبحت مساحات كبيرة وبالأخص المنطقة الشرقية باعتبارها مهد الزراعة السورية وخزانها الغذائي بعيدة عن السيطرة المباشرة بسبب الحرب التي تشن على سورية وتهديد الارهابيين بأشكال متعددة للزراعة وإنتاجها والمزارعين الراغبين بالتواصل مع دولتهم ما يجعل تقديم رقم دقيق عن وضع القطاع الزراعي وإنتاجيته خلال سنوات الأزمة يبتعد عن الحقيقة بنسب متفاوتة حسب كل مجال أو محصول بعينه وبشكل يتناسب مع قرب وزارة الزراعة من القائمين على هذه الزراعات ما عدا النشاطات التي تديرها مباشرة.
في عين العاصفة
ودليلنا على ذلك الأرقام التي تخرج عن المخطط من الإنتاج الزراعي لمحصول من المحاصيل الاستراتيجية وليكن القطن مثلا والذي كان إنتاجه في العام 2011 نحو 500 ألف طن ووصل في العام 2013 إلى 40 ألف طن من النوع المحبوب الذي تم تسليمه إلى المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان في حين أن الإنتاج الفعلي كان أكثر من ذلك وخاصة أن القطاع الخاص استطاع أن يشتري عشرات آلاف الأطنان من المزارعين ليقوم بإعادة تصنيعها في مؤسستي تسويق الأقطان والمؤسسة العامة للصناعات النسيجية عبر التشغيل للغير إلى جانب تصنيع عشرة آلاف من بذور الأقطان في معمل الزيت في شركة سكر حمص، وقس على هذا الأمر العديد من المحاصيل التي لم تستطع الدولة أكثر من إحصاء المتوقع من إنتاجها على الورق في حين لم تتمكن عن نضوج هذه المحاصيل استلام جزء كبير منها وهو ما حصل في السنوات السابقة مع محصول القمح في حين لم يتمكن المزارعون من الزراعة ماهو مخطط من محصول الشوندر السكري بسبب ظروف الأزمة وشح المياه وان كان قد تمكن البعض من زراعة بعض المساحات لم يتمكنوا من تسليمها إلى معامل السكر التي خرجت معظمها من الخدمة أو توقفت بسبب ظروف الأزمة.
 بكمية أقل
وعلى لسان وزير الزراعة المهندس احمد قادري يقول: إن الأزمة الحالية على القطاع الزراعي كما أثرت على باقي القطاعات الاقتصادية، إلا أن تأثر هذا القطاع كان أقل من تأثر من القطاعات الأخرى على اعتبار أنه لا يزال يعمل وينتج ويقدم للسوق المحلية من المنتجات الزراعية ولو بكمية أقل مما كان عليه سابقاً صعوبة تأمين ونقل مستلزمات الإنتاج وارتفاع كلفتها، وصعوبة وصول المزارعين إلى حقولهم، وصعوبة نقل وتسويق المنتجات الزراعية، وانخفاض العمالة المتوافرة في بعض المحافظات وارتفاع كلفتها، وإصرار التجار على التعامل نقداً عند بيع مستلزمات الإنتاج، ما يشكل عبئاً على المزارعين، إضافة إلى مواسم الجفاف المتعاقبة والتي أثرت سلباً على المتاح المائي.
 فليس كل ما ذكر انعكس بشكل سلبي وكبير فقط على الإنتاج الصناعي والغذائي لارتباط هذين المجالين بشكل رئيس بالقطاع الزراعي فحسب، بل شكل شللاً لعدد من القطاعات الاقتصادية الأخرى المرتبطة بالنشاط الاقتصادي الإنتاجي من خدمات ونقل وتسويق وغيرها، إلا أن الموضوع الأهم هو انعكاس تراجع هذا القطاع على تحقيق الأمن الغذائي الذي لا تحققه خطط وزارة الزراعة التي بقيت على الورق، ما يتطلب إعادة النظر في هيكلة الاقتصاد السوري في ظل منعكسات هذه الأزمة.
خطط عامة
 لكن وزارة الزراعة كانت قد أولت أن خطتها حريصة على تحقيق الأمن الغذائي وتوفير حاجة الاستهلاك الوطني من السلع الغذائية الزراعية، من خلال التوسع في زراعة المساحات القابلة للزراعة والمزروعة ورفع الإنتاجية، ودعم المنتجين، ومواءمة التركيبة المحصولية مع المصادر المتاحة، وتشجيع زراعة المحاصيل الجديدة ذات العائد الاقتصادي، وتكامل الإنتاج النباتي والحيواني، إضافة إلى الاستعانة بالموارد الطبيعية المتوفرة في سورية من أرض وتربة وماء ومراعٍ، وكذلك ركزت الخطة على الجانب التسويقي للمنتجات الزراعية من خلال تطوير العلاقة مع العاملين بقطاع الزراعة من منتجين وفلاحين، إضافة إلى تطوير التنمية الريفية من خلال العمل على تكامل سياسات التنمية مع القطاعات الاقتصادية الأخرى، والعمل على توسيع دور النظام المصرفي في التمويل والتأمين وتعزيز مشاريع التمويل والإقراض الصغير.
 وإجراءات..!!
 ورغم هذه المنطلقات العامة لهذه الخطة على المستوى الاستراتيجي إلا أن هناك إجراءات وضعتها الوزارة تتعلق بالخطة من ناحية إعطاء المرونة اللازمة للتعديل من خلال مراجعة الخطة الإنتاجية الزراعية خلال شهر كانون الأول وشهر آذار لإيجاد بدائل لزراعة المحاصيل الشتوية والصيفية في المساحات غير المنفذة، وتسهيل الحصول على التنظيم الزراعي للفلاحين الذين لم يتمكنوا من تأمين وثائق الملكية لافتة إلى أنها تقوم بتأمين مستلزمات الإنتاج من بذار القمح والشعير والقطن والشوندر السكري وبأسعار تشجيعية مدعومة، وتقديم كافة التسهيلات اللازمة لتسويق الحبوب وخاصة القمح، الاستمرار بتسعير المحاصيل الاستراتيجية بأسعار تشجيعية مجزية، واستمرار التنسيق مع المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان لاتخاذ كافة الإجراءات التي تسهل عملية نقل محصول القطن، والاستمرار باعتماد أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية لبعض المحاصيل المقاومة للأمراض والجفاف بالإضافة إلى الاستمرار بالموافقة على نقل معامل الأدوية البيطرية المرخصة أصولاً كليا أو جزئيا من وإلى مختلف المحافظات، المساهمة في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بزيادة عائدية مشاريع الإنتاج الحيواني وتأمين مستلزماتها حسب الإمكانيات، استمرار التنسيق مع الجهات المختصة قدر المستطاع للعمل على نقل آمن لمستلزمات الإنتاج ونقل المنتجات الزراعية إلى الأسواق.
 أدوات..!!
 نعود للقول هل تمكنت وزارة الزراعة بأدواتها من تنفيذ كل ما خططت له وتخطط له في ظل الظروف الحالية أم أن هذا القطاع يتطلب إعادة النظر إليه من جانب إستراتيجية حيث ينظر أكاديميون ‏ إلى أن نجاح عملية التحويل الهيكلي للاقتصاد السوري على قيام قطاع الزراعة بدوره المزدوج في زيادة الإنتاج الزراعي كي تبقى أسعار المواد الغذائية معتدلة للمساعدة في تحسين مستوى المعيشة وضبط تكاليف الإنتاج في القطاعات الاقتصادية الأخرى، ومن أجل رفع مستوى إنتاجية العامل الزراعي لأنه يزيد من دخل سكان الريف ويمكنهم من شراء السلع الصناعية والاستهلاكية، ما يساعد على توسيع القطاع الصناعي.
 أولويات
وحول أولويات الاقتصاد السوري يرى الدكتور قيس خضر أستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أنه لا ضوابط ومعايير نوعية تؤطر هذا العلم، وبناء عليه فإن تعدد الرؤى يجب ألا يعتبر أمراً مستغرباً ذلك لأن كل باحث اقتصادي أو صانع قرار له رؤيته الخاصة التي له الحق أن يتبناها ويدافع عنها، معتبراً أنه لا بد من أن السياسات الاقتصادية إنما تجري ضمن بيئة لا تستطيع الانفكاك عنها، وهي بالذات بيئة الأزمة التي تجعل من الصعوبة بمكان الاعتماد على التخطيط متوسط أو قصير الآجل ليصبح الاعتماد بشكل رئيسي على المتابعة الآنية التي تفرضها الظروف المتغيرة يوماً بيوم إن لم نقل ساعة بساعة.
خلق أكبر قيمة مضافة ممكنة
 ويشير الدكتور خضر إلى أن موضوع ترتيب الأولويات نكاد نقول خلافاً لما هو شائع أي ترتيب القاطرة والعربات، فإن أي ترتيب للأولويات لم يعد متاحاً أمام المعنيين وهم مضطرون لما هو متوافر الآن وبما فرضته ظروف الأزمة ما يتطلب تفعيل كل الطاقات المتاحة اقتصادياً وزراعياً وصناعياً وبشكل نسبي خدمياً، بحيث يتم خلق أكبر قيمة مضافة ممكنة بالاقتصاد السوري الحالي، ولكل واحدة من هذه المنافذ ظروفها الخاصة وعناوينها التي تكاد تخفى على صناع القرار، والمطلوب بذل المزيد من الجهود في سبيل إنضاج الجهد الأمثل على هذه القطاعات.‏