بعد أربع سنوات من الأزمة ورغم وجود مقترحات سابقة لمعالجتها.. لا يزال البحث جارياً عن أسواق بديلة

بعد أربع سنوات من الأزمة ورغم وجود مقترحات سابقة لمعالجتها.. لا يزال البحث جارياً عن أسواق بديلة

الأزمنة

الاثنين، ٢ مارس ٢٠١٥

*أحمد سليمان
إذا كنا قد خسرنا الكثير من الأسواق الخارجية بفعل العقوبات والحصار المفروض على سورية منذ اندلاع الأزمة والتي كانت مكاناً لتصريف منتجاتنا فيها واستيراد ما تحتاجه أسواقنا المحلية، إلا أن البعض ينظر إلى هذه الخسارة باعتبارها مؤقتة ويمكن تعويضها بعد استتباب الأوضاع. وإن هذه الخسارة كان يمكن لها أن تكون أقل وطأة على المنتجين والمستوردين، لو أن الظروف التي أدت إلى ذلك كان أخف حدة، وخاصة ما يتعلق بالوضع الإنتاجي لمنشآتنا الصناعية التي تعرضت لأضرار تقدر بمئات مليارات الليرات بسبب التخريب والتدمير المتعمد لها وسرق آلاتها ومنتجاتها وتهديد مالكيها وعمالهما، الأمر الذي جعل الآلاف من هذه المنشآت تغلق أبوابها، وبالتالي تدني الإنتاج الذي بالكاد يكفي جزءا من احتياجاتنا المحلية؛ في وقت طالت فيه الكثير من العقوبات المصارف وتعاملاتها وتحويلاتها ما سبّب مشكلة في العمل التجاري استيراداً وتصديراً أكثر صعوبة.
حتى 8 مليارات
 إن الأسواق العربية، وبحكم القرب الجغرافي وتقارب العادات الغذائية والكسائية والاستهلاكية والعلاقات التجارية التقليدية التي تم تدعيمها باتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى التي دخلت حيز التنفيذ النهائي في العام 2005 بحيث تسمح للمنتجات العربية المنتجة في الدول الأعضاء في الاتفاقية دخول هذه الأسواق دون رسوم جمركية شرط تحقيق قيمة مضافة تصل إلى 40 بالمئة، هذه الأسواق أتاحت جميعها رفع حجم التبادل التجاري بين سورية وهذه الدول حيث وصلت قيمة صادرات سورية إلى أسواقها ما بين 7 إلى 8 مليارات دولار سنوياً. فيما كانت الاتفاقية التجارية، التي وقعتها الحكومة مع تركيا في عام 2005 ودخلت حيز التنفيذ في العام 2007، لمصلحة الأخيرة وشكلت عبئاً على المنتجات السورية لصعوبة تسويقها في الداخل وحتى في تركيا بسبب إغراق المنتجات التركية للسوق السورية ما جعل مئات المعامل والمنشآت تغلق أبوابها قبل الأزمة التي شكلت بداياتها صاعقة بالنسبة للحكومة والاقتصاديين السوريين وخاصة تواتر العقوبات التي فرضت على سورية من قبل الدول الغربية والعربية، ما جعل الفريق الوطني الاقتصادي الذي تم تشكيله من القطاعين العام والخاص لحماية الصناعة الوطنية وترويج الصادرات تفطن وقبل نهاية العام 2011 لاتخاذ العديد من الإجراءات والمقترحات التي كان أهمها رفع أرقام التبادل مع إيران وإدخال اتفاقية التجارة الحرة مع إيران الموقعة واستمرارية العلاقة المميزة مع العراق ولبنان والأردن وإيلاء مجلسي الأعمال السوري - العراقي والسوري - اللبناني أهمية قصوى وتنفيذ خطة الترويج الطموحة المعدة من هيئة تنمية وترويج الصادرات واتحاد المصدرين السوري والتي تركز على أسواق الدول الصديقة والإسراع بالتوقيع النهائي على اتفاقية التجارة الحرة السورية الأوكرانية وتوقيع اتفاقيات تجارة تفضيلية مع الدول الصديقة‏ إلى جانب إبرام مذكرات تفاهم من المصرف المركزي والمصارف السورية مع البنوك النظيرة لها في الدول الصديقة تتيح تبادل البضائع بالعملات المحلية ما يجنبنا استخدام الدولار أو اليورو وما يترتب عليها من عقوبات.‏
إحلال المستوردات
وتضمنت المقترحات أيضاً اتباع سياسة إحلال المستوردات وتصنيع الاحتياجات السورية في سورية وباعتبارها فرصة للنهوض بالصناعة الوطنية وذلك في مواجهة من السلع الأجنبية من دخول سورية والالتفات إلى بدائل آسيوية وأمريكية لاتينية للحصول على العديد من المواد الأولية والتخفيف التدريجي مع رفع للرسوم الجمركية لكل السلع المستوردة والتي يتم إدراجها تحت لائحة كماليات وزيادة وتيرة التعامل مع دول طورت اقتصادها في ظل حظر غربي جائر مثل كوبا وفنزويلا وتفعيل الشراكات التجارية في العديد من الاتجاهات البديلة الواعدة كالأرجنتين وفنزويلا وتكليف سفرائنا في الخارج بمهام رصد فرص الأنشطة والاستثمارات الممكنة وتفعيلها بالسرعة القصوى مع حض الصناعة الوطنية للتوجه الحقيقي نحو تحقيق اكتفاء ذاتي في السوق المحلية وفق جدول مدروس للسلع المطلوبة وعدم ترك أي ثغرات بين الحاجات الأساسية والمتوافر من السلع ولاسيما الغذائية والدوائية ومعالجة سعر صرف الدولار مع البنك المركزي عبر منح البنوك الخاصة ومؤسسات الصرافة الصلاحية لفتح الاعتماد وتغطية بوالص الاستيراد للمستوردين السوريين من صناعيين وتجار ومستثمرين ولمختلف أنواع السلع بسعر الصرف العالمي وبسعر معادل لسعر الدول المجاورة حتى لا تتحمل الدولة أي عبء يؤثر على احتياطيها من الدولار مع اعتبار هذا الاقتراح بديلاً للمزادات التي كان الدولار يباع فيها لمؤسسات الصرافة.‏
إعفاءات...
 إن تخفيض معدل الفائدة لجميع القروض الصناعية والتجارية والعقارية بما ينعكس زيادة في الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة، كان من ضمن المقترحات إلى جانب إعفاء مستلزمات الصناعة والمواد الأولية للصناعة بما فيها الخيوط والأقمشة من الرسوم الجمركية وكافة الضرائب والرسوم الأخرى وتخفيض نسبة مساهمة العامل ورب العمل في التأمينات الاجتماعية الى11،5٪ وإعادة جدولة الديون المتعثرة للصناعيين والتجار على حد سواء في المصارف العامة أو في المصارف الخاصة دون تمييز على أساس معدل الفائدة الأساسي المتفق عليه بين المقترض والبنك.‏
فبعد هذه السنوات لم ينفذ من هذه المقترحات إلا القليل وحصل تراجع في قيم الصادرات السورية، الأمر الذي أثّر على دول الجوار وخصوصاً الأردن ولبنان، والعراق الذي يعد الشريك التجاري الأول لسورية دون إغفال التأثيرات السلبية على الاقتصاد التركي، باعتباره كان الشريك التجاري الثاني، إثر توقف التجارة معه، باستثناء بعض السلع الأساسية، وخاصة أن الاتفاقية السورية التركية، كما قلنا كانت لمصلحة الأتراك الذين صدروا سابقاً 2 مليار دولار لسورية سنوياً، مقابل تصدير سوري لا يزيد على 700 الى800 مليون دولار سنوياً.
حتى..العراق
إن العراق الذي بقي يحتل المرتبة الأولى في المستوردات السورية التي تشكل 70 بالمئة من وارداته سابقاً حيث كان لدى المستوردين العراقيين صفقات مع شركات سورية، لكن هذه الشحنات انخفضت بنسبة 60 بالمئة، حيث تشير هيئة تنمية وترويج الصادرات إلى أن السوق العراقي لا يعد مستداماً للصادرات السورية، لذلك ربما يشهد في السنوات القادمة انخفاضاً أكبر لتصديرنا له، ما يتطلب البحث عن أسواق بديلة مع استمرار الاهتمام بهذا السوق في حين كانت تشكل حركة التبادل التجاري بين سورية والأردن عصباً رئيسياً، وممراً حيوياً، لنقل الكثير من البضائع والتي وكانت تعتبر الأعلى بين نظيراتها من الدول العربية حسب الهيئة، الأمر الذي أعطاها طابعاً تصديرياً خاصاً، لكن مع نشوب الأزمة، تعطلت الحركة التجارية للصادرات بشكل ملموس، وهو ما تؤكده الأرقام الإحصائية التي تشير إلى تجاوز انخفاض حجم التجارة بين الأردن وسورية خلال 2010-2011 نسبة 50 بالمئة من حجم التبادل التجاري، ليزداد هذا الانخفاض لأكثر من 75 بالمئة عام 2012، ولعل تأثير هذا الانخفاض جعل الأردن تنشّط حركة التبادل التجاري مع السوق الأوروبية، ولم يكن لبنان أحسن حالاً، فالوضع الحالي خفض الصادرات عبر سورية بنسبة أقلها 40 بالمئة،.. فحجم الخسارة لسورية خلال الأزمة حسب المركز السوري للبحوث التنموية يقدر بـ52 بالمئة من الصادرات الممكنة للدول المشتركة في العقوبات، و93 بالمئة من الصادرات الممكنة.
تخوّف..!!
 إن التخوف والقلق يعتريان الكثير من التجار السوريين من فقدان الأسواق الخارجية، حيث عبر عنه رئيس اتحاد غرف التجارة السورية غسان القلاع موضحاً أن لبعض السلع المنتجة محلياً أسواقاً تقليدية معروفة ترسخت خلال سنوات طويلة وأصبحت شهادتها مرتبطة بمنشئها السوري، حيث تعاني اليوم من ظروف إنتاجها الصعبة ونقص المواد الأولية والأيدي العاملة المختصة، ما يدق ناقوس الخطر لاحتمال فقدان هذه الأسواق التقليدية للسلع السورية ويبقى الرهان على الاستمرار في دعم هذه السلع والصناعات وتوطيد مقومات نجاحها واستمرارها بشتى الطرق والسبل. ويؤكد القلاع أن التجارة عادة لا تعترف بحدود الجغرافيا والوجهات الأربع، لأنها كجهد تصديري واستثماري تبحث دوماً عن الفرص المتاحة سواء في الشرق أم في الجنوب والشمال، وما يهمّ التاجر عادة هو توفير التسهيلات للتوجّه نحو أي دولة لأنها تمثل له فرصة يجب استثمارها والاستفادة منها معتبراً أن الجهد لتوفير هذه الفرص ليس فردياً أبداً، وإنما يحتاج لزيارات وفود ومعارض وندوات وتسهيلات واتفاقيات وجهات تساعد في إنجاح عملية التوجّه شرقاً، ومن هذه الفرص دول مثل العراق وإيران ودول الاتحاد السوفييتي سابقاً، وروسيا وأرمينيا والصين وفنزويلا وجنوب إفريقيا وغيرها من الدول التي يمكن للسلع السورية أن تلقى رواجاً فيها.
معارض خارجية
 وفي هذا السياق تركز خطة عمل اتحاد المصدرين للأشهر القادمة كما أوضحها أمين سر الاتحاد مازن حمور على إقامة المعارض الخارجية وإيجاد أسواق بديلة بعد خسارة أسواق مهمة بسبب الأحداث الراهنة، حيث توجد مشكلة فعلية في إيجاد بدائل لتسويق المنتجات السورية وتصديرها. ويكشف حمور أنه من أجل تحقيق هذه الغاية يعمل الاتحاد على اختراق الأسواق الخليجية التي تعد سوقاً مهماً للمنتجات السورية وستكون الانطلاقة من دولة خليجية شقيقة لا تزال ترحب بالسلع والبضائع السورية في أسواقها، وسيلمس المصدرون النتائج قريباً، بالإضافة إلى تفعيل الاتفاقيات التجارية بين سورية وروسيا وبيلاروس وكازاخستان وأوكرانيا وفتح تلك الأسواق لمنتجاتنا.
هذه الجهود لا نعرف إن كانت ستثمر وإن أثمرت فعلينا ألا نضيعها لتوطين سلعنا في هذه الأسواق وإعادة التواصل مع الأسواق التقليدية لمنتجاتنا واليوم أفضل من غد كي لا يقطعنا الوقت والقطار..!!؟؟.