التقاطعات ومواجهة التبدلات السريعة

التقاطعات ومواجهة التبدلات السريعة

الأزمنة

السبت، ٢٨ فبراير ٢٠١٥

زهير جبور
إن دراسة الشروط الاجتماعية للمجتمع، تتطلب بداية التحقق من مدى تأثيرها على مجرياته، وتغير الاتجاهات والموضوعات وتداخلها ليأتي الناتج تكون العواطف المتنوعة بين الوطنية ، الأمومة، الصداقة، وعملية التتابع والتقاطع فيما بينها حسب نظرية علم المجتمع، وهي في زمننا الحاضر لا تخضع لأي معيار ضمن معدلاته الطبيعية، والأحداث تتسارع والمفاهيم تتبدل، ومنها ما ينهار، والجرأة الوطنية تتطلب الاعتراف والسعي للإنقاذ. وفي اللاذقية أعلنت بعض الأماكن العامة عن حفلاتها بمناسبة عيد الحب أو العشاق، الذي يكون عادة في شهر شباط بحسب من ابتدعوه وصنعوه، وإذا ما دققنا في جوهره فهو مناسبة ليست متجانسة مع المضمون، لأن الحب هو العيد فكيف يُخصص يوم من أجل العيد للعيد، وهذا ما تطلبته الحداثة التي ابتدعت ما هو أخطر من ذلك، ومن الطبيعي أن استمرارية الحياة أمر مبتغى في كل الظروف، وإلا لحلّ اليأس، وتثلج الإرادة، وبرغم الحزن واختلاف أيامنا عن شروطها السابقة إلا أن العيش سيبقى، وعيد الحب لا يعني تلك الساعات التي تمضي في صخب أو هدوء، بل ينبغي أن يستثمر للتأكيد على وجوده وتمتينه في علاقات الجماعة مع بعضها، وفي الماضي لم يكن له ثمة موعد في وقت محدد، بل كان استمرارية للأيام، وحضوره ليس مناسبة تشريفية وتكريمية، لأنه من صلب مزيج التماسك الوطني، الاجتماعي، الإنساني، وتعريفه في الصداقة يرمز إلى التجمع وتجنب الفراغ والوحدة الموحشة، وعند الأمومة تقاطع الإحساس بالابتعاد عن الخطر وفي حضن الأم الشعور بالحنان، وتواصل العاطفة من خلال الدفء المميز، وعند الوطني الذي يقاتل من أجل الوطن حين يتهدده الأعداء فهو الحب المطلق، والاعتزاز بالانتماء، والافتخار بالحاضر والماضي، والشعور بالطمأنينة حين يُقدم للوطن عمل من أجل المستقبل، ثمة مشاعر تصب في جوهره الحقيقي، والذي يشمل الارتباط بين الفتاة والشاب، وبناء الأسرة السليمة عقلياً وجسدياً، وفي زمننا الحالي تميل هذه العلاقة منذ بداياتها انجذاباً صوب محال الذهب، والعامل الرئيس ارتباط تجاري يخضع لمفهوم الربح دون خسارة، وإن حصلت تنفض العقود لأن الرابط الاجتماعي الذي يسود بمعظمه ينسج بعناصر أبرزها المال، لينفي تواريخ إيجابيات العلاقات الإنسانية، بعد حسر الزمن وتقيده بالمكان عبر أفراد محددين والانسلاخ عن الجماعة المحلية مستبدلة بأخرى كونية في الصداقة والحب والزواج، ما أدى إلى تشظي الشخصية الأمر الذي يتطلب مراجعات نفسية دقيقة، وسبراً علمياً لحالات الانفصام المتزايدة وخاصة أن طقوس العادات والتقاليد والخجل خرجت عن المتعارف عليه لتحل مكانها طبيعة الإنفاق والبذخ وأسعار الذهب، وأين الحب من كل ذلك والوطن يواجه شراسة الأشرار وهجمة الوحوش ونحن نحتاج الحب ونبضه وما يجمعنا سواه، وحضوره في وقت الشدة يعني الانتصار عليها والخروج منها.
•    تبدلات سريعة
لنفكر بواقع مجتمع كما هو في اللاذقية وقد طرأت عليه تبدلات سريعة طارئة، دخلت بفوضاها في السنوات الأخيرة، ومنها الزيادة المباغتة على عدد السكان بعد استقبال الإخوة الوافدين من المحافظات الساخنة، ودخول الصناعات اليدوية التي لم تكن معروفة سابقاً، ارتفاع أسعار إيجار البيوت، الثراء الأوتوماتيكي الذي ظهر بين بعض الأفراد، عصابات الخطف والفدية المطلوبة، ظاهرة التسول بأشكالها، وتضاعف أطفال جمع القمامة من الحاويات، والفقر الذي وصل إلى نقطة الصفر، وغياب الخدمات العامة كما يجب أن تكون، والعجز في عمل الإنقاذ، سواء من جهة الحكومة أو المجتمع المدني وغيرها، وتوضح السيدة الشاعرة مناة الخير رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب والوجه الاجتماعي البارز أن المجتمع فقد خصوصيته وهو ما أدى إلى وضع آخر لم تكن الاحتياطات متخذة لمواجهته، كل شيء حدث بسرعة ومن قبلها كان عنصر التقليد راسماً للشخصية فتحول الأفراد إلى نسخ مكررة بحكمه، والتوجه إلى المادي بعيداً عن المعنوي، أما في الحب فإنه في زمننا كان يصب بالمعرفة والثقافة وبناء المجتمع سليماً، وكنا نعمل على انتصاره معنوياً وليس مادياً، وفي الصورة الشعرية كنا نتذوق المشاعر المتأججة حباً في الوطن، الصديق، الأم، الأسرة، الآخر وهو يحاذينا الحركة والتطلع، لينقلب التزييف على حساب الذوق والعمق، والمشكلة الكبيرة أن الانحراف جعل من (المكياج) أساساً وقفزاً فوق المضمون  بجماليته وهي التي كانت تشد الإحساس في مجتمع ينمو مع تطورنا سليماً باتجاهاته الصحيحة، وفي اللاذقية كان من الأجدى قبل الأحداث السعي للمحافظة على ما فقدناه، ونحن نتحمل مسؤولية تربية الأجيال، وكان من الممكن أن نخفف من الأضرار في التصويب والتقليل من جاذبية المغناطيس العولمي الذي طغى وأفقدنا رجاحة العقول، لنقولها من دون خجل ، وحين وقعت الأحداث جعلتنا في حالة إرباك وذهول وجماد فكري، ولم نمتلك أدوات التخطيط لعملية التوازن بين ما يجري واستيعابه بخطط النجاة النفسي والاقتصادي والاجتماعي، أما الدكتور وائل محرز المختص في طب الأسرة بمديرية صحة اللاذقية، فقد عرف الحب عبر بيت من الشعر حفظه في المرحلة الإعدادية ( ما تفعل البيض وسمر القنا يوم الوغى ما يفعله الحب) وهو قوة الفعل التي لا تنهزم، ومن يحكم على الحق بالموت  والآية الكريمة تقول: ( ولا تحسبن الذين قتلوا ) صدق الله العظيم،  ومن يحكم علينا بالموت، وفينا من الحب والحق والشهادة  ما فينا، والعالم ينحني جانباً حين يواجه حباً حقيقياً يعرف هدفه، والحكم بالموت ينبغي أن ينال الخذلان، والضبابية وسديمية الرؤية والتصلب والشر والفساد، لأن الحياة أبرزت أن الجمال أمضى، والرقة أنقى، وقطرة الماء تحت الصخر والماس البهي يقص متانة تصلبه، وعليه فالقلب  والخير والحق هي عناصر الحب المنتصرة أخيراً، بعيد أو من دون عيد.
•    لنعمل في حب
بعد ذلك وبلادنا تواجه الدمار وشعبنا يدفع الثمن غالياً، وليس من شعب صمد وقاوم وضحى كما هو السوري فلنعمل بحب في هذا الزمن المتغير الغادر وقد وصلنا إلى ما نحن فيه، وليكن العيد مناسبة للتفكير والعمل وإعادة الحسابات والخروج من الأخطاء، وللشباب حقهم في الحلم ولا يمكن حرمانهم منه، وعليهم مسؤولية الشعور مع العلم أن اللامبالاة لا تصنع الإرادة المطلوبة وقت الشدة والخطر، وكذلك هؤلاء الذين يتاجرون ويستغلون ويزيدون من الحصار، ويحبسون الأوكسجين، وإذا ما كان الحب حقيقياً فهو يعني التفكير والعمل والتعاون وينبغي الإسراع في إزالة المظاهر التي لا يمكن تقبلها في كل الظروف، وثمة جماعات لا تكترث، ولا تعمل، وكأن الانهيار لا يعنيها ويشملها.
•    الخطر الأكبر
مما لا شك فيه أن السقوط النفسي يشكل خطراً أكبر بكثير مما تخلفه عمارة، وحين يحل وقت البناء سترتفع من جديد بهمة من ينهضون من تحت الأنقاض مصرين على الحياة، أما إن سقطت العزيمة وحلّ الانفصام وانشطرنا إلى اثنين كل منهما يخاطب الآخر دون أن يسمعه فحينها الانهدام الأخطر والأكبر، وسوف يفقد الشعور تماماً هو الحب المنقذ، الأقوى، الذي يعمل من أجل الجميع  بوحدة الـ "نحن"، جميعنا دون استثناء، وحينها نحتفل بذلك العيد الذي ننتظره في الانتصار .. انتصار الحب الحقيقي.